المشكلات الحدودية في الجغرافية السياسية – جمهوريات آسيا الوسطى إنموذجا
م.م. زينب محمد ياسين عبد القادر / كلية التربية للعلوم الإنسانية / قسم الجغرافية التطبيقية.
تعد المشكلات الحدودية من الموضوعات التي تحضى أهمية كبيرة من قبل المختصين في الجغرافية السياسية، لما له من دور كبير في كيان الدولة، والذي بدوره يعد المحور الرئيسي للجغرافيا السياسية، وقد كان أبو الجغرافية السياسية فريدريك راتزل من أوائل الجغرافيين الذين درسوا مفهوم الحدود ومشكلاته في كتابه الجغرافية السياسية عام 1895 بقوله: في مناطق الحدود يقع الجزء الأكبر من ثقل التوازن السياسي للدولة.
يمكن تعريف الحدود السياسية : بأنها ظاهرة سياسية تتفق عليها دولتان أو اكثر من أجل تحديد ملكية وسيادة الدولة بالنسبة للدول التي تجاورها، وتوضح على الخريطة (الجغرافية السياسية) بشكل خطوط تتبع ما اتفق عليه بين الدول من تعيين وفصل أراضي كل دولة عن الأخرى ، وفي الغالب تتميز بالثبات النسبي ، غير انه تكون عرضة للتغييرفي بعض الدول، علما ان بعض التغييرات في الحدود السياسية ، قد لا تسبب مشكلات تذكر؛ اذ يتم في هدوء اذا كان هذا التغيير قد تم الاتفاق عليها خاصة في المناطق الحدية التي لم تتبلور بعد كمناطق التخوم ، ولكن تظهر المشكلات الحدودية بين دولتين عندما يتم تخطيط الحدود دون اتفاق بين الدول المتجاورة ، مما يترتب عليه منازعات كثيرة ، قد تحاول احدى الدول ان تستولي على منطقة محددة من الدول الأخرى سواء أكانت في اليابس أم في الماء ، او يحدث بسبب الغموض في موقع الحد ، وهذا ينشأ نتيجة عدم تطابق الحد السياسي عند التطبيق مع نصوص المعاهدة والواقع على الطبيعة ، مما يترتب عليه تناقض في التفسيرات المختلفة ، كما هو الحال مع الحدود السياسية لمعظم بلدان اسيا الوسطى التي استقلت مع انهيارالاتحاد السوفيتي السابق بعد ان كانت تابعة لها ، وبدوره لم يتم رسم الحدود السياسية بين تلك البلدان كوحدة سياسية مترابطة بروابط تاريخية ومصالح مشتركة ، ويطلق لهذا النوع من المشكلات الحدودية باسم حدود القوة وهي احدى أنواع الحدود البشرية ضمن أنواع الحدود في الجغرافية السياسية والتي تعرف ” بانها حدود فرضت على الدول فرضا ، أي انه لم تؤخذ رغبات تلك الدول في ترسيم حدودها ، نتيجة لحروب إقليمية او كونية ، وماترتب عليه من اتفاقيات ومعاهدات خضعت لها الدول الضعيفة المجاورة للدول القوية ” ، وهذا ما حصل مع جمهوريات اسيا الوسطى والتي تشمل كل من ( كازاخستان ، تركمانستان ، طاجكستان ، قيرغيزستان ، اوزباكستان) التي استقلت عام 1990 بعد تفكك اتحاد السوفيتي السابق بسبب الحرب الباردة بينها وبين الولايات المتحدة الامريكية .
تُعد الموارد المائية نقطة الصراع الرئيسية بين هذه الجمهوريات، حيث تتنافس الدول على حقوق استخدام مياه نهري أمو داريا وسير داريا، اللذان يُعتبران عماد الزراعة والصناعة في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، يُسهم التداخل الإثنوغرافي في تفاقم النزاعات، حيث تضم هذه المناطق أقليات عرقية كبيرة. على سبيل المثال، هناك نزاعات بين أوزبكستان وقرغيزستان بسبب الوجود الكبير للأوزبك في قرغيزستان، كما توجد مشكلات مشابهة بين طاجكستان وقرغيزستان.
تؤدي هذه النزاعات إلى تزايد التوترات بين الدول، مما يعكس عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي الذي يمكن أن يتفاقم نتيجة للتغيرات السياسية. فالحدود غير المستقرة توثر على أمنها الإقليمي، قد يتحول هذه التوترات السياسية إلى صراعات مسلحة. ولذا ان الحفاظ على الاستقرار عملية يتطلب تعاونًا أمنيًا بين الدول، إلا أن تفاقم المشكلات الحدودية بينهما قد يحول دون تحقيق ذلك.