مفهوم واهمية الوصاية في الفكر الاسماعيلي الطيبي
اعداد
أ.د حيدر محمد عبد الله الكربلائي
م.م. مضر غالب يوسف

اختلفت الإسماعيلية فيما بينها حول مرتبة الوصاية فالبعض يرى بان الوصي أفضل من النبي بينما يذهب القسم الأخر الى القول بالمساواة فيما بينهم دون تفضيل احدهما على الأخر وذلك أن النبوة والوصاية هما أصلان متماثلان من حيث أنهما منة الله تعالى قائم كل واحد منهما بما له كان وجوده .
     كما تختلف الإسماعيلية مع الأثنى عشرية بالقول أن مرتبة الوصاية والتي يسمى صاحبها بالأساس او الصامت أعلى من الإمامة في حين تقول الاثنى عشرية أن الإمام علي () وصي وفي نفس الوقت أول إمام من الأئمة () .
      وتذهب الإسماعيلية الى الربط بين النبوة والوصاية على أساس أن النبي () قام في حياته بأمور الشريعة فسن قوانينها وشرع شرائعها وبين مناسكها وعلم الناس عبادة الله () بالعلم والعمل ولما كان بقاء النبي () في هذه الدنيا على الدوام أمر مستحيل وجب عليه أن يقيم مكانه من يؤدي وظيفته في شرح حقائق الشريعة وتأويلها فأقام () الإمام علي ()   له اقتداء بسنة الله تعالى في الرسل مثل نبي الله أدم () الذي جعل من شيت وزير له ونبي الله نوح () في أخذه سام وزيرا له وهذا ما اكده الداعي علي بن حنظلة (ت626هـ/1229م) بقوله:
                         وبعد كل ناطق وصي           يخلفه موفق مرضي 
                         مبينا تأويل ما أتى به           من سنة الله ومن كتابه
    وبحسب الاعتقاد الإسماعيلي أن مرتبة الوصاية خادمة للنبوة وكلاهما منة من الله تعالى ولها القداسة منوطة بوظيفتها فالنبوة لا انتفاع بها إلا بالوصاية وهي مرتبة اقل من مرتبة النبوة  فبذلك أن الإمام علي () في مرتبة اقل من النبي () وان منزلة الوصي كمنزلة اللوح المحفوظ من القلم في عالم الأمر على أساس أن القلم أو السابق هو اقرب الحدود الروحانية الى الله () وان اللوح أو التالي هو الحد الذي يلي القلم وان الله أبدع القلم واللوح من نوره وان القلم ممثول للناطق واللوح ممثول الوصي ولهذا تقول الإسماعيلية أن النبي محمد() والإمام علي () من نور واحد مستندين في ذلك الى قول النبي () : ” أن الله تعالى خلقني وعلي نورا بين يدي العرش نسبح الله ونقدسه قبل أن يخلق آدم بألفي عام فلما خلق آدم أسكننا في صلبه ثم نقلنا من صلب طيب الى بطن طاهر لا تختك فينا عاهة حتى أسكننا صلب إبراهيم ثم نقلنا من الأصلاب الطاهرة الى الأرحام الزكية … ” .
    وذهبت الإسماعيلية الى أن الوصاية هي مكملة للنبوة وهي أساس الدين ولا يصح الإيمان والعبادة دونها وان الشخص مهما عبده وأقام بأعمال خيرية لا تقبل منه حتى فسروا قوله تعالى : الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ  بان السبيل هو الإمام علي () وهو الصراط المستقيم وان من كفر بولايته وألقى الله () بذلك فقد حبطت جميع أعماله وأضل سعيه حتى وانه ليوافي يوم القيامة وان كانت أعماله كالجبال الرواسي فلن تنفعه تلك الأعمال ما لم يلق الله تعالى بولاية أمير المؤمنين (). وفي ذلك أورد لنا البهروجي ابيات اكد فيها على ولاية الامام علي () ووصايته للنبوة ولا يقبل عمل دون ذلك بقوله :
                 لو أن عبدا أتى بالصالحات غدا       بــــــورد كـــــل نبي مرسل وولي 
                 وصام ما صام صوام بلا مــلل        وقــــــام مــــــــا قام قوام بلا كسل
                 وعاش فـــي الناس آلافا مؤلفة        عار عن الذنب معصوما عن الزلل
                مـــا كان ذلك يوم الحشر منتفعا        ألا بـحب أمـيـر الــــــمؤمنين علي . 
     أما الجانب الباطني للوصاية فقد أوضحه الداعي الطيبي الحسين بن علي بن الوليد (ت667هـ / 1268م) من خلال مقابلة رتبتي النبوة والوصاية بقوله: ” كانت مرتبة النبي مرتبة العقل السابق في وقته ومرتبة أمير المؤمنين في الدين معه مرتبة الانبعاث الأول في عالمه والنبي مثل الذكر في الدين وأمير المؤمنين معه مثل الأنثى القابلة منه والنبي مثل السماء وأمير المؤمنين معه مثل الأرض فلما انتقل النبي () صار أمير المؤمنين بعده قائما في عالم الدين مقام العقل الأول” .
     ولما كان النبي (الناطق) يأتي لينسخ شريعة من قبله وإظهار شريعة جديدة كذلك يكون الوصي (الصامت) يأتي لنسخ التأويل الذي قبله وانه لابد للناطق من صامت يكون قريبا منه وأساسا له ويحتاج الى مشورته في أمور الدين والدنيا وهذا ما أكده القران الكريم وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا وان ما يجب للناطق من الحكمة الإلهية والعناية الربانية وجميع الأسرار النبوية يوجب أن تكون في الصامت ليمكنه من مؤازرته ومعاضدته في تنفيذ الأحكام.
     وقد حددت الإسماعيلية بان مهمة الوصي التأويل بما جاء في ظاهر الرسالة وكشف ما فيها من العجائب والعلوم ” فعلى هذا المنهاج تجري الوصاية في وضع كل شي موضعه بالتفسير والتأويل لينتفع به … وهي المنة الثانية من الله تعالى بالإضافة الى المنة الأولى التي هي النبوة “ في حين وصف كوربان الوصي ومهمته في عالم الدين بقوله : ” هو مستودع الوحي النبوي والوارث الروحاني المباشر للنبي وأساس الإمامة وان مهمته الخاصة هي التأويل الباطني الذي يعود بالظاهر الى أمه أي الى أصله وهو يشبه بالعقل الثاني “ .
       أما الداعي حاتم فقد فرق ما بين رتبة الوصي والإمام وان لكل منهما رتبة امامية فان الوصاية تستحوذ على مرتبة أرقى من الثانية رغم اتفاقهما في الوظيفة وهي رؤية تتفق بالرؤية الإسماعيلية ويتضح ذلك بتوسله من خلالهما لله () بقوله : ” اللهم أني أسالك بحق محمد خاتم النبيين ووصيه علي بن أبي طالب خاتم الوصيين وعلى الأئمة من آبائهما وأبنائهما الطاهرين المنتظرين الى يوم الدين “ وكذلك بقوله : “وهو الجاعل لكل علة منهم مقاما ورسما مرسوما أي انه المقيم لكل ناطق في عصره ووصي في دهره وإمام في زمانه الموحي لهم بمواده العلوية وعلومه الربانية” .
       ويذهب الداعي حاتم الى الربط ما بين الوصاية والشريعة والعقل وان من يترك الإمام علي () ولم يقر بوصيته فهو خارج عن شريعة الإسلام ومنطق العقل وهذا ما أكده بقوله:” وان تارك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وعلى الأئمة من ذريته تارك للشريعة وأحكام العقل ” وان وصاية الإمام علي () فريضة من الله تعالى حالها كحال نبوة النبي محمد ()وهذا ما أكده بقوله:” وهو الذي افترض الله تبارك وتعالى وصايته على النبي للخلق كما افترض نبوة رسول الله () وأمر بها أهل الغرب والشرق “ وهذا ما جعل النبي () ان يربط حبه من قبل المؤمنين بحب الإمام علي ()وذلك بقوله:” كذب من يحبني ويبغض      عليا ” . 
     وأضاف ان الوصاية ملازمة للنبوة بأمر الله تعالى منذ عهد نبي الله ادم () حيث نصب شيث () وصيا له وخليفة لان بقيامه كمال الدين وتحصيل كل مشكل وبيان كل منغلق وإيضاح كل مستور وما التبس وعمى على أهل زمانه ثم كانت الإمامة في ولده الى قيام نبي الله نوح () وهو أول أولي ذوي العزم من الرسل فنسخ شريعة من تقدمه وقام بدين جديد وشريعة جديدة وأمره الله تعالى بإقامة الوصي ونصبه فأقام ولده سام وصيا وخليفة من بعده في قومه وحصلت الإمامة في ولد سام الى أن قام نبي الله إبراهيم () الذي نسخ شريعة نوح () وأقام شريعة وأمر جديد ونصب بأمر الله ولده إسماعيل () وصيا وخليفة من بعده وهكذا بالنسبة الى نبي موسى () من بعده ووصيه يوشع () وعيسى () الذي نسخ شريعة موسى وأقام شمعون الصفا وصيا له ومن ثم النبي محمد () الذي نسخ شريعة عيسى () وختم الله بمبعثه الرسل وجعله خاتم النبيين أمره الله تعالى بتنصيب الإمام علي () وصيا وخليفة له .  
        وقد استدل في اثبات ذلك الى الكثير من الآيات القرآنية والاحاديث النبوية الشريفة كقوله تعالى : يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ وقوله تعالى : إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وقوله تعالى : فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ وقوله تعالى : وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ .
      كما استشهد بأقوال الرسول محمد () ومنها قوله : ” من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار “ وقوله () : ” علي مني كهارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي “ وقوله () : ” النظر الى وجه علي  عبادة “ وقوله () : ” أن ذرية الأنبياء من ظهورهم وان ذريتي من ظهر علي “ وقوله : ” أنا مدينة العلم وعلي بابها “ وقوله : ” أن الله أمرني بأمر وتواعدني أن لم ابلغه عنه أليكم عذبني “ وقوله : ” تنقلت أنا وأنت يا علي من الأصلاب الطاهرة الى الأرحام الزكية لم ينلنا عهر الجاهلية “ وقوله : ” أنا وأنت يا علي أبوا المؤمنين لعن الله من عق أبويه “ .
      كما جاء في خطاب وحي الله الأمين جبرائيل () ابان معركة احد (3هـ / 624م) أقوال تدل على مكانة الامام علي () منها قوله : ” لا فتى إلا علي لا سيف إلا ذو الفقار وقوله : “أن هذه لهي المواساة يا محمد فقال () : ولم لا يواسيني يا حبيبي جبرائيل وهو آخي وأنا أخوه فقال الروح الأمين : وأنا يا محمد أخوكما ” .
     فضلا عما سبق من آيات قرآنية شريفة واحاديث نبوية مباركة نجد ان الإمام علي () اكد في الكثير من أقواله في إيمانه وعلمه وزهده على الإمامة ومكانته في الإسلام الحقيقي منها قوله : ” والله لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا “ وقوله:” والله ما دخل عيني غمض منذ صحبت رسول الله () حتى اعلم ما نزل وفيمن نزل ومعنى ذلك في كل يوم وليلة” وقوله ” والله لقد آذاني الخياط بتردادي أليه في ترقيع مرقعتي ” وقوله : غرا غيري يا صفراء ويا بيضاء  يا دنيا دنية طلقتك ثلاثا والله لو كنت شخصا مرئيا أو قالبا جنسيا لأقمت عليك حدود الله “  .
     وبعد استطراد الداعي حاتم حول احقية الامام علي () ومكانته وبيان فضائله ودوره في الإسلام الأصيل نراه يورد ويبين الدلائل الموجبة والنصوص التاريخية المؤكدة حول تنصيب الامام علي () كوصي للرسول محمد () واحتجاجه على مخالفيه ومنها : 
أولا – ما أورده في مواقف الإمام علي () بقوله : ” ايها المؤمنون لم لا تطيعون من فدى رسول الله بنفسه ونام على فراشه وقدامه أعداءه بالبيان فوطن نفسه في ليلة ذلك للممات … لم لا تطيعون من قتل قائد الأحزاب ورمى في الخيبر بالباب ولم لا تطيعوا من أباد أهل     بدر وكان لهم في أحسن ذكر لم لا تعظمون المواسي لرسول الله يوم خيبر وحنين بعد أن بلغت القلوب الحناجر”  فضلا عن ذكره بعض مناقبه كولادته () في داخل بيت الله الحرام وأبو السبطين الحسن والحسين () وزوج البتول فاطمة الزهراء () وخامس أصحاب أهل الكساء () وأول السابقين في الدخول الى الإسلام ولم يعبد صنم ولا وثن .
ثانيا : ما ذكر في روايات بعض الصحابة التي تؤكد ولاية الإمام علي () حيث ورد عن سعيد بن جبير بقوله : شهدت وفاة عبد الله بن عباس () في الطائف فسمعته يقول : اللهم إني إشهدك أن عليا مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة . قال ذلك ثلاثا وقضى نحبه .
  ثالثا: تأكيد الداعي حاتم على يوم الغدير الذي نص فيه الرسول محمد () على الإمام علي () ومبايعة المسلمين له حتى عد ذلك اليوم احد الأعياد الثلاثة التي سنها النبي () لأمته ووصف ذلك اليوم بقوله : ” معشر المؤمنين فيومكم هذا يوم بين الله فيه منازل أهل الفضل وأكمل بالنص فيه على وصي رسوله الدين لكل ذي عقل فعظموا رحمكم الله … وأوضح فيه الأيمان يوم عظمه الله الجليل وأمر فيه بالنص الرسول يوم أكمل الله فيه خير الأديان وكسر فيه قرن الشيطان وافترض طاعة المنصوص عليه على جميع الأنس والجان ” .
   وبين الداعي حاتم فضل ذلك اليوم وعظمته واهم الأعمال فيه مستمدا ذلك من قول الإمام الصادق () : ” من فطر يومنا هذا يوم الغدير كان له اجر من فطر قياما وقياما حتى عد عشرة قيل له يأبن رسول الله ما القيام فقال () : القيام مائة ألف نبي وشهيد وصديق “ وقوله () : ” لو عمر أحدكم عمر الدنيا وصام جميع ذلك لكان صيام يومكم هذا أفضل من أجر من صام عمر الدنيا ” .



شارك هذا الموضوع: