إصلاحات دنغ شياو بينغ في الصين وانعكاساتها على البلاد
إصلاحات دنغ شياو بينغ في الصين وانعكاساتها على البلاد
أ.م.دعلاء عباس نعمة الصافي
جامعة كربلاء/ كلية التربية للعلوم الإنسانية_ قسم التاريخ
Deng Xiaoping’s Reforms in China and Their Impact
on the Country
Asst.Prof.Dr Alaa Abbas Nema Al_Safy
دخلت الصين عهداً جديداً بعد إعلان دنغ شياو بينغDeng Xiaoping) ) تبني سياسات الاصلاح والانفتاح الاقتصادي للبلاد خلال المؤتمر التاريخي الذي عقده الحزب الشيوعي في جلسته الحادية عشر في 22 كانون الأول 1978 وإتخاذه حزمة كبيرة من الإجراءات الاقتصادية والقرارات التي نصّت على إصلاحات جذرية في مختلف القطاعات الانتاجية سواء كانت الزراعية أو الصناعية أو التجارية وإدخال التكنلوجيا الحديثة والتقنيات العالمية الى هذه القطاعات الاقتصادية الأساسية, فإنطلقت الدولة الصينية في تشجيع المبادرات الفردية والابتكارات وتبنت الادارة اللامركزية وتوزيع الصلاحيات على الأقاليم والمقاطعات وإعادة النظر في مفهوم الاشتراكية ومبادئها بشكل جذري بهدف تحسين مستوى المعيشة والقضاء على الفقر عن طريق التوجه نحو ما سُمي ﺑ(إقتصاد السوق الاشتراكي) الذي أنتج شيوعية بخصائص صينية.
جرى تنفيذ هذه السلسلة من الاصلاحات الاقتصادية بوضع الخطة العشرية للتنمية (1979-1988) التي تم إقرارها في مؤتمر الحزب في كانون الأول 1978 , تمت على مرحلتين , الأولى كانت خلال السنوات (1979-1984) , وركزت على النهوض بالواقع الزراعي وتطويره وإصلاح ظروف الفلاحين المعيشية , فضلاً عن إعادة النظر بعمل شركات القطاع العام وهيكلتها على أسس جديدة , وتشجيع التنوع والتخصص مع السماح بدخول الاستثمار الخارجي ودخول الشركات الأجنبية , بهدف زيادة الانتاج ومضاعفته وتحديث أساليبه ثم زيادة صادراته, وتم رفع شعار “السماح لبعض الأشخاص بالثراء أولاً ليعم الثراء تدريجياً بين جميع الناس” , وقد ساهم كل ذلك في زيادة مساحة الأراضي الزراعية المستغلة وزيادة إنتاج المواد الغذائية ومضاعفتها بشكل كبير , كما حظي الفلاحون بالخدمات الحكومية العلاجية والدوائية مع دعمهم بالأسمدة والمخصبات الزراعية ونشأت العديد من مصانع المواد الغذائية, ثم جرى الإلتفات الى تطوير المدن الساحلية الجنوبية المطلة على بحر الصين الجنوبي , كونها تمثل بوابات البلاد على العالم الخارجي , إذ سمحت الحكومة الصينية بدخول المستثمرين الأجانب وشركات القطاع الخاص ومنحهم صلاحيات كبيرة في إتخاذ القرارات المتعلقة في البناء والاستثمار وتطوير الانتاج مقابل ضرائب محددة وفق القانون , فتم بناء العديد من المصانع في هذه المدن التي بدأت تدريجياً بتجهيز الأسواق المحلية في البلاد بمختلف البضائع ذات الأسعار المناسبة بفعل المنافسة فيما بينها ثم توجهت بعد ذلك الى مرحلة التصدير الى الخارج.
جاء تنفيذ المرحلة الثانية من الخطة العشرية خلال السنوات (1984-1988) بالإنتقال لإصلاح المدن والمناطق الحضرية الأخرى عن طريق جذب رؤوس الأموال والتكنلوجيا الأجنبية المتقدمة إليها مع تفعيل الشركات الصناعية فيها تحت عنوان (وثيقة إصلاح الهياكل الاقتصادية) وتنشيط الاقتصاد فيها بالإعتماد على الاشتراكية الصينية , فضلاً عن الانفتاح على الخارج ودعم الموظفين الموهوبين والأكفاء بإسناد المناصب الادارية العليا اليهم, وقد إستمر الاصلاح الاقتصادي في المناطق الحضرية جنباً الى جنب مع القطاع الزراعي لكن في الوقت ذاته وضعت الحكومة رقابة على عمل شركات القطاع الخاص كما أقدمت على تحديث شركات القطاع العام ومؤسساته عندما أدخلت اليها نظام المساهمة الذي شمل نسبة 50% منها, وعلى الرغم من كل هذه التطورات الاقتصادية التي شهدتها الصين خلال هذه السنوات العشر لكنها أنتجت مشاكل جديدة عانت منها شرائح مهمة في المجتمع ولاسيما شريحتي الطلبة والعمال الذين بدأوا بالتذمر من السياسات الحكومية أعقبه تحركهم بمظاهرات عارمة وإحتجاجات هزت البلاد عام 1989 .
كانت مظاهرات ساحة تيانانمين (Tiananmen Square) وسط العاصمة بكين عام 1989 أهم حدث عانت منه جمهورية الصين الشعبية بعد مرحلة الاصلاحات التي قام بها دنغ شياو بينغ فعلياٌ ابتداءً من عام 1979 , فقد عدّها البعض إنتكاسة قوية لهذه الاصلاحات , ولم تأتِ الاحتجاجات بشكل فجائي وانما نتيجة لعوامل وأسباب عدة تراكمت خلال العشر سنوات اللاحقة من بدء مشروع الاصلاحات , وكانت المشاركة الفعّالة لطلبة الجامعات وعمال المصانع في المدن من أهم مميزاتها , وانتهت المظاهرات بعد حملة قمعية شديدة قامت بها السلطات الصينية في بداية حزيران 1989 , ويمكن تحديد الأسباب الرئيسة لإخفاق تظاهرات ساحة تيانانمين في تحقيق أهدافها بالنقاط الآتية:
إعتماد المتظاهرين على دعم محدود من قادة الحزب الشيوعي من ذوي التوجهات الاصلاحية الذين لم تكن لديهم سلطات حقيقية في إتخاذ القرارات الحاسمة في الصين .
خذلان العديد من وسائل الإعلام المحلية لهم في نهاية المطاف رغم تعاطفها معهم في البداية .
عدم توحد المتظاهرين من طلبة وعمال فيما بينهم .
إبتعاد الكثير من المثقفين عن التظاهرات والنأي بأنفسهم عن المشاركة فيها .
عدم وجود أهداف محددة للمتظاهرين وكانت مطالبهم مُبهمة وعمومية , بل ان بعضها كان صعب التحقيق كالمطالبة بالديمقراطية وحرية الصحافة لكونها تتطلب تغييرات سياسية كبيرة في الصين ولا يمكن تنفيذها بين ليلة وضحاها , وبالتالي توجب أن تتسم جميع المطالب بالواقعية والموضوعية ليتم تنفيذها بالتدريج وعلى مدى سنوات عدة .
إلغاء قادة المتظاهرين الدعوة الى الإضراب لغايات وطنية وعدم تخريب الاقتصاد الوطني وإحتمالية دخول البلاد في فوضى عارمة .