في بر الوالدين وذم العقوق
ورد في مصادرنا التاريخية العديد من الكتابات التي تتناول في ثناياها بر الوالدين ولما لهذا الموضوع من اهمية فائقة وتوصيات ربانية نتطرق الى عرض نماذج منها لتسليط الضوء على محتوى مصادرنا التاريخية وما فيها من جواهر ثمينة تتناول هذا الجانب المهم من حياة الانسان حيث لم تترك لا شاردة ولا وارده دون ان تذكرها . وفي ذلك قال الله تعالى : (َاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) (۱) وقال تعالى: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) (۲) وقال تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) (۳) وقال تعالى : (فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا, وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) (٤) ولم تقف التوصيات بما اوردها الله سبحانه وتعالى في القران الكريم , فقد ورد عن الرسول محمد (صلى الله علية وسلم) وعن الائمة الأطهار (عليهم السلام) الكثير من الروايات ومنها ما ذكر عن الامام علي بن ابي طالب (علية السلام) انه قال : (لو علم الله شيئاً في العقوق أدنى من أفي لحرمه، فليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة، وليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار) , وقيل للأمام لعلي بن الحسين ( علية السلام ): إنك من أبر الناس، ولا تأكل مع أمك في صحفة، فقال: أخاف أن تسبق يدي يدها إلى ما تسبق عيناها إليه فأكون قد عققتها .
وقيل: إن رضا الرب في رضا الوالدين، وسخط الرب في سخط الوالدين.. وكان رجل من النساك يقبل كل يوم قدم أمه فأبطأ يوماً على إخوته فسألوه فقال : كنت أتمرغ في رياض الجنة، فقد بلغنا أن الجنة تحت أقدام الأمهات. وبلغنا أن الله تعالى كلم موسى عليه السلام ثلاثة آلاف وخمسمائة كلمة. فكان آخر كلامه يا رب أوصني. قال: أوصيك بأمك حسناً قال له سبع مرات. قال: حسبي. ثم قال: يا موسى ألا إن رضاها رضاي وسخطها سخطي. وقال عمر بن عبد العزيز ( رضي الله تعالى عنه ) لابن مهران: لا تأتين أبواب السلاطين وإن أمرتهم بمعروف أو نهيتهم عن منكر، ولا تخلون بامرأة، وإن علمتها صورة من القرآن، ولا تصحين عاقاً فإنه لن يقبلك وقد عق والديه.
وقال فيلسوف : من عق والديه عقه ولده. وقال المأمون: لم أر أحداً أبر من الفضل بن يحيى بأبيه بلغ من بره له أنه كان لا يتوضأ إلا بماء سخن فمنعهم السجان من الوقود في ليلة باردة فلما أخذ يحيى مضجعه قام الفضل إلى قمقم من نحاس فملأه ماء وأدناه من المصباح، فلم يزل قائماً وهو في يده إلى الصباح، حتى استيقظ يحيى من منامه. وقيل طلب بعضهم من ولده أن يسقيه ماء، فلما أتاه بالشربة نام أبوه، فما زال الولد واقفاً والشربة في يده إلى الصباح حتى استيقظ أبوه من منامه. ويحكى عن رجل انه قال لأحد القضاة : إن لي أما بلغ منها الكبر، أنها لا تقضي حاجتها إلا وظهري لها مطية، فهل أديت حقها، قال: لا لأنها كانت تصنع بك ذلك وهي تتمنى بقاءك، وأنت تصنعه وتتمنى فراقها. وقال ابن المنكدر: بت أكبس رجل أبي ويات آخر يصلي ولا يسرني ليلته بليلتي وقيل إن محمد بن سيرين كان يكلم أمه كما يكلم الأمير الذي لا ينتصف منه. ومهما نذكر مما تحتويه مصادرنا التاريخية من معلومات ونصوص تاريخية ما هو الا القليل من بر الوالدين , ومهما يقدم لهما فهو قليل بحقهما وبمكانتهم عند الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم و الائمة الاطهار فمبارك لمن كان باراً بوالدية .
(1) سورة النساء، الآية: ٣٦.
(۲) سورة الإسراء، الآية: ٢٣.
(۳) سورة لقمان، الآية: ١٤ .
(٤) سورة البقرة الآية: ٢٣ – ٢٤ .