دور النخب الواعية في دعم وإنجاح التعداد العام للسكان
      ظهرت الكثير من الشائعات في اوساط المجتمع العراقي والتي تتمحور حول ان البيانات التي سيتم جمعها من خلال التعداد السكاني العام تُستخدم لاحقاً لإيقاف رواتب الإعانة الاجتماعية عن بعض الفئات، وان هذه البيانات ستستخدم لأغراض الدعاية الانتخابية، وان التعداد السكاني سيكشف عن المتزوجين من الزوجة الثانية وهو ما قد يسبب مشكلات اجتماعية وقانونية لبعض العائلات، وغيرها الكثير من الشائعات التي انطلقت من اجل افشال عملية التعداد السكاني العام، لذا علينا ان نفهم ماهية وحقيقة التعداد.
       التعداد العام للسكان هو كل عمليات جمع البيانات الإحصائية المتعلقة بالسكان والمساكن وتحديد مواقعها الجغرافية وتحليلها وتقييمها وتوزيعها، وتشمل خصائص السكان البيانات الديموغرافية (مثل العمر والجنس) والاجتماعية (الحالة الأسرية بمعنى متزوج او اعزب ومكان الإقامة والحالة التعليمية) والاقتصادية (المهنة و الدخل) في فترة معينة.
دور النخب الواعية في عملية التعداد السكاني
      النخب جمع لمفردة (النخبة) وتعبر كلمة النخب عن طبقة معينة أو شريحة منقاة من شرائح المجتمع ، تمتاز النخبة بأنها صفوة المجتمع التي من شأنها أن تقود المجتمع وفق ثقافة وهوية ومبدأ وهدف محدد وتتمتع بمكانه علمية واجتماعية مرموقة كــ(رجال الدين وأساتيذ الجامعات والمثقفين والسياسيين والاعلاميين)، فكان دور رجال الدين في حث المجتمع على الادلاء بالمعلومات الدقيقة عن حالتهم الديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية لما لرجال الدين من مكانة عالية في نفوس العراقيين ، وكان لأساتيذ الجامعات دور مهم في تشجيع ودعم هذه العملية المهمة والمحورية بالنسبة للدولة العراقية عبر إقامة المؤتمرات العلمية كالمؤتمر الذي اقامته جامعة كربلاء والموسوم (التعداد السكاني أساس التخطيط والتنمية المستدامة) فضلا عن الدورات والندوات و ورش العمل الخاصة في داخل الجامعات وكذلك عبر صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الاعلامية بتوضيح اهمية هذا الحدث بالنسبة للسكان وللحكومة في رسم السياسية التنموية والعمل على رد كل الشائعات الي انتشرت في اوساط المجتمع العراقي وبيان بطلانها وعدم صحتها فالتعداد السكاني هدفه الحصول على بيانات احصائية دقيقة عن حالة السكان والمساكن وتطوير الخطط التنموية الشاملة ، وليس هدفه تضييق الخناق على المواطنين، وان التعداد سيزود البلاد ببيانات دقيقة عن أعداد الفقراء المستحقين لبرامج الرعاية، مما يحسن توزيع هذه البرامج وضمان وصولها لكل المحتاجين وهو عكس ما اشيع بين اوساط المجتمع، كما أن التعداد سيساعد في تحديد نسب التعليم ومستوى الأمية في البلاد، مما يسهم في تحسين قطاع التعليم بشكل شامل، ويعطي صورة واضحة عن مستوى القطاع الصحي، فضلا عن دوره في تحقيق العدالة في توزيع موارد الدولة والتخصيصات المالية بين المحافظات حسب الحجوم السكانية الحقيقية لكل محافظة، لذا فالتعداد يمثل اهمية قصوى في المرحلة الراهنة، كون ان العراق يعاني من غياب قواعد بيانات دقيقة وشاملة تغطي العديد من المجالات المهمة، مثل معدلات البطالة ونسب الفقر، وتوزيع السكان، كما وان البلاد تفتقر إلى أرقام دقيقة موثوقة تتعلق بقطاعات الخدمات كالصحة، والتعليم والبنى التحتية، مما يعرقل عملية رسم السياسات التنموية السليمة، واتخاذ القرارات الإستراتيجية المبنية على أسس علمية دقيقة، لاسيما إن آخر تعداد شامل أُجري في العراق كان في عام 1987، وكان آخر تعداد سكاني رسمي أجراه العراق، في عام 1997 حيث استثنى منه محافظات إقليم كردستان الثلاث، أربيل والسليمانية ودهوك، وخلال هذه الفترة الطويلة بين اخر تعداد شامل ويومنا هذا فأن الفارق الزمني كبير جداً وكان سبب التأخير في اجراء تعداد سكاني شامل هي الأوضاع الأمنية بعد الاجتياح الأمريكي للعراق وتغير النظام السابق عام 2003 ، والتوترات السياسية، فضلا عن ظهور التنظيم الارهابي الذي سيطر على مناطق واسعة من العراق في عام 2014 ، لذا فإن البلاد اليوم بحاجة ماسة إلى إعادة رسم الواقع السكاني والديمغرافي والاجتماعي والاقتصادي ، وتحديد خصائص حياة السكان واحتياجات الفرد العراقي في كل منطقة من مناطق البلاد سواء كانت ريفية ام حضرية. ويتضح دور  النخبة من السياسيين في صنع واتخاذ القرارات التي من شأنها تسهل عملية التعداد السكاني وحثّ المجتمع على التفاعل الايجابي مع موظفي التعداد حيث يشارك في التعداد نحو 120 ألف عداد تابع لوزارة التخطيط العراقية.
      كما ان للإعلام والاعلاميين دور فاعل في عملية تنفيذ التعداد السكاني، من خلال زيادة وعي الناس بأهمية وأهداف هذا التعداد، عبر تنفيذ الفعاليات الاعلامية والارشادية والتثقيفية الموجهة الى كل طبقات المجتمع وفي جميع المحافظات، والتي ستكون كفيلة بتحقيق نجاح السلطة الاعلامية في هذا الحدث المهم.
      خلاصة القول ان التعداد العام للسكان والمساكن يوفر فرصة للحصول على احصائيات ورسم صورة شاملة ودقيقة للسكان والمساكن، وهي مهمة لتوفير مصدراً فريداً للبيانات السكانية تساعد في تشكيل السياسات التنموية الحالية والمستقبلية وتعزيز التخطيط التنموي واتخاذ القرارات المناسبة لاسيما والتي سيتم استثمارها لأغراض التنمية المستدامة، والتخلص من التقديريات السكانية غير الدقيقة، وان نجاح او فشل هذا التعداد يعتمد على مشاركة النخب الواعية والمثقفة عبر ممارسة دورها في تثقيف وزيادة وعي المجتمع من خلال محاربة الجهل في المعلومة والوقوف بوجهة من يحاول تجهيل المجتمع وعدم الانصياع الى الشائعات التي هي بعيدة كل البعد عن واقع التعداد.

شارك هذا الموضوع: