اركان توازن السوق في الفكر الاقتصادي الإسلامي
ا. د عبير عبد الرسول محمد التميمي
ان من اركان توازن السوق البالغة في الأهمية هو قيام سياسة الدولة الاقتصادية على التوفيق بين العرض والطلب لضمان توازن السوق ،فعملت على إدارة ورقابة العرض والطلب في أسواق السلع والعمل والمال والنقد، وتم التخطيط لهذه السياسة في أربعة محاور أربعة هي : ضوابط العمل ، والسعر والمنافسة التامة ( الحرية الكاملة) ومراقبة وتدخل الدولة الإسلامية لضمان سلامة تحقيق هذه الضوابط ،وبذلك بنى النبي (صلى الله عليه واله) الأسواق الإسلامية على أساس نظرية السعر العادي التي قبلت تحديد هذا السعر عن طريق تفاعل عوامل العرض والطلب بحيث إذا أرتفع السعر لقلة الرزق أو كثرة الخلق فهو ارتفاع عادل.
وكان للدولة أثرٌ كبير للمحافظة على سير هذا النظام الطبيعي في تفاعل قوى العرض والطلب، ففي حالة حدوث تلاعب مقصود في السوق لإنقاص العرض بغية إحداث ارتفاع في السعر بصورة تعسفية ، أو حدثت ظروف استثنائية كالحروب أو الكوارث الطبيعية ،فأن من واجبات الدولة التدخل في السوق وتحديد الأسعار، كما في عصر الخليفة عمر بن الخطاب ،وعهد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
واحتلت مشكلة الاحتكار، حيزاً مهماً من سياسة الدولة التوازنية ، نظراً لمكانة السلع الاستراتيجية وأمنها من جهة ، وحفاظاً على توازن العرض والطلب من جهة ثانية ،وما يتبع من توازن قوى التفاعل الطبيعي بين كميات السلع وأسعارها في الأسواق ،وكان تدخل الدولة المباشر في السوق بمنع الاحتكار بصورة مطلقة، بالإجراءات وقائية وعلاجية وبجبر المحتكر على بيع السلعة المحتكرة وتأديب المحتكر وتغريره .
كما إن نظرية السعر العادل أو السعر المثل من الاسباب الغاية في الاهمية لحفظ توازن السوق، فعُد أرتفع السعر لقلة الرزق ( جانب العرض) أو لكثرة الخلق ( جانب الطلب ) أو لكليهما عُد ارتفاع عادل وكذا اذا أنخفض السعر لكثرة الرزق أو لقلة الخلق أو لكليهما فهو انخفاض عادل أيضاً ،وعملت الدولة على توفير التداول المجاني للمعلومات عن الأسعار وأحوال السوق وضمان صحتها ، فإفشاء المعلومات الخاصة للأسعار يعدُ أمانة ،وفي حالة حصول غبن أعطي للمغبون الحق في فسخ البيع .
وكان للسياسة النقدية أثراً على السوق الإسلامية فقد ثبت رسول الله (صلى الله عليه واله)الوزن بوزن اهل مكة والمكيال بمكيال اهل المدينة المنورة ،فهي موازين صحيحة وثابتة ودقيقة ،فضلا عن الى إن أوزان الدراهم كانت مختلفة باختلاف البلدان ،فقام الرسول(صلى الله عليه واله) باعتماد وزن معلوم ومتوسط بين العملتين البغلية والطبرية ، وذلك بجعل وزن الدرهم الشرعي الإسلامي ستة دوانق فقد قام بجمع الدراهم البغلية الثمانية دوانق مع الطبرية الأربعة دوانق وقسمها بعد جمعها على أثنين ، فنتج ستة دوانق وهو الوزن الإسلامي الشرعي ،فصار درهم الوزن الإسلامي الجائز بينهم في عامة بلاد الإسلام ستة دوانق وهو وزن أهل مكة .
وفي مجال العلاقات الائتمانية فقد بينَّ رسول الله(صلى الله عليه واله) أن استثمار الأموال واستغلالها يجب أن يكون موافقاً للالتزام بالقواعد الشرعية ، فالربا مهما كان نوعه أو مقداره يُعدّ قوة هدامة في المجتمع الإنساني ، وسبباً من أسباب الفساد والتخاصم في الحياة المادية والمعنوية ، وأصبحت المشاركة والمضاربة والقرض الحسن في الأموال على أسس وقواعد معينة مضبوطة بديلاً عن عمليات الاستثمار الربوي ، فأمتد نطاق الصلات التجارية فيما بين التجار العرب والمسلمين والأجانب ، وساعدت العلاقات الائتمانية على الإتجار والاستزادة بالأرباح وازدهار الاسواق .
وكان تشجيع الإنتاج وزيادة العرض في الأسواق من المهام الرئيسية لسياسة الدولة الإسلامية ، وهو تنظيم النشاطات الإنسانية في مجالات الإنتاج وما يليه من التوزيع والتبادل ،وشمل دور الدولة في التأثير في عنصر العمل، هو توفير الفرص اللازمة للعمل ، وتحريم المسألة وتحرم العيش على الصدقات لمن لا يستحقها وكان هذا الامر مبدأ معمولا به في العصر النبوي وأغلب عهود العصر الراشدي.
وأثرت سياسة توازن السوق على حصول تنمية اقتصادية في مجالاتها المتعددة الزراعية والحيوانية والصناعية والتجارية وسوق العمل وكذا في توازن مستوى العيش للمجتمع الإسلامي وذلك بتشجيعها ودعمها للتنمية الزراعية والحيوانية والصناعية وسوق العمل وتأمينها لحد الكفاية ورفع مستوى المعيشة لعامة أفراد الدولة الاسلامية.