العنف الأسري وانعكاساته المجتمعية في كربلاء المقدسة (إنموذجاُ)
الدكتور حيدر محمد زغير الكًريطي
في البدء ماذا نقصد بالعنف: يعرف العنف لغة على إنه استخدام الشدة والقسوة والفعل منه عَنفَ فيقل عُنفَ بالرجل أي لم يرفق به أي عامله بشدة وعنف ولامه أو عيره والفعل منها أيضاَ عنف فيقال عَنَف موظفاً أي لامه بشدة بغية إصلاحه أو ردعه.
أما من حيث الاصطلاح فيقصد بالعنف الأسري هو استخدام الفعل الشديد (القوة) في غير محلها أي بطريقة غير قانونية أو التهديد باستخدامها من أجل التسبب بالضرر والأذى للأخرين. ويعرف العنف أيضا في علم الاجتماع على أنه اللجوء الى الأذى من أجل تفكيك العلاقات الأسرية والعنف ضد الزوجة أو الزوج أو الأبناء أو كبار السن سواء ذلك من خلال الاهمال أو الإيذاء البدني أو النفسي أو العنف الأخلاقي وفي تعريف أخر للعنف هو سلوك عدواني يمارسه فرد أو جماعة أو طبقة اجتماعية معينة هدفها استغلال أو اخضاع الطرف المقابل ذي قوة غير متكافئة اجتماعيا أو اقتصاديا أو سياسياً.
للعنف الأسري أنواع وصور وأشكال متعددة ومختلفة منها العنف اللفظي وهو الشائع بشكل كبير والعنف النفسي وهو الأكثر خطورة والعنف الجسدي ومنها العنف الاقتصادي والعنف الثقافي والعنف السياسي والعنف الالكتروني، ويحصل العنف ضد الأبناء والعنف ضد الزوجة والعنف ضد الأخوة والعنف ضد الآباء والعنف ضد زملاء العمل الى غيرها من أشكل العنف والمعنفين.
في محافظة كربلاء تشير البيانات انه خلال المدة (2012-2022) سجلت المحافظة (6573) حالة عنف أسري وهو رقم كبير لا يستهان به وهو مؤشر أن هذه الظاهرة في تفاقم كبير مهدد السلم المجتمعي في المحافظة، وهي بعيدة عن دينها ومعتقدها وأعرافها وسلوكها الأيديولوجي، أي بمعدل (730) حالة سنويا توزعت هذه الحالات على مختلف مدينة كربلاء المقدسة ويرجع السبب في ذلك الى الاختلاف في المؤشرات الثقافية والتعليمية والبيئية بين سكان محافظة كربلاء المقدسة فضلاً عن اختلاف الكثافات السكانية والسكنية بين وحدة إدارية وأخرى وبين مدينة وأخرى إذ أن للكثافة السكانية أيضاً دور بارز ومهم في ذلك، وجاءت النسب مختلفة على مستوى قطاعات كربلاء المقدسة إذ جاء قطاع الحيدرية بنسبة عنف اسري بلغت (52.5%) من حالات العنف الاسري الكلية في مدينة كربلاء وفي المرتبة الثانية فقد جاء قطاع الجزيرة بنسبة عنف أسري بلغت (25%) حالة، وفق المرتبة الثالثة جاء قطاع المدينة القديمة بنسبة مئوية بلغت (18%) حلة عنف أسري لعام 2022.
يأتي ارتفاع هذه النسب من ظاهرة العنف الأسري في مدينة كربلاء المقدسة وغيرها من المجتمعات الأخرى بفعل دوافع متعددة تدفع الشخص المعنِف لاستخدام العنف بصوره وأشكاله المتعددة من هذه الدوافع : دوافع ذاتية ويقصد بهذا النواع من الدوافع هي تلك التي تنبع من ذات الإنسان نفسه التي تقود نحو العنف الأسري ، وهذا النوع من الدوافع يمكن أن يقسم الى قسمين كذلك منها: الدوافع الذاتية التي تكونت في نفس الإنسان نتيجة ظروف خارجية من قبيل الأهمال وسوء المعاملة، والعنف الذي تعرض له الإنسان من طفولته الى غيرها من الظروف. أما النوع الأخر هي الدوافع التي يحملها الإنسان منذ تكوينه. ومن الدوافع الأخرى هي الدوافع الاقتصادية والدوافع الاجتماعية والدوافع الثقافية وغيرها من الدوافع الأخرى التي تعد أسباب للعنف الأسري المقصود.
ولا يخفى على الجميع أن مخاطر هذه الظاهرة تأتي من خلال الأضرار الكبيرة والمعقدة لها، أي إن لهذه الظاهرة أثار مترتبة عليها التي بدأت تنتشر بشكل واسع في مجتمعاتنا ومن هذه الأثار ما تنشه من عقد نفسية التي قد تتفاقم وتتطور لتصل الى حالات مرضية يصعب علاجها خاصة على من مورس العنف بحقه، كذلك أيضا من الأثار المترتبة على هذه الظاهرة التفكك الأسري إذ أن استخدام الأباء للشدة والعنف للتعامل مع زوجاتهم أو أبنائهم يحرمهم من العيش بسلام والاستقرار مما يؤدي الى التفكك الأسري الذي هو بحد ذاته تتفرع منه جرائم كبرى منها (المخدرات- البغاء- التسول – الكحول- الجريمة المنظمة – السرقة …الخ)، فضلا عن ذلك ارتفاع نسب الطلاق تأتي بسبب العنف الأسري الموجه ضد الزوجة ويأتي العنف مرة بشكل مباشر من الزوج ومرة أخرى من أهل الزوج وبالتالي يسبب ظاهرة الطلاق.
وفي ضوء ما ذكر أنفاً ونتيجة لخطورة هذه الظاهرة على مجتمعاتنا لابد من أتخاذ تدابير وإجراءات لابد منها من الحد من هذه الظاهرة سواء على مستوى الإجراءات الحكومية أو على مستوى منظمات المجتمع المدني أو الجهات الدينية أو حتى العشائرية ومن هذه الإجراءات إقامة الورش والندوات والمؤتمرات والبروشرات في جميع مفاصل العمل وعلى المنابر وشاشات التلفاز مدعومة بنماذج من هذه الحالات التي تدمرت منها الأسر.