التدوين المبكر للحديث النبوي الشريف
أ.م.د سوسن عباس حسين
كلية التربية للعلوم الإنسانية /قسم التاريخ
حظي التعليم وطلب العلم عند ظهور الإسلام بأهمية كبيرة ومكانة سامية حيث أكدت آيات الذكر الحكيم على فائدة تحصيل العلم وأوجبت نشره بين الناس وعدم كتمانه نظرا لدوره الهام في حياة الأمم.
إذ قال تعالى ((وإذ اخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيينه للناس ولا تكتمونه)) ورفع منزلة العلماء بقوله تعالى ((يرفع الله الذين امنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات))
وقال تعالى ((هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)).
ثم جاءت أحاديث رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) مكملة لما جاء في القران الكريم في بيان أهمية العلم والتعلم والحث على طلبه فعن رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) قال “طلب العلم فريضة على كل مسلم”، ثم دعا في حديث أخرالى نشر العلم مبيناً عقوبة من يكتمه فقال”ما من رجل حفظ علماً فسَأل عنه فكتمه إلا جاء يوم القيامة ملجماً بلجام من نار “
كما أشار إلى جزاء طالب العلم بقوله (صلى الله عليه و آله و سلم) “من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة” وقال أيضا “إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب”
وقال “من غدا يطلب العلم صلت عليه الملائكة وبورك له في معيشته ولم ينقص من رزقه وكان مباركا عليه”، ووضح في حديث آخر إن منزلة العلماء فوق منزلة الشهداء بقوله “يشفع يوم القيامة ثلاثة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء”، وفضل الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) العلم على العبادة حيث قال “فقيه واحد اشد على الشيطان من ألف عابد”.
وبين إن الإنسان ينال بالعلم ثواب الآخرة وحسن الجزاء فقال “إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء :صدقة جارية أو علم ينتفع به بعده أو ولد صالح يدعو له”
وكان رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) هو المعلم الأول جاء ذلك في نص القران الكريم في قوله تعالى ((لقد من الله على الذين امنوا إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين)) كما أكد رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) ذلك الأمر بقوله :”…إنما بعثت معلما ” .
ولما أتم الرسول الكريم بناء مسجد المدينة اتخذه مكانا للتعليم ونشر مبادئ الدين الإسلامي، فكان الرسول يجلس والناس ملتفين حوله في حلقة أو كان يصعد المنبر ويحدثهم وكان يقود بنفسه العملية التعليمية، ويأتي القران الكريم في مقدمة العلوم التي حث الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) على تعلمها، لأنه كلام الله عز وجل وقد قال تعالى (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد)
ومن العلوم الأخرى التي دعا الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) إلى تعلمها السنة النبوية الشريفة حيث قال ((نضر الله امرءاً سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره فرب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)).
وكان المسلمون يعتمدون على حفظ علمهم مشافهة مع ما كان عند العرب قبل الإسلام، ولكن هذا الاتجاه لم يلغ بشكل كامل اعتماد الجيل الأول من الصحابة على التدوين. حين تبين إن هناك عدد كبير منهم قد توجه نحو التدوين، بعد إن شعر إن العلم المحفوظ مشافهة يذهب مع صاحبه عند وفاته، فقال عبد الله بن عباس (ت،68هـ) عندما دفن زيد بن ثابت (ت،49هـ) “هكذا يذهب العلم…يموت الرجل الذي يعلم الشيء لا يعلمه غيره فيذهب ما كان معه”.فاستشعروا بضرورة العلم المدون في كتب ثابتة يتم تداولها بعد وفاة أصحابها.
أو إن الحفظ يمكن إن يغلب عليه النسيان، فقال عبد الله بن مسعود (ت،32هـ) “لكل شيء آفة وآفة العلم النسيان” ،لذلك توجه الصحابة لكتابة الحديث النبوي الشريف في وقت مبكر خشية عليه من الضياع وكان ذلك بأمر من رسول الله (صلى الله عليه آله وسلم) ومنهم عبد الله بن عمرو بن العاص (ت،65هـ) حيث كتب حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في عهده وبإذن منه، فقال” كنت اكتب كل شيء اسمعه من رسول الله (ص) أريد حفظه فنهتني قريش وقالوا أتكتب كل شيء سمعته ورسول الله يتكلم في الرضا والغضب فأمسكت عن الكتابة فذكرت ذلك لرسول الله فأومأ بإصبعه إلى فمه وقال اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق”،وكان ابن عمرو يسمي صحيفتة التي كتبها عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (الصادقة)،وكان أبو هريرة (ت،57هـ) يعترف لعبد الله بن عمرو بالإكثار من العلم حيث قال لم يكن احد من أصحاب رسول الله (ص) أكثر حديثا مني إلا عبد الله بن عمرو فانه كتب ولم اكتب)) ، وان وجود هذه الرواية يعطي دليلاً أكيدا على ان تدوين السنة النبوية بدأ في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ،ولم يمنع ذلك كما يدعى البعض وإنما تم المنع في العهد الراشدي بحجة ألا يختلط بالقرآن الكريم .