أهمية الجغرافية في منهج البحث التاريخ
ا.د. حيدر طالب حسين
أستاذ التاريخ الأمريكي الحديث
كلية التربية للعلوم الإنسانية / قسم التاريخ
تعد الجغرافيا احد العلوم المساعدة التي يعتمد عليها الباحث في التاريخ ، اذ تعد المسرح الذي وقعت عليه الاحداث التاريخية ، لذلك سعى واكد رواد منهج البحث التاريخي على ضرورة عدم اهمال الجغرافية بل وجعلها أساسية واحد العلوم المساعدة لتمكين الباحث في فهم الاحداث التاريخية والوصول الى الحقيقة بقدر المستطاع ، وان كانت الحقيقة نسبية في علم التاريخ .
ان اهمية دراسة الجغرافية ليس اهتماماً بجغرافية الماضي بشكل مجرد بل لأنها سبباً لجغرافية الحاضر وبالتالي لطبيعة الحدث التاريخي في الماضي واثره على الحاضر، اذ ان معرفة خصائص البلدان في الماضي ، على سبيل المثال معرفة الموارد الاقتصادية لاي بلد يتيح الفرصة لمعرفة طبيعة علاقته التجارية مع البلدان الأخرى ، ما يفضي في النتيجة الى تفسير النشاطات البشرية في الماضي ، وعلى الرغم من ان الجغرافيين لم يعد عملهم الرئيس جمع المعلومات وعرضها بل أصبحوا يقدمون دراسات أكثر تطوراً ودقة ، إلا ان جوهر الدراسة في الجغرافية التاريخية وقيمتها يقومان على وصف الحقائق الجغرافية لتفسير الماضي بغية فهم الحاضر ، لذا فأن الباحث بأمس الحاجة لدراسة الجغرافية التاريخية لأنها تمثل المعين الذي يمكنه من فهم الحاضر بشكل صحيح .
وعلى الرغم من قدم مفهوم الجغرافية التاريخية ، الا أنها تميزت بحداثة أبحاثها بسبب انشغال الجغرافيين بجغرافية الحاضر بشكل مطلق من جهة ولصعوبة جعل ما موجود في كتب التاريخ في قالب الجغرافية التاريخية من جهة أخرى ، فمن اجل ان نكتب جغرافية تاريخية لا يشك أحد في نسبها الجغرافي بحيث تضم بين سطورها حلقات الاحداث التاريخية التي لا يمكن الاستغناء عنها في فهم الحاضر، فلابد من دراسة المظاهر العمرانية التي تترك وراءها أثاراً تدل عليها حتى الوقت الحاضر ، فضلاً عن تسليط الضوء على النواحي الاقتصادية والسكانية لاي بلد ، فأهمية الجغرافية التاريخية تأتي من قدرتها على وصف الخصائص الطبيعية في الماضي وبيان دور العامل البشري فيها وتحليلها ضمن إطارها المكاني من اجل ان تكون الدراسة ذات فائدة سيما لذوي الاختصاص ، اذ يرى كثير من المختصين ان الجغرافية التاريخية قسم مهم من أقسام الجغرافية وان جغرافية الحاضر تكتسب عمقاً ومعنى بالرجوع الى الماضي ، ونخلص من ذلك الى مدى أهمية الجغرافية التاريخية في منهج البحث العلمي التاريخي ، إذ ان أهميتها واضحة ولا جدال فيها، ولكن تتصف دراستها بالصعوبة والتعقيد لأنها تستلزم الإلمام بقدر كبير من المصادر من جهة ومقدرة الباحث على الفصل ما بين البحث التاريخي والبحث في أثر الفعل الجغرافي في مجريات التاريخ ، الا ان بعض الجغرافيين لا يذهبون الى أهمية الجغرافية التاريخية بحكم دراستها للماضي ، اذ يرون ان الجغرافية علم متجدد ، في حين ان التاريخ هو علم دراسة الماضي .
ونورد هنا شاهدا تاريخيا على أهمية دراسة الجغرافية باعتبارها علما مساعدا للباحث سيما في الدراسات الاكاديمية ، اذ ومن المعروف ان اسبانيا كانت سيدة البحار حتى عام 1588 ، الا ان الحرب التي دارت بينها وبين بريطانيا في هذا العام غيرت مجرى التاريخ ، ففي هذا العام جرت حرب الارمادة بين البلدين ، ورغم تفوق اسبانيا في البحار الا ان اسطولها المسمى بـ (الارمادة ) لقي هزيمة نكراء على يد الاسطول البريطاني ، اذ ان تغير مجرى الرياح أدى دورا حاسما في انتصار الاسطول البريطاني وبالتالي انتقال السيادة على البحار من اسبانيا الى بريطانيا . من هنا تأتي أهمية دراسة الجغرافية كعلم مساعد يمكن الباحث من فهم الاحداث التاريخية وتفسيرها بما يقربه قدر المستطاع من الحقيقة .