(استخدام التقنيات الحديثة ودورها في تحسين الإنتاج الزراعي للمناطق الجافة)
م. د علي كاظم جواد الخزاعي .
جامعة كربلاء – كلية التربية للعلوم الانسانية – قسم الجغرافية التطبيقية .
   توصف المناطق الجافة بندرة المياه فيها وتعد من أكبر التحديات التي تواجه الزراعة في العالم ، إذ تعاني هذه المناطق من قلة المياه وارتفاع في درجات الحرارة، وهذا جعلها من أصعب البيئات في زراعة المحاصيل التقليدية، ومع زيادة الطلب على المنتجات الغذائية الزراعية النباتية والحيوانية بسبب الزيادة السكانية في الآونة الاخيرة ، وأصبح من الواجب تحسين الإنتاج الزراعي في هكذا مناطق أمرًا ضروريًا لضمان زيادة الانتاج وتحقيق الأمن الغذائي ، إذ توفر التكنولوجيا الحديثة حلولًا مناسبة في زيادة الانتاج وتحسين نوعيته في المناطق الجافة ، وهذا له دور مهم في زيادة كفاءة استخدام الموارد المتاحة ، وتقليل الفاقد المائي ، وتحقيق الاستدامة في القطاع الزراعي بشقيه من خلال استخدام التقنيات الحديثة في الري، إن من أبرز الحلول التكنولوجية الحديثة التي ساهمة وساعدت في زيادة الانتاج والعمل على تحسين نوعيته من حيث استخدام تقنيات الري الحديث والمتقدم فهذا يقلل من الفاقد المائي بنسبة كبيرة من التسرب العميق والتخبر وتوفير المياه الى جذور النبات بشكل مباشر ، ومن هذه الانظمة :-
  • الري بالتنقيط والري بالرش :-
    إذ  تكون الطرائق أكثر كفاءة من الانظمة التقليدية التي تعتمد في نظامها على الري بالغمر ، إذ يؤدي الري بالتنقيط على سبيل المثال الى زيادة انتاج المحاصيل الزراعية بنسبة ( 30- 50%) في المناطق الجافة وغير الجافة مقارنةً مع نظام الري التقليدي هذا ما أكدت عليه منظمة الاغذية والزراعة (FAO) في ( 2017) ، إذ إن الري الحديث والذكي هو تقنية من تقنيات الاستشعار عن بعد من خلال استخدام الاجهزة الذكية التي تعمل على مراقبة حالة التربة ومحتواها الرطوبي وكذلك حالة النبات ، ويساعد بدوره الفلاحين او المزارعين على تحديد الوقت المناسب والمثالي للري وحتى التسميد بالري ، وأن استخدام تقنيات الري الحديثة ساعدت في تقليل الاستهلاك والضائعات المائية التي تقلل من الهدر وتحقيق اقصى استفادة ممكنة ، فضلاً أستخدام أنظمة الري الاخرى منها الرش الثابت والرش المحوري المتقدمة ، وهذه الطريقة تستخدم في ري المساحات الكبيرة والشاسعة من الاراضي الجافة في زراعة المحاصيل المختلفة واهمها محاصيل الحبوب كالقمح والشعير والذرة والشوفان والشيلم وغيرها ، وإن استخدام هذه التقنية في الري من الحلول الفعالة لتوزيع المياه بشكل عادل ومتساوي على المحاصيل المزروعة .  
 
  • الزراعة الذكية الدقيقة :-
    تعد الزراعة الدقيقة من التقنيات المتطورة باستخدام الأقمار الصناعية ، والطائرات المزودة بالمتحسسات  وبدون طيار مثل (الدرونز)، واستخدام نظم المعلومات الجغرافية المكانية (GIS) لجمع ودراسة وتحليل البيانات بشكل دقيق ،وإن هذه التقنيات تسمح او تتيح للمزارعين والفلاحين بمراقبة حالة المحاصيل بشكل مستمر طول مدة زراعة أي محصول ، وكذلك تحديد المناطق التي تعاني من مشاكل زراعية مختلفة مثل نقص المياه أو المغذيات او تدني في خصوبة التربة وهنالك أجهزت استشعار يمكن استخدامها لمراقبة المحاصيل الزراعية في المناطق الجافة ومناطق واسعة أيضاً بمراقبة عن كثب ومستمرة طوال الموسم الزراعي ، كما إن استخدام هذه التقنيات تمكن الفلاحين من توزيع المبيدات والأسمدة بشكل أكثر عدالة ودقة وفق الدراسات التي اجريت في هذا الصدد ، ويمكن لهذه التقنيات أن تعمل على تقليل من استهلاك المياه من التربة بنسبة تصل إلى (20% ) ،إذ تعرف المزارعين على كيفية استخدام مياه الري فقط للأماكن التي تحتاج إليها المحاصيل بشكل أكثر دقة على عكس الطرائق التقليدية في الري .
  • البذور المعدلة أو المهجنة وراثيًا:-
     إن البذور المعدلة وراثيًا هي أحدى الابتكارات التكنولوجية الحديثة والتي هدفها هو تحسين نوعية الإنتاج الزراعي وزيادته وخاصة في المناطق الجافة والواسعة ، إذ تم تطوير أنواع من المحاصيل الزراعية التي تتحمل ظروف الجفاف وارتفاع في درجات الحرارة وخاصة محصول الأرز ومحصول الذرة المعدلة أو المهجن وراثيًا لأنها من المحاصيل الاستراتيجية ذات القيمة الغذائية الكبيرة ولتكون هذه المحاصيل أكثر مقاومة لظروف البيئية الجافة والقاسية ، ولقد تم تطوير أصناف من محصول الأرز المقاوم للجفاف في الهند، وهذا مهد للمزارعين والفلاحين من زراعته في المناطق الجافة بنجاح وفي البيئات التي تعاني من قلة  المياه وكذلك العمل على تحسين قدرة محاصيل اخرى على تحمل الظروف الجافة القاسية، التي تمكن المزارعون من زيادة الإنتاجية الزراعية وتحسين نوعيته في مناطق التي تعد غير صالحة بالأصل  للزراعة التقليدية.
الزراعة المستدامة والتكنولوجيا البيئية الحديثة
   إن التكنولوجيا هي احدى التقنيات الزراعية الحديثة التي لا تقتصر فقط على زيادة الانتاج بل على تحسينه أيضاً ، وتشمل الزراعة المستدامة التي تهدف إلى حماية الموارد الطبيعية المتوفرة والغير متوفرة  في المناطق الجافة ، مثل تقنيات الزراعة في عدم حرث الارض التي بدورها تساعد في الحفاظ على بنية وقوام التربة ومنع تآكلها ، بالتالي يعزز قدرة التربة في الاحتفاظ بالمياه في اكثر وقت ممكن ،وتعتمد العديد من تقنيات الزراعة المستدامة في استخدام عمليات التسميد بالمواد العضوية أي السماد الطبيعي لتحسين خصوبة التربة وزيادة قابليتها على الانتاج . واستخدام أنظمة الطاقة المتجددة في العمليات الزراعية مثل الطاقة الشمسية المستخدمة في مضخات المياه التي تعد واحدة من الابتكارات التكنولوجية التي تدعم الزراعة في المناطق الجافة والمكشوفة مثل مناطق شمال وشمال غرب العراق وشمال إفريقيا ومناطق شبه الزيرة العربية وبعض مناطق بلاد الشام التي تعاني من ندرة المياه ، وان استخدام الطاقة الشمسية ساعد على توفير مياه الري في المناطق التي تعاني من نقص شديد في الموارد المائية وارتفاع في درجات الحرارة وخاصة في المناطق الصحراوية الجافة . 
تقنية الزراعة الحديثة المسمى (بالزراعة الرأسية) 
    هناك طريقة حديثة آخر للزراعة في المناطق الجافة هو الزراعة الرأسية ، وهي من الأساليب الحديثة التي تسمح بزراعة المحاصيل الزراعية باستخدام كميات قليلة من المياه الري ، وتعتمد الزراعة الرأسية على زراعة المحاصيل في شكل طبقات متعددة داخل مباني خاصة ومغلقة، وهذا بدوره يساعد في تقليل الاستهلاك المائي والأرضي للمياه بينما ، بينما هناك نوع اخر من التقنيات الحديثة في الزراعة منها  الزراعة المائية التي يتم زراعة المحاصيل دون الحاجة إلى تربة ، إذ تنمو النباتات في بيئة مائية تحتوي على جميع المغذيات اللازمة ، وكذلك تقنيات الزراعة الهوائية كما تم استخدامها في بعض الدول كاليابان والصين وبعض دول من اوربا وهذه الأساليب قد تكون حلاً فعالًا في المدن والمناطق التي تعاني من ندرة المياه .
الخلاصة:-
   يعد استخدام التكنولوجيا الحديثة في زراعة المحاصيل أبتداءً من طرائق الري الحديث والذكي إلى البذور المعدلة والمحسنة وراثيًا وكذلك الزراعة الدقيقة ، إذ أصبح من الضروري ان تستغل المناطق الجافة والواسعة في زراعة المحاصيل المختلفة وخاصة الاستراتيجية لمواجهة تحديات زيادة الطلب على الغذاء  بسبب الانفجار السكاني ونقص المياه وارتفاع درجات الحرارة في المناطق المذكورة ، وإن هذه التقنيات تساعد على زيادة الإنتاج الزراعي وتحسين نوعيته وتقليل استهلاك المياه او الضائعات المائية وضمان استدامة البيئة الطبيعية وبقاء الاستمرار تقديم الأبحاث والابتكارات التكنولوجية ، لجعل مستقبل زراعي واعد يحمل في طياته فرصًا أكبر لضمان الأمن الغذائي للأجيال القادمة في المناطق الجافة والواسعة التي كانت تعد يومًا ما غير صالحة لزراعة المحاصيل .
 

شارك هذا الموضوع: