وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
           جامعة كربلاء
  كلية  للتربية للعلوم الإنسانية
قسم التأريخ
مقالة  بعنوان
الحركة الصهيونية وسياستها الوحشية 
أ.م.د  فلاح حسن كزار
مكان العمل:- جامعة كربلاء/كلية التربية للعلوم الإنسانية/قسم التاريخ
The Zionist movement and its brutal policy 
Assistant Professor Dr. Falah Hassan Kazaar
Kerbela University/College of Education for Human Sciences/History  Department
Emile:falah72.a@uokerbale.edu.iq
Mobile: – 07711911040
2024




     في هذه المقالة سنتعرف على ماهية الصهيونية وجذورها والفرق بين اليهود واليهود الصهاينة وبين الحركة الصهيونية وسياستها الوحشية من اجل أقامة (وطن قومي لهم ) في فلسطين.
اليهودية:- هي في الأصل ديانة سماوية، وهي ديانة العبرانيين المنحدرين من سلالة نبينا إبراهيم (ع) والمعروفين بالأسباط من بني إسرائيل الذي أرسل الله إليهم موسى بن عمران(ع) مؤيدا بالتوراة.
أما الصهيونية :- فيمكن تعريفها بأنها حركة سياسية لا دينية، أذا أن كلمة صهيون لا وجود لها في اللغة العبرية ،ويرجح اللغويون أنها كلمة عربية الأصل ولها نظير في اللغة الحبشية وأنها مشتقة من مادة(الصون والتحصين)، وكانت فعلا من حصون الروابي العالية والمقصود منها أيضا (لغة الاصطلاء) من أبناء الجزيرة الذين سكنوا ارض فلسطين قبل هجرة العبرانيين إليها بمئات السنين، وهم الذين أطلقوا على الأرض اسم (كنعان)  ويعني (الأرض الواطئة) ، وهي مشتقة من كلمة(كنع وقنع وخنع) في لغتنا العربية الحاضرة.
  أما اليهودي الصهيوني فهو من يدعم الأيدلوجية الصهيونية التي تؤيد تأسيس حكم يجمع شتات اليهود من كل بقاع الأرض لاستيطانهم في فلسطين بالقوة وإقامة دولة يهودية باسم (إسرائيل) وعليه يكون الإسرائيلي هو كل يهودي يسكن دولة فلسطين المحتلة.
    عليه فالصهيونية هي حركة سياسية لا دينية ظهرت حديثا وهي وليدة  السياسة والسياسيين الذين أرادوا منها الإشارة إلى ((الاضطهاد)) وظهور الفكرة القومية ومطامع الاستعمار، وظهرت أول مرة في أوربا الشرقية وأوربا الوسطى، ثم ظهرت في الدولة العثمانية مع ظهور ما عرف باسم (المسألة الشرقية)، واستخدمها الساسة لتحقيق مطامعهم في بلاد الرجل المريض(الدولة العثمانية)، وعليه فقد اتخذت الصهيونية من ((الاضطهاد)) ذريعة لظهورها، فهم يقولون ان ظهورها يقضي على هذه العلة أو يمنع تجددها.
  لقد عاش اليهود في أرجاء الدولة الرومانية بين أناس يخالفونهم العقيدة، لذا عملوا على عزل أنفسهم عن المجتمع باختيارهم في أحياء خاصة بهم عرفت باسم (الكيتو او الغيتو)  ،كما عملوا على إنشاء مراكز للعملات التجارية وشؤون الصيرفة ومبادلة السلع والنقود.
    في القرن التاسع عشر تم في  أمم أوربا  إثارة ما عرف( بمسألة المساواة في الحقوق العامة )، فاعترفت بعض تلك الأمم لليهود بالمساواة بينهم وبين غيرهم من أبنائها، فيما اعترضت  أمم أخرى على اعتبار أن اليهود من( الوطنيين) وان الوطنية لا تقبل الولاء لوطنين اثنين، وهنا بدا اليهود ينادون بالوطن القومي رغم الاختلاف فيما بينه على موقعه.
  في هذه المرحلة صدر كتاب (روما أورشليم) لمؤلفه (موريتس هيس) وفحوى مضمونه يدور حول ضرورة الاعتراف بوطنين للشعب اليهودي على اعتبار (أورشليم) مركزا لليهودية كما اعتبرت روما مركزا للكنيسة المسيحية الكبرى ، أي أنهم بدءوا بتهيئة الأذهان والأفكار لتقبل وجودهم وتقبل فكرة إقامة وطن قومي لهم في فلسطين، وهنا برز عراب  الصهيونية الأكبر (ثيودور هرتزل) الذي اخذ ينادي بضرورة (خلاص اليهود)، إذ وجد في دسائس الاستعمار ومساعيه الخفية والظاهرة لاسيما تفاهم الدول الاستعمارية حول تقسيم  تركة الرجل المريض ضالته في تحقيق ذلك الخلاص من خلال الاستيطان في ارض فلسطين ، ومن اجل تحقيق ذلك عمل على انشاء لهم في مختلف انحاء العالم للضغط على الحكومات ، فانشئوا (جماعة هسكالا) في ألمانيا لتجديد العقيدة اليهودية من خلال الدمج ما بين التربية الدينية والتربية العصرية، كما انشئوا (جماعة حلوقة) لجمع التبرعات في كافة أنحاء الأرض  لإيواء الشيوخ والعجزة في (أورشليم وصفد وطبريا) وغيرها من الأراضي الفلسطينية، بل إن بعض أثرياء اليهود عرضوا على محمد علي باشا والي مصر عام 1810 شراء (ارض البقاع) الواسعة في فلسطين  وتعميرها بالزراع من المهاجرين، كما تشكلت في العاصمة العثمانية(الأستانة) جماعة من اليهود الروس المعروفون باسم (ليت يعقوب) لتشجيع الهجرة إلى فلسطين بعد اخذ موافقة السلطان العثماني، وحين شعر اليهود بسهولة الطمع  في إقامة الوطن القومي اندفعوا إلى فكرة تأسيس الدولة اليهودية بلا من الوطن القومي الخاص بالسكن والتعمير فقط .
   مع نهاية القرن التاسع عشر ومن اجل تحقيق حلم الاستيطان سعى ( ثيودور هرتزل) لإنشاء (المنظمة الصهيونية العالمية) عام 1897 في مؤتمر بازل في سويسرا  كمؤسسة تنظيمية تضم كل يهود العالم بهدف إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وعرف باسم (المؤتمر الصهيوني الأول) واصدر في اليوم التالي لعقده قرارا وضع فيه تعريفا (للصهيونية) بأنها حركة ترمي لإنشاء وطن  (للشعب اليهودي) بشكل شرعي ومعترف به على ارض فلسطين، وحدد الوسائل التي تتخذ لتحقيق ذلك الهدف وهي 
  1. ترقية أعمال اليهود المقيمين في فلسطين الزراعية والصناعية والتجارية.
  2. حث كافة اليهود في جميع بلدان العالم على تشكيل جماعات محلية وفق القوانين المرعية في تلك البلدان.
  3. تقوية الوعي اليهودي اينما كان.
  4. اتخاذ الخطوات التمهيدية للحصول على السند الضروري من الحكومات.
  في عام  1899 أنشئت  المنظمة الصهيونية العالمية مؤسسات مالية لدعم وتمويل المشروع الصهيوني كان منها( صندوق الائتمان اليهودي للاستعمار) ، وفي عام 1901 تم إنشاء (الصندوق القومي اليهودي) الذي اهتم بتوفير الأموال اللازمة لشراء الأراضي في فلسطين. 
  في عام 1907 عقد رئيس الوزراء البريطاني (هنري كامبل بنرمان) مؤتمرا دوليا استعماريا ضم عددا من الدول الأوربية المتحالفة معه(بريطانيا وفرنسا وايطاليا وهولندا وبلجيكا واسبانيا)، بهدف إنهاء الخلافات القومية التي أخذت تظهر فيما بينها من خلال السعي  في تحقيق مكاسبها الاستعمارية في دول أخرى ، وان اخطر ما في هذا المؤتمر هو إشارته إلى  منطقة الشرق الأوسط باعتبارها أهم منطقة تضم عناصر التفوق والتقدم، إذ أكد ( بنرمان)  خلاله بان دول أوربا تمر بمرحلة  انحدار نتيجة التصارع على المصالح فيما بينها ،  وخلال عقد المؤتمر وجه سؤالا للمؤتمرين فيما إذا كانت لديهم رغبة في استمرار انحدار دولهم أم النهوض بها بالتقدم؟  فأجاب الجميع برغبتهم بالنهوض والتقدم والارتقاء، بعدها اتخذ الخطوة التالية إذ أمر بتوزيع خرائط منطقة الشرق الأوسط عليهم التي وضعت إشارة فيها على المنطقة الممتدة من المحيط الأطلسي وحتى الخليج العربي، وقال لهم بان هذه المنطقة هي سر قوتهم وضعفهم في الوقت نفسه، إذ أكد بان هذه المنطقة تمر حاليا بضعف شديد وهي متصارعة فيما بينها وتتقاتل قبائلها على قطرة ماء، لكنها تمتلك كل مقومات النهضة ، فكلهم يتبعون دينا واحدة ولغة واحدة إلا عددا قليلا منهم،فيما أوربا لها عدة أديان وقوميات ولغات مختلفة، وان تلك المنطقة تشرف على أوربا شمالا وإفريقيا جنوبا وعل أسيا وشبه القارة الهندية شرقا ،وهي تحتوي على كل المواد الخام وتستطيع أن تحكم العالم فهي تشرف على مضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس ومضيق جبل طارق، فهي لا تحتاج إلا لقيادة صالحة فان تحققت قضي الأمر ،واخذ يؤكد للحاضرين على ضرورة أن تبقى هذه المنطقة ضعيفة ،  لذلك سعى الجميع  إلى تفتيت تلك المنطقة وإبقائها ضعيفة بل وإضعافها أكثر فأكثر، واتفقوا لتحقيق ذلك من خلال ثلاثة أمور:-
  1. زرع جسم غريب يفصل وحدة هذه الأمة شرقها عن غربها.
  2. أن يكون ولاء ذلك الجسم الغريب للغرب.
  3. أن يعمل الجسم الغريب على جعل المنطقة في حالة لا توازن كي لا يولد الاستقرار والنهضة في هذه الأمة.
      بعد نشوب الحرب العالمية  الأولى عام 1914 اخذ عرابي الفكر الصهيوني ومنضريهم الاتصال بأطراف الصراع (دول المحور من جهة ودول الوفاق الودي من جهة ثانية)،  وقدموا لطرفي الصراع  القروض المالية مقابل الحصول على  وعود من تلك الدول بالضغط على الباب العالي لاستحصال الموافقات بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين ، وفي غمرة صراع الحرب برز أستاذا يعمل في ميدان الكيمياء في جامعة مانشستر وهو اليهودي المتصهين (حاييم وايزمن) الذي اكتشف طريقة لاستخراج المواد اللازمة للمفرقعات من بعض الحبوب ، فقررت الجامعة تكريمه ومكافئته، إلا انه رفض التكريم   وطالب بان تكون مكافئته هو الحصول على وعد من الحكومة البريطانية الإصغاء إلى مطالب قومه أولا، وان تعرض على الغرب بان يكون اليهود الصهاينة ذلك الجسم الغريب الذي سبق وان طالبت به بريطانيا خلال مؤتمر عام 1907 ثانيا ، ووعد بأنهم سيعملون على تفتيت وحدة الأمة العربية وتعطيل نهضتها وجعلها في حالة لا توازن كي لا تصل لحالة الاستقرار ، وطالب مقابل ذلك أن يقدم الغرب كافة المعونات والمساعدات المطلوبة.
   لاحقا تزعم حاييم وايزمن الحركة الصهيونية وكانت هذه مقدمته للحصول على (تصريح بالفور) عام 1017 حيث دخلت الحركة الصهيونية دور العامل السياسي النافذ بعد صدور ذلك التصريح وانتداب بريطانيا لإدارة فلسطين، ومنذ ذلك العام وحتى عام 1948 اتخذت تلك الحركة البغيضة إرهابا ذا إشكال متعددة لتحقيق حلمهم الاستيطاني في فلسطين  منها تشكيل عصابات ومنظمات (كعصابة الهاغاناه عام 1909 ،والمنظمة العسكرية القومية في ارض إسرائيل عام 1931، ومنظمة أرغون  المسلحة الإرهابية  عام 1938، وعصابة ششيرين عام 1940التي أعلنت هدفها بإقامة دولة يهودية من النيل إلى العراق و عصابة ليحي عام 1942) وغيرها من المنظمات الإرهابية.
هكذا نلاحظ الخطوات التي اتخذتها الحركة الصهيونية من اجل إقامة وطن قومي لهم في فلسطين متخذين مختلف الطرق والأساليب لتحقيق ذلك الهدف بما فيها الحصول على تصويت الأعضاء المتواطئين معهم في الهيئة العامة للأمم المتحدة عام 1948، ولاسيما بعد إقرار لائحة حقوق الإنسان في 10/كانون الأول/ 1948 والذي تأخر التصويت عليها منذ 14/ أيار من العام ذاته ،وكان القصد من التأخير هو تثبيت حقوق اليهود في فلسطين أولا ومن ثم التصويت على اللائحة ثانيا لفرض سياسة الأمر الواقع، وهكذا أصبحنا نعيش اليوم تطبيقا فعليا وعمليا لمقررات مؤتمر (هنري كامبل بنرمان ) عام 1907 بفرض واقع جديد في شرق أوسط جديد أيضا في المنطقة العربية.
  

شارك هذا الموضوع: