التبري والتولي في بناء الشخصية المسلمة عند السيد حسن نصر الله ( رضوان الله عليه )شهيد المقاومة
التبري والتولي في بناء الشخصية المسلمة عند السيد حسن نصر الله ( رضوان الله عليه )
شهيد المقاومة
ا.د عبير عبد الرسول محمد التميمي ؛ ا.م.د محمد مهدي الشبري
اهتم الفكر الاسلامي بقضية التولي و التبري وعدها من أَوْثَقُ عُرَى الإيمان فقد اكد القران الكريم على هذه الحقيقة واوضح الرسول الكريم صلى الله عليه واله أهميتها وكيفيتها واثارها في الدنيا والاخرة , وممن ورد في قوله تعالى :﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ .سورة المجادلة : 22.
لَقَد خَلَقَ اللهُ الإنسانَ وأودَع فيه فطرَةً سَويّة هيَ الأصلُ الثّابت التي قامَت عليه مَسيرته وَليَكون من خلالها مُنسَجماً مَع جميعِ ما أنزل الله من أحكام شرعيّة وما يَتَرتّب عليها من أوامر ونواهي ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ .سورة الروم : 30.
يُعَدّ مَفهومَي التَوَلّي والتَبَرّي من أوضَحِ المَفاهيم التي اتّفّق عليها أهلُ العَقل والمَنطق باعتبارهما منَ المُسَلّمات الفطريّة والعقليّة، لينسجم الإنسان مَعَهما بِحُكم تَكوينه الإنساني وَفِطرَته البَشريّة، فتراه يَرفُض الظُلم وَيَدعو الى العَدل والإحسان، وَيبرأ مِنَ الشَرّ والأشرار وَيَجنَح نَحوَ الخَير وَيتَولّى الأخيار.
وإنّهما مِن ثَوابت وأساسيّات المَنطق، وهُما البُوصلة الدّالّة على المَنهَج الحَق والفَيصل بينَ الأخذ أو الرّفض، وأنّ كلّ ما زَرَعَه البّعض من شُبُهات بغية طَمس وَتَغييب هذين الرُكنين إنّما هو من أجل خلط الأوراق وإبعاد أهل الحقّ عن جادّتهم والسّير بهم نَحوَ مَسالِك الانحطاط والتردّي.
والولاء هو مِن كَلمات الأضداد، فهي قد تَرِدُ بمعنى الإقبال والإتّباع وَقَد تَردُ بِمَعنى التّرك والإعراض.
وهنا في مقام السؤال : مَن هُم أولئك الذين عَلينا التّبرّي منهم؟ وَمَن هُم الذين يجب أن نَتَولاّهم؟ وَهَل أنّ واجِبَي التَوَلّي والتَبَرّي ينحصر في إظهارِ المّوقف نظرياً أم أنّهما بوصلة تُنظّم وتؤطر فِعلَ المُؤمن وَسلوكه، أم أنّهما مَنهَج واعتقاد وَتَجسيد وسلوك وتَطبيق؟
ان التولّي والتبرّي في المنظور الإنساني هي علاقة اجتماعية أساسها مُعتَقَد يَدفع الفَرد لاتخاذ مَواقف مؤيدة أو رافضة لمنهجٍ أو فكرٍ أو عقيدةٍ يتبنّاه فَرد أو مَجموعة فيجعل منه وليّاً يَحذو خلفه ويؤيّده ويعمل بأفكاره أو رافضاً له.
فالتولّي والتبرّي إذن هو إعلانُ مَوقف وَبَيان مَنهَج وَرَسم حُدود في التّعامل، وهذا المَوقف يَجب أن لا تَحكُمه العَواطِفَ أو الأمزجة ولا الشُبهات أو الظُنون ولا المَصالح الفئوية ولا الميول الغريزية، بل يكون مَبنيّاً على مَعايير حَددتها الشّريعة الإسلامية والقِيَم السَماويّة وَرَسَمَت حُدودها الآيات القرآنية وأحاديث المُصطفى وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين، روي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) أنّه قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) لِأَصْحَابِهِ: “أَيُّ عُرَى الإيمان أَوْثَقُ” ؟ فَقَالُوا: اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ، وَ قَالَ بَعْضُهُمُ الصَّلَاةُ، وَ قَالَ بَعْضُهُمُ الزَّكَاةُ، وَ قَالَ بَعْضُهُمُ الصَّوْمُ، وَ قَالَ بَعْضُهُمُ الْحَجُّ وَ الْعُمْرَةُ، وَ قَالَ بَعْضُهُمُ الْجِهَادُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): لِكُلِّ مَا قُلْتُمْ فَضْلٌ وَ لَيْسَ بِهِ وَ لَكِنْ أَوْثَقُ عُرَى الإيمان الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَ الْبُغْضُ فِي اللَّهِ، وَ تَوَالِي أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَ التبرّي مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ )),وعن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال: ((کمالُ الدّینِ وَلایتُنا وَ البَراءَةُ مِن عَدُوِّنا )).
فالتولّي والتبرّي إذن هما رُكنان أساسـيّان مِن أركان الدين والعقيـدة وَهما مِن أهم المَباحث الفقهية التي أكّد عَليها الشّارع المقدّس وهما شَرطان من شروط الإيمان وَيُعَدّان من أعظم الواجبات الشرعية على المُسلم المُكلّف.
إنّ النّفس البَشَريّة كما خَلَقَها الباري تَعيش بَين ولايَتين: الولاية الإلهية أو الولاية الشيطانيّة، والإنسان عندما يرتبط بربّه وخالقه، ويقدم الولاية لله جل جلاله ورسوله وأهل بيته وَمَن تَبِعَهم وَسار على نَهجِهم وَتَبَرّأ مِن أعدائهم، فإنّه سَيَنال بذلك التّوفيقات المَلَكوتية لتُعينَه في إكمال المَسير نَحوَ مَدارج الكَمال وَنَيل مَقامات القرب الإلهي، فعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنه قال ((وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَعْرِفُوا الرُّشْدَ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي تَرَكَهُ وَلَنْ تَأْخُذُوا بِمِيثَاقِ الْكِتَابِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَقَضَهُ وَلَنْ تَمَسَّكُوا بِهِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَبَذَهُ فَالْتَمِسُوا ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ )).
وفي المقابل، فالإنسان عندما يَخضع لشَهَوات نَفسه الامّارة بالسوء وَيَتبع الشيطان وأولياءه وأهل الباطل وأنصاره فإنّه بذلك يبتَعد عَن ولاية الله جل جلاله خُطوَة بَعد خُطوة حتّى يتطابق مَنهَجَه وَمُعتَقَدَه بِمَنهَج حِزب الشّيطان فَيَبدأ بالسّير بِرَكبهم خاضعاً ذليلاً مسلوبَ الإرادة وفاقداً للسّمع والبَصَر وَلِجَميع الصّفات الإنسانية، قال الله تعالى: ﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾. سورة الفرقان : 44.
وعلى المؤمن الرسالي أن يقف موقفاً رافضاً مُنكراً متبرئا مِن كلّ من أساءَ إلى الدّين والعَقيدة وَشَرّع وَحَثّ على الظّلم والباطل ودعي إلى الشرّ والعدوان سَواء بقولٍ أم فعلٍ وانتَهَجَ أفكاراً من شأنها إلحاق الأذى بالفرد أو المجتمع وَسَعى لِزَرع الفِتنِة وَتَمزيق وَحدة الصف وَتَشويه وَتَحريف مَبادئ الصّلاح والحُبّ والخَير لِيُصبح عندها السالك إلى الله يتحرك باتجاهيين، الأول نصرة الحق ومُوالاة الأبرار والأخيار والصالحين ممّن أطاع الله وسار على نهج رسوله وأهل بيته الأطهار والثاني البراءة ممن عصى الله وسعى خراباً في دين الله ونصب العداوة لرسوله وأهل بيته ومن سار على نهجهم ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾ .سورة الممتحنة :13 .
إنّ ولاية الشيطان وحزبه هيَ ولاية ضَعيفة واهنة هزيلة مَهزومة، لا تَملك صفات الجَمال والكَمال، فهي كما وَصَفَها الباري جل وعلا كَبيت العنكبوت ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾.سورة العنكبوت : 41.
لَقَد صُنِّف التَوَلّي والتَبَرّي على أنّهما مِن فروع الدين، كالصّلاة والصّوم، رُغم أنّ بَعضاً من عُلماء المسلمين أوردهما ضمن أصول الدين. وبغض النظر عن التصنيف فإنَّ هذين الرُكنين يُعَدّان الأساس للعديد من أصول الدين، إنّ في الشهادتين تَجَلٍ لأوضح مدلول التَوَلّي والتَبَرّي، إنّها عَهد بالتّولّي والارتباط بالله وحده فقط والبراءة مِن كُلّ ما سوى الله؛ أمّا النُبوّة فَهي أصل مِن أصول الدّين وَتَعني التَوَلّي والتَصديق والإقرار بِنُبُوّة النبي محمد صلى الله عليه واله وسلّم وَبكل ما جاء به الوَحي، والبراءة مِمّن أنكر نُبُوّتَه وَنَصَبَ لَه العداء, وكذلك أصل الإمامة فَهو لا يَستَقيم إلّا بالثّبات والتّصديق بإمامة الأئمة الإثني عشر مِن خلال مُوالاتِهم والبَراءة من أعدائهم, فالتولّي للمصطفى وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين والتَبَرّي مِن أعدائهم وَممّن ظَلَمَهم وسارَ على نَهجِ ظالميهم هما رُكنان أساسيَّان من أركان دين الإسلام، بَل هما قُطبَ الرّحى وَحولهما تَدور باقي الأركان والأعمال، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾.سورة المائدة : 55-56.
عن أبي جعفر عليه السلام قال: ((عشر خصال من لقي اللَّه (عز ّوجلّ) بهنّ دخل الجنّة : شهادة أن لا إله إلّا اللَّه… والولاية لأولياء اللَّه والبراءة من أعداء اللَّه، و اجتناب كلّ مسكر )).
والناسُ في التَوَلّي والتَبَرّي على أربعةِ أصناف:
صِنفٌ يوالي وَلا يَتَبرّأ ويدّعي المَحَبّة والطّاعة ولكنّه لا يَبرأ ممّن نَصَب العَداء لله وَرَسوله وأهل بيته الأطهار وَهؤلاء هم المنافقون ﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ سورة البقرة : 76، فهو بذلك يَظنّ أنّه قد أحسَنَ صُنعاً.
وَصنف يُظهر البَراءة في الخفاء لكنّه لا يُقدّم الوَلاء ويتخاذل عن نصرة الله ورسوله وأولي الأمر خصوصاً في ساعة العسرة ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ﴾ سورة محمد : 20-21.
إنّ في تلك الأصناف الثلاثة خَسارة لا مَحالة، فَحينَما يَستَخفّ المؤمن في تَطبيق أحد هذين الرُكنين أو كلاهما ويتهاون في العمل بهما فإنّه لا ريب سَيَنزَلِق في وَحل التَرَدّي والتَسافل خصوصاً عندما يَتَحوّل سلوكه الإنساني مع أعداء الله إلى سلوك وُدِّي، فالتّغاضي عَن مَنهج الباطل وإبداء المَوَدّة لأهل الشّر والعدوان سَيُفضي ولو بَعد حين إلى التأثّر بِسلوكهم والقَبول بأفعالهم والسّير على نَهجهم ثم لا يَجد نَفسَه إلّا وَقَد تَخَلّى عَن دينه وَعَقيدته وأخلاقه وَمبادئه.
أمّا الصنف الرابع فَهم الذين يُوالون الله ورسوله وأهل بيته وَمَن تَبِعَهم وَسارَ على نَهجهم ويتبرؤن من أعداءهم، يَحمِلون تِلك العَقيدة بإيمان راسخ وثبات ويقين وَيَتبَعونَها بسلوك وعمل، لا يَخشَون في الله لَومَة لائم، إنّهم أبصَروا فَأدركوا ثمّ حَمَلوا تلك العَقيدة مَنَهَجاً وشعاراً فَعَملوا بِمُقتَضى إيمانِهم، لَزِموا صَفّ الصادقين والأبرار واتّخَذوا مَوقفاً واضحاً شجاعاً رافضاً لمنهج الشيطان وحزبه فنالوا بذلك منَ الله مَنَعَة وَحَصانَة تَقيهِم مَكرَ الماكرين وَتوفيقاً يأخذ بأيديهم نَحوَ مَراتب الكَمال وإدراك أعلى مَقامات القُرب من الله جل جلاله ، قال الله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾. سورة التوبة: 119.
شهد التاريخ الإسلامي مواقف مشرفه لرجال صدقوا الله على ما عاهدوا عليه والتزموا خط النبوة والامامة ودافعوا عن الحق والعدالة ونبذوا وتبروا الظلمة وحاربوا اهل الشرك والكفر والضلال , وكان منهم في صدر الإسلام الشهيد الصحابي ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن مالك العنسي وزوجته سمية ام عمار واستمر خط الولاية والبراءة في العصور الإسلامية لأشخاص حملوا راية الإسلام ودافعوا عن خطي النبوة والامامة , ومنهم : الشهيد حجر بن عدي وميثم التمار وهاني بن عروة وأصحاب الامام الحسين عليه السلام والتوابون والمختار الثقفي وسعيد بن جبير رضوان الله عليهم وغيرهم ممن أعطوا اغلى ما يملكون ونبذوا الظلم والفساد ..
وفي العصر الحديث والتاريخ المعاصر ظهرت على الساحة الدينية والسياسية اعلام ومفكرين جسدوا ركني التبري والتولي ومنهم : السيد الشهيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه والشهيد محمد باقر الحكيم والشيخ محمد الهاشمي الشاهرودي وراح ضحية هذا الخط الرسالي علماء كبار في تاريخ العراق الحديث والمعاصر .
ومع احداث المنطقة الخطيرة والمتسارعة نجد ان سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله رضوان الله عليه الأمين العام لحزب الله قد جسد التبري والتولي بأوضح صوره على مستوى خطاباته ومواقفه وافعاله وكانت سيرته العلمية والجهادية خير دليل على امتثاله للأصول والفروع الإسلامية وبأكمل صورها فهو الذي دافع عن الحق وأهله وتبرأ وحارب الظلم وأهله , وقد عُدَ ظاهرة سياسية وثقافية واجتماعية فقد كان من بين اكثر الشخصيات قدسيّة ، واعترف به مليار ونصف مسلما بالنصرة والغلبة والتوفيق في جهاده ضدّ الكيّان الصهيوني الذي تسببّ في نكبة على مدى عقود, وهو الجبل الذي أفرز عمالقة المقاومة الإسلامية.
شكلّت منطلقات التكوين المعرفي للسيد حسن نصر الله ثلاث مرتكزات و لبنات صقلته إلى أبعد مدى و زادته نضجا، اللبنة الأولى العرفان أي إرادة الوصول إلى الله و حبّه والذوبان في عشقه عبر التعبّد المطلق والإخلاص له سبحانه وإنّ هذا البعد هو الذي جعل سماحة السيد حسن نصر الله صلبا في عقيدته وإيمانه و صادقا في قوله وفعله , فكان كثير التعبد قليل النوم حتى وصفه كبار العلماء والفقهاء بانه ولي من أولياء الله تعالى وانه من الصالحين وانه كبير الايمان وشديد التقوى والإخلاص والزهد , شديدا مع اعداءه ورحيما مع المسلمين والمؤمنين ,قوي العزيمة , شديد الذكاء , حماسي الخطاب , ودقيقا في تحليلاته , اجتماعيا في اطروحاته …
والبعد الثاني سيرة الإمام الحسين عليه السلام صاحب معركة الطف والذي خرج ضد الذين أرادوا تحريف المسيرة الإسلامية وهو صاحب العنوان العظيم والذي طالما رددّه حسن نصر الله ودربّ مجاهديه عليه : هيهات منّا الذلّة , فقد عاش الام الامام الحسين عليه السلام واماله , وكان حسينيا في جميع احواله واقواله وافعاله وتخرج من مدرسة الإباء والعزة والكرامة , وكان يراه المسلمين انه ابنا للسيدة الزهراء عليها السلام وحفيا للأمام الحسين عليه السلام …
والبعد الثالث هو جمعه بين الدين والسياسة فهو لم يتبحّر في علوم الشريعة فحسب بل إنّ انضمامه إلى أفواج المقاومة الإسلامية التي أسسّها السيد الإمام موسى الصدر ساهم في تفتق ذهنه على الواقع السياسي اللبناني بتعقيداته السياسية والمذهبية وعلى الواقع العربي والإسلامي , حتى ان الاف من الشباب الذين لم يلتقوا به مباشرة نجدهم قد التفوا حوله مبادئه والتحقوا بدربه والتحقوا لدرب المقاومة بفضله .
هذا القائد الكبير والثابت في خط المقاومة، لم يكن رمزاً للبنان فقط، بل كان رمزاً للعالم الإسلامي ولكل الشعوب الحرة، مجسداً روح المقاومة، والشجاعة، والصمود في مواجهة الظلم والعدوان.”
لقد استطاع السيد حسن نصرالله، القائد الرائد والدؤوب، ان يحدث تغييرات جوهرية في المعادلات الإقليمية في عالم اليوم، حيث أصبحت العلاقات الدولية معقدة ومتعددة الأوجه وبشكل متزايد..
وتمكن الشهيد نصرالله بفضل فهمه العميق للعلاقات الدولية وتوازن القوى، من تحويل المقاومة إلى عنصر مؤثر في المعادلات الإقليمية، بل وحتى العالمية, وكان من أهم صفات الشهيد السيد حسن نصرالله إيمانه بالدبلوماسية، وقناعته بأن تحقيق النصر في فلسطين ولبنان يتطلب تحركاً متزامناً بين المقاومة، والدبلوماسية الفعالة، والتعاون متعدد الأطراف, فقد آمن الشهيد نصرالله بأهمية الحوار والتفاعل الدبلوماسي إلى جانب المقاومة، من أجل الحفاظ على السلام والأمن المستدام .
واهتم بالحلول العادلة والتعاون مع الدول والمؤسسات الدولية, لقد قاد الدبلوماسية بنفس الكفاءة التي قاد بها المقاومة، وكانت حركته في الساحة العالمية والإقليمية، وكذلك على الساحة اللب نانية الداخلية، واستند إلى التنسيق الكامل بين الميدان والدبلوماسية .
فضلا عن دور الشهيد نصرالله رضوان الله عليه بتعزيز الوحدة الإسلامية حيث كان الشهيد السيد حسن نصرالله دائماً منادياً بوحدة وتضامن الشعوب والطوائف المختلفة. كان يؤمن بأن الاختلافات والانقسامات يمكن أن تصبح أداة في أيدي القوى المتدخلة، وأن التضامن الداخلي بين الشعوب المسلمة وتعزيز التعاون الإقليمي هما السبيل الوحيد لحماية المقاومة من مكائد الأعداء. ولبنان، بتنوعه الثقافي والديني، يعد نموذجاً لمجتمع لا يمكنه مواجهة التحديات إلا بالاعتماد على الوحدة الوطنية.
نصر الله وقف إلى جانب الشعب العراقي في حربه ضد عصابات داعش ووقف داعما الشعب السوري في تحقيق الامن الداخلي والقضاء على العصابات التكفيرية وساند مجاهدي حماس منذ بداية طوفان الأقصى وآمن بأنه لا توجد حرب أكثر شرعية من القتال ضد الصهاينة, وإن كل ضربة للکیان من كل فئة هي خدمة للمنطقة كلها وللإنسانية جمعاء,وإن الشهيد السيد نصر الله كزعيم لحزب الله لم يقل قط إن طوفان الأقصى هو قضية فلسطينية أو خاصة لمذهب معين ، بل اعتبرها قضية مقاومة إسلامية وإنسانية، وضحى بنفسه في سبيل قضية المقاومة هذه.
أن القائد الشهيد كان مصدر قوة في خدمة الإنسان في العالم المعاصر وخلق مؤسسة قوية خدمة لمصالح لبنان وأمنه الوطني وتقدمه ولتحقيق الامن الإقليمي أيضا فقد كان ساترا منيعا ضد تحقيق احلامهم في امتداد إسرائيل من النيل الى الفرات.
لم يتعامل الشهيد السيد نصر الله مع حزب الله باعتباره مؤسسة عسكرية بحتة، بل حوله إلى منظمة اجتماعية بينما عمل في الوقت نفسه على تحسين قوته الدفاعية إلى الحد الذي أصبح فيه لاعباً استراتيجياً في منطقة غرب آسيا.
إن استشهاد السيد نصر الله هذا المؤمن والمجاهد لا يعد هزيمة له ولجبهة المقاومة, وان شهادته ازالت قناع قتلته أكثر من أي وقت مضى وکشفت عدم جدوى التسوية مع هذه العصابة الإجرامية.
أن حزب الله لم يفقد جذوره أبداً باستشهاد قادته مثل السيد عباس موسوي والسيد حسن نصر الله رضوان الله عليهم , فإن الفلسفة التأسيسية لحزب الله هي محاربة الظالم والدفاع عن المظلوم, وهي تعاليم ليست اسلامية فحسب ، بل تتوافق أيضًا مع الضمير الإنساني, ولا تقوم على الشخصيات وانما على المبادئ والأصول الإنسانية الإسلامية العليا, وكان شخصية شيعية بارزة ورمزا للوحدة الحقيقية على أساس مصالح الأمة.
وعلى الرغم من ان الإسلام قد ثلم ثلمه بفقده , وهذه الثلمة لا تسد اطلاقا الا ان بدمه الشريف احدث كشف للمواقف ومعرفة من يحارب الإسلام وأهله ومن يوالي الإسلام وأهله ويدافع عنهم على مستوى الافراد والدول والمنظمات والمؤسسات , وان دمه الخالد سيكون دافعا لمواصلة الطريق لتحرير القدس الشرف والقضاء على الظلم والعدوان ونشر راية الإسلام والسلام في المنطقة والعلم اجمع فكما قال رضوان الله عليه : ((قطعا سننتصر)) .