المعادن واهميتها وطرق استخراجها  في الدولة الاسلامية من خلال كتب الجغرافيين والبلدانيين  .
  أهمية الثروة المعدنية :
تعد المعادن بمختلف انواعها ، سواء ندرتها او كثرتها ، فهي بالتالي تشكل مصدرا هاما من مصادر الاقتصاد ، وقد انتشرت عملية التعدين واستخراج المعادن في انحاء الدولة العربية الاسلامية عموما 
ولقد لاقت دراسة المعادن والاحجار الكريمة او الثمينة وطرق استخراجها اهتماما من قبل الجغرافيين  والبلدانيين، لذلك فقد توفرت لدينا العديد من المصادر الهامة التي تناولت دراسة اسماء المعادن وصفاتها وطرق استخراجها واستخداماتها .
لقد قسم هؤلاء البلدانيين والجغرافيون المعادن الى سبعة اقسام وهي كالاتي :
1- الذهب ، 2- الفضة ، 3- النحاس ، 4- الحديد ، 5- الخارصين ، 6- الرصاص ، 7- الزئبق والتي سيرد الحديث عنها بصورة مفصلة . 
اما الاحجار الكريمة ، فقد قسمت على اساس الاغلى ثمنا والاقل قيمة ،فالنوع الاول اطلق عليه الاحجار الثمينة فمنها – الياقوت ، والماس ، والبلور وغيرها من الاحجار الاخرى التي سيرد الحديث عنها ايضا بصورة مفصلة وطبقا لما ذكره المؤلف ايضا .
أولا: الثروات المعدنية الثمينة وتشمل :
1-الذهب :
يعد الذهب اول المعادن الثمينة والمعروف بكثرته في معظم الاقاليم ،لاسيما    اقليم ماوراء النهر ، اذ تكاد لاتخلو منه اغلب الاقاليم الجبلية ماعدا خوارزم ، التي تفتقر الى هذا المعدن وغيره، وربما يعزى السبب في ذلك الى ان الذهب يكثر في المناطق الجبلية ، في حين ان خوارزم منطقة سهلية ، وذات ارض رسوبية تكونت عند مصب نهري جيحون وسيحون في بحيرة خوارزم ،وفضلا عن ذلك يوجد الذهب في اشروسنه والتي يمر بها نهر جيحون 
( نهر بلخ )، الذي يحمل معه الذهب الى واد عظيم يترسب فيه ويستخرج منه .
اما في اقليم خراسان فان بلخ عرفت بجودة ذهبها ونقاوته وصفائه. آما بلاد الختل فقد عرفت بذهبها لذي اشتهر بطبيعته وشدة صفرته اذ يكون تبرا ، حيث تعمل السيول على جرفه الى اودية مناطق الختل من مناطق وخان من التبت لاسيما منابع نهر جيحون حيث يستخرج هناك ، حتى قيل : ( انه كان يحك منه الذهب شبه فلس جلد السمك واصفر واكبر )).اما طرق استخراج الذهب : فكما ذكرنا مسبقا انه يوجد في اغلب المناطق الجبلية في اقاليم ما وراء النهر ، فيتم استخراجه من الاودية الجبلية بعد ان تجرفه الامطار والسيول ، وهنالك طرق عدة في استخراج الذهب وجمعه ، وهذه الطرق اجملها المؤرخون والبلدانيون في ثلاث وهي كالآتي :-
أ- الطريقة الاولى :
ذكرها لنا الجغرافي والبلداني ابن خرداذبه، ومفادها استخدام مسوك المعز، وانتشرت هذه الطريقة في ناحية (ويشجرد) عند احد روافد نهر جيحون والمسمى( نهر باخشوا ) حيث(( يخرج اهلها من باخشوا حتى ينزلوا على شط جيحون ويمدون على شط النهر مسوك المعز الشوالي أعلاه ويشدون ويستوثقون منها بالاوتاد حواليها ، فينزل احدهم في النهر على الشط فينضح الماء على تلك المسوك ، والاخر يمسح الماء من المسوك ويرسله والماء كدر ثقيل [ لانه حمل بالرمل والذهب ] فاذا عرفوا ان اصول شعر المسك قد املأت من الرمل والذهب اخذوه وبسطوه على وجه الارض في عين الشمس حتى اذا جف اخذوها ولهم انطاع مفروشة فينفضونها هناك وفيها الذهب … وانه اجود الذهب واحمره واصفاه …ما يشبه جلد السمك ..)). 
 ب- الطريقة الثانية :
هناك طريقة اخرى في الحصول على الذهب بعد سقوط امطار الربيع وقد بين البيروني هذه الطريقة قائلا: (( ان الامطار اذ جاءت وامالت خرجوا عند هدوئها واقلاعها بسكاكين واوتاد حديد ينحتون بها المسايل ويكشفون طينها عن ذهب بعد ان يترسب على شكل خيوط فيتجانس كالخيوط المصنوعة بالات الصاغة وهي ممدودة ويجمعونها ويبادلونها مما يحمل اليهم من المسيرة اللحوم وسائر الحوائج ولولا هذه صناعة عندهم لما قصدهم احد ولما أمكنهم السكن في تلك المناطق لاي مدة كانت )).
جـ – الطريقة الثالثة :
فيتم حفر حفرات صغيرة في الاودية التي تكون قريبة من منابع النهر المنحدر بقوة اذ يكون الماء في البدء حاد الجريان ويحمل معه الرمل والذهب ، وبعدها  يستخرج خليط الذهب ، بعد ان يغسل بالماء وقد يعرض احيانا للنار هذا بالنسبة الى معدن الذهب في اقليم خراسان .
   وكان جنوب الهند غني بكل انواع الاحجار والمعادن ولاسيما الذهب  ولكثرة الذهب في بلاد الهند كان ملوكهم اكثر الضرائب التي تأتي اليهم من الذهب ، حتى قيل : (( ان احد الملوك كان يتخذ من الذهب في اليوم الواحد ، مائتي منا ، ثم يتخذ منه على هيئة بناء يصنعه في الماء )) .
   وكما صنعت بعض الاساور من الذهب والفضة ، لكي تزين بها النساء الهنديات ايديهن وارجلهن. واضافة لما ذكر اعلاه كان الذهب ينتج بكميات كبيرة في بلاد الشيلا  وصفت: (( فيها الذهب الكثير ومن دخلها من المسلمين استوطنها لطبيعتها)).
 وعلاوة على ذلك فقد شاع استعمال الذهب في الجزر الشرقية من بلاد الصين ، ومن بين اهم تلك الجزر (( الواق واق )) حتى وصف ابن خرداذ كثرة الذهب بها قائلا : ( … حتى ان اهلها يتخذون سلاسل كلابهم واطواق قرودهم من ذهب)) فضلا عن انه كان يدخل في الكثير من الصناعات.
يبدو لنا ان الذهب معدنا هاما لسكان تلك الاقاليم كما ان طرق استخراجه معقدة ايضا بالرغم من توفره بكثرة في بعض مناطقهم لاسيما مناطق الهند والصين .
2-الفضة :
عرفت الفضة بكثرة وجودها في اقاليم خراسان وما وراء النهر ، حتى عدها البلدانيون. اغنى معادن الفضة في ارض هذه الاقاليم ، لما اتسمت به من الكثرة والغزارة .
لقد كثر معدن الفضة في مدينة ايلاق التي احتوت جبالها على معدنه ، فذكر انها ومدينة بلانكنك فيهما معدن الفضة  ولكثرة الفضة في هذه الاقاليم فقد كان  يصدر منها  الى صوب الغرب اما الى بغداد او غيرها من مواطن التصنيع الاخرى
   ومما يجب الاشارة اليه ان مناطق الجزيرة العربية قد عرفت بوجود المعادن ايضا لاسيما الذهب ، واهم تلك المناطق التي وجد لها اشارة لدى الجغرافيين  ، هي ارض قبيلة بني سليم اذ عرفت باسم ( معدن بني سليم )).
  فقد سعت هذه القبيلة الى استخراج المعادن. وكان الفضة من اهم ما يستخرج من مدينة درعه ، وقد وقد وصفت بانها  : (( مدينة كبيرة كثيرة الاهل وفيها معدن فضة …)) يبدو ان الفضة كانت اقل ثمنا من الذهب ، ولذلك الطلب عليه اقل من الذهب ايضا ، ويبدو ان بلاد الهند لم يتطرق اليها المؤرخون كما تطرقوا الى الذهب بكثرة عندهم .
3-النحاس :
وهو ثلاثة انواع ، منه الاحمر المائل للبياض ، والاحمر اليابس، والشديد الحمرة  والنحاس الابيض المسمى ( الاسفبذروي ) هو ما يعرف بالصفر، ويكثر في بلاد الروم ، وقد اطلق عليه ابن خرداذبة تسمية ( النحاس الرومي )  .اما عن استعمالاته فقد استخدم في تغطية بلاط الانهار ، وهذه الطريقة متبعة قديما في بلاد الروم .
4– الحديد :-
يعد الحديد أشد المعادن قوة واصبرها على النار ..
ويتوفر هذا المعدن في المناطق الجبلية الممتدة في اقاليم ما وراء النهر
وهو بكميات كبيرة حيث يذكر ان الترك المجاورين لأقاليم ماوراء النهر كان الحديد عندهم قليل جدا، فكانوا بحاجة ماسة له ، لذلك عمدوا على استيراده من هذا الاقليم. ومما تجدر الاشارة اليه ان وفرة الحديد في اقاليم ماوراء النهر ، دفع سكانها الى اعتبار صفائحه من المواد الداخلة ضمن الضرائب السنوية ( الخراج) للدولة ، والبالغة حوالي الف وثلاثمائة لوح من الحديد ، كما يتضح ذلك من قوائم الخراج في العصر العباسي.
   وقد دخل هذ المعدن في كثير من الصناعات منها صناعة القدور ، والمغارف الحديدية الا انه يعاب عليه تعرضه للصدأ.
يبدو ان فترة العصر العباسي كان الاقبال فيها على مادة الحديد كبير جدا اكثر من العصر الاموي .
5 – الرصاص القلعي :-
وهو معدن ، وله انواع عدة مختلفة ، وقد عرف بتسميات عدة ايضا عربية وفارسية ، الا انها تعود في الاصل الى كونها نوع من انواع الرصاص ، فالتسمية العربية له عرفت بـ ( الانك ) بمعنى الرصاص القلعي ، وقيل الرصاص الابيض ، وقيل الاسود ، والغالب انه الخالص من الرصاص
وكما عرف باسم الاسرب ايضا ، وهواسم للآنك بالفارسية ولكنه اكثر دقة منه ، وان الرصاص الاسرب هو الاسود اللون.، وافضل انواعه ما جلب من معادنه ولم يستعمل بعد، وأجود انواعه الذي كان يجلب من(كله) ،يبدو ان اكثر المؤرخين لم يشيروا او يركزوا على ناطق انتاجه ، بل ركزوا على انواعه وتفاصيله .
ثانيا : الثروات المعدنية الاخرى وتشمل :
ومن بين المعادن الاخرى الاقل توفرا وقيمة التي وجدت لها اشارات في كتاب المسالك والممالك هي كما ياتي :
1- معدن الملح :  يعرف ياقوت الملح قائلا : ( .. انما هو باطن الارض وما يجمد .)) وقد كان الملح اهم ما يستخرج من مدينة كيس.  في اقليم ما وراء النهر وصفت ((بانها معدن الملح  )) 
2- الشب :  كان الشب الذي يستخرج من شق في اعلى جبل جهينة في اليمن ، ويعد المركز الاول لإنتاجه  ، والذي اشتهر لدى التجار بالشب اليماني الابيض
3-القير:  افاد سكان فلسطين ، وجود بعض المعادن والمواد الخام المتوفرة في بلادهم ، اهمها المادة القيرية ، التي يرمي بها البحر الميت ، او تستخرج من سواحله ، والمسماة بالحمر او القفر اليهودي  وهو مادة قيريه سوداء لينة ، تخرج من قاعه فيأخذها السكان ، ويقطعونها ويحملونها الى المدن ، حيث تستعمل في حماية الاشجار ، لاسيما الكروم والتين ، من الدود والحشرات ، بأطلاء جذوعها بهذه المادة التي تباع لدى العطارين لكل من يريد ان يبعد دودة تصيب البذور تدعى النقرة ويضيف ابن خرداذبة الى فوائده الزراعية فوائد صناعية مؤكدا انه يستخدم في اعمال الصياغة  
و يعدد عبد الغني النابلسي منافع جمة لهذه المادة القيرية والمسماة بالقفر اليهودي نسبة الى قرية كانت هناك ، فيذكر فوائد طبية عدة ، اهمها انه يستخدم لتضميد الكسور وللاوجاع العارضة في النساء وللسعال المزمن ووجع الاسنان وغيرها ، فضلا عن ان دخانه يطرد الحيات ، والعقارب ، والهوام .. ويحدث عن كيفية استخراجه .. من ساحل البحر الميت حيث يصفى من الحصا والتراب بالماء الحار والنار ، وكيف ان رائحته تشبه القير العراقي.
يبدو ان مادة القير متوفرة بكثرة في مناطق بلاد الشام وغيرها من المناطق الاخرى 
ثالثا: الأحجار الكريمة وأهميتها وتشمل :-
1- الياقوت :
يعد الياقوت اهم الاحجار الكريمة والنفيسة ، فقد توزع في مناطق عدة ، حيث وصفها وذكرها علماء القرن الثالث الهجري ، وكان الياقوت اول الجواهر واثمنها واصلبها ، وهو على الوان عدة منها الابيض والالهب والاحمر ، وابرزها الاحمر اللون ، الذي يكون على درجات متفاوتة اجودها البهرماني ، ومن ثم
الرماني ، والارجواني ، والجلناري ، ثم الوردي وغيرها. ويلتقط الياقوت من الجبال بعد ان تحدره السيول والامطار،اما البيروني فذكر ان الاحمر منه يستخرج مغلفا كالرمان في قشره، وكما وجد الياقوت في جبال سرنديب ووصف بانه من مختلف انواع الياقوت.يذكر لنا الجاحظ بان الياقوت الاحمر الصافي النقي ترتفع قيمة نصف المثقال منه الى خمسة الالف دينار.
  ونتيجة لكثرة انتاجه في الاقاليم الشرقية من جزيرة سرنديب انخفضت قيمته في العصر العباسي خلال القرن الثالث الهجري ، لذلك حددت اسعاره في ايام المأمون العباسي بشكل عام.ويبدو ان الياقوت كان غالي الثمن ومهم جدا لاسيما في فترة العصر العباسي .
2-الماس :
يعد الماس من الاحجار الثمينة او الكريمة الموجودة في الوديان من ارض سرنديب وقد عرف هذا المعدن بصلابته ومتانته وقدرته على قطع بعض المعادن ، او الجواهر ، حيث فاقها صلابة ، حيث كان اهل العراق وخراسان يستعملونه في معا لجة و ثقب الجواهر
3– البلور :
حجر البلور ويسمى ( المها ) او المهاة ، واصل تسمية المها هي ماجمعه من صفات الماء والهواء ، لانه يشبه كل واحد منهما في انعدام اللون، ويذكر القلقشندي ان اصل هذا الحجر انعقد يكون ياقوتا ، لكنه لم يبلغ رتبته ، ومن ثم اختلف في نفاسته ، ويشير صاحب البريد  الى اماكن وجوده في جزر  الهند قائلا : (( وفي انهارها البلور )) هكذا امدنا صاحب البريد بمعلومات غنية عن اهم المعادن التي عرفت بها الاقاليم والبلدان .
وهذه هي ابرز انواع الثروة المعدنية ومصادرها التي مثلت جانبا هاما من جوانب الحياة الاقتصادية للدولة العربية الاسلامية ، وقد شكلت تلك الثروات المعدنية المحرك الاساسي للنشاط الصناعي والتجاري في المراحل المختلفة . وكما اوضح لنا معلومات عن اماكن تواجد تلك المعادن بالرغم من انه قد اغفل بعضها ، او لم يتطرق اليها . ولكن الملاحظ ان كثرة رحلاته لتلك الاقاليم فانه اعطى انطباعا واضحا عنها فهو شاهد وسمع من الناس عن تلك المعادن سواء الثمينة او غير الثمينة .
المصادر والمراجع :
(1) مكي ، المدخل الى الحضارة ، ص228 .
(2) شبح الربوة ، نخبة الدهر ، ص48 ومابعدها ؛  الابشيهي ، المستطرف في كل فن مستظرف ، ج2 / ص143 ومابعدها .
(3) الاصطخري ، مسالك الممالك ، ص305 ؛ Sykes , sirpercy , history of Persia , Macmillan and co limited , (London , 1930 , vol. 1 , p. 33).
 (4) اليعقوبي ، البلدان ، ص116 ؛ ياقوت الحموي ، معجم البلدان ، مج1 / ص48 ))
(5) ابن خرداذبه ، المسالك والممالك ، ص154 .
(6) البيروني ، ابي عبد الريحان محمد بن احمد ( ت: 440 هـ )  كتاب الجماهر في معرفة الجواهر ، ط1 ، مطبعة جمعية واثرة المعارف العثمانية ، حيدر اباد الدكن ، 1355 هـ ، ص233 .
 (7)ابن حوقل ، صورة الارض ،ق2/  ص394 .
 (8) الزبيدي ، تاج العروس ، ج7 / ص179  ) .
 (9) الحكيم ، ابي الحسن علي بن يوسف ( عاش في النصف الثاني من القرن الثامن الهجري ، الدوحة المشتبكة في ضوابط دار السكة ، تحقيق : حسين مؤنس ، مطبعة معهد الدراسات الاسلامية ، مدريد: 1960م ، ص22 .
(10) ابو الفداء ، تقويم البلدان ، ص461 ؛  لسترنج ، بلدان الخلافة الشرقية ، ص481 .
(11)  Smith. Vineent, the early history of India, oxford, at the clarevdow,         p.17
 (12) الادريسي ، وصف الهند ، ص59 .
 (13) الالوسي ،  عادل محي الدين  ، تجارة العراق مع أندنوسيا ، دار الحرية للطباعة ، بغداد: 1984م ، ص252.
(14)  المقدسي ، احسن التقاسيم ، ص303.
(15) ابو الفداء ، تقويم البلدان ، ص499 .
 (16) جواد  ، علي ، المفصل في تاريخ العرب ، ج7 / ص514  . 

شارك هذا الموضوع: