إزالة الوهم 
سَلسَلة مقالات تأسيسنا لبعض مصطلحات الرواية التاريخية الاستباق الروائي اختيارًا
   الاستباق لغةً من الفعل سبق ومصدره السبق،والأسباق جمعه وهو القدم في الأشياء،وتعريفنا الإجرائي للاستباق  الروائي:إحضار شخصًا في الرواية متأخرًا عن زمانها،أو واقعة لم تحدث،أو وقعت بزمن متأخر عن الرواية.
   يُعد احد مظاهر اختلال عنصر الزمان في الرواية التاريخية وهو الركن الأساس فيها،موقعه ضمن تأسيسنًا لحزمة المصطلحات في الرواية التاريخية،اغلبها اُستعمل عن واقع إيجاد الروايات وإنتاجها بما لائم سياسات الحاكمين بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)،وصولاً للسلطة العباسية،قَربت هذه المصطلحات أو ساعدت في تقريب الواقع الروائي وما حل فيه،والعملية الإنتاجية الإبداعية المُبتكرة للمصطلحات مادتها الأولية اللغة والتاريخ؛للحصول على الدوال للمستجدات،واستنطاق الروايات التاريخية؛للإفادة منها في إنماء المصطلح بالشواهد،فتولدت البُنية التأسيسية لمفاهيم ذات مداليل في صورة الرواية التاريخية،ولعلها أدوات تفسيرية مُعبرة عن تلك الصورة وأبعادها المختلفة،فبكينونة لغوية ممزوجة برؤيتنا التاريخية أسست تلك المصطلحات ومنها الاستباق الروائي.
    بعد مبعث الرسول محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) بثلاث سنين أمره الله تعالى ان يبادى المجتمع بأمر الدعوة ويصدع بها بقوله سبحانه:﴿ فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾ الذين تمادوا بمكائد الشر والإيذاء لشخص النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وللنيل من دعوته.
 
استغلت منظومة الوضع في كتابة التاريخ أمر إيذاء قريش للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؛فأنتجوا مروية :“عن يحيى بن عروة بن الزبير،عن أبيه عروة ،عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قلت له: ما أكثر ما رأيت قريشاً أصابت من رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم فيما كانت تُظهر من عداوته!قال[عبد الله بن عمرو بن العاص]: قد حضرتُهم وقد اجتمع أشرافُهم يوماً في الحِجْر، فذكروا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه” فقد سفه أحلامنا وعاب آلهة آباءنا،فاسمعوه كلام،وفي اليوم الثاني“اجتمعوا في الحجر، وأنا معهم، فقال بعضهُم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم، وما بلغكم عنه، حتى إذا باداكم بما تكرهون تركتموه ! فبينا هم كذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد…قال[عبد الله بن عمرو بن العاص]: فلقد رأيت رجلاً منهم آخذاً بجمع ردائه” .
   ذَكر المروية أعلاه كلٌ من ابن إسحاق وابن هشام،التي أصلها عبد الله بن عمرو بن العاص ولنا معه وقفة ربما تحسم أمر وضع المروية، فقد أجمعت اغلب المصادر التي ترجمت لعبد الله على انه بعمر72سنة كانت وفاته،بتسليمنا جدلاً إن الحادثة وقعت بعد الهجرة للحبشة التي كانت “في رجب في السنة الخامسة” للبعثة النبوية استنادًا لسَلسَلة الأحداث عند ابن إسحاق،وبمعادلة حسابية نُجريها مع التاريخ الأصح بوفاته وهو سنة 63ه/682م على حد قول ابن حبان ،72-63=9من عمره قبل الهجرة النبوية وبطرحها من 13سنة عمر البعثة بمكة 13-9=4سنين(سنة4 للبعثة النبوية)،وهنا يتبين أن عبد الله بن عمرو بن العاص لم يولد بعد! ونفس المعادلة نُجريها مع دراسة حديثة للباحث الصعب رجحت وغلبت وفاته سنة 65ه/684م،72-65=13-7=6وهنا ربما لم يولد بعد أو ولد وهو بالقماط ،والأمر أعجب إن كانت الحادثة قبل الهجرة للحبشة،بمعنى بين السنة الثالثة والخامسة للبعثة النبوية،فتكون قبل مولده بكثير،فكيف شاهد الحادثة وهو لم يولد أو بسنة مولده.
المصادر والمراجع
-القرآن الكريم.
أولًا-المصادر:
– ابن إسحاق،محمد(ت151ه/768م).
1-السير والمغازي والمشهورة بسيرة ابن إسحاق،تحقيق:سهيل زكار،ط1،دار الفكر،بيروت،(1399ه /1978م).
-البخاري، إسماعيل بن إبراهيم(ت256ه/869م).
2- التاريخ الكبير،تحقيق:هاشم الندوي،دار الفكر،بيروت،(د.ت).
– ابن حبان، محمد بن أحمد البستي(ت354ه/965م).
3-الثقات،تحقيق:شرف الدين أحمد،ط1،دار الفكر،بيروت،(1395ه/1975م).
4-مشاهير علماء الأمصار،تحقيق:م.فلاشهمر،دار الكتب العلمية،بيروت،(1379 ه/1959م).
-ابن حجر العسقلاني،أحمد بن علي (ت852ه/1448م). 
5-الإصابة في تمييز الصحابة،تحقيق:علي محمد البجاوي،ط1،دار الجيل،بيروت ،(1412ه/ 1992م).
6-تقريب التهذيب،تحقيق:محمد عوامة،ط1،دار الرشيد،سوريا،(1407ه/1986 م).
-ابن سعد،محمد (ت بعد238ه/852م).
 7-الطبقات الكبرى،تحقيق:أحسان عباس،ط1،دارصادر،بيروت، (1388ه/ 1968م).
– الطبري،محمد بن جرير بن يزيد (ت310ه/922م).
8-تاريخ الرسل والملوك،تحقيق:محمد أبو الفضل إبراهيم،ط2،دار المعارف، القاهرة، (1388ه/1968م).
– المزي، يوسف بن الزكي(ت742ه/1341م).
9- تهذيب الكمال في أسماء الرجال،تحقيق:بشار عواد معروف،ط1، مؤسسة الرسالة، بيروت،(1401ه/1980م). 
– ابن منظور،محمد بن مكرم بن علي(ت711ه/1311م).
10-لسان العرب،ط1،دار صادر،(د.ت).
 -ابن هشام،عبد الملك الحِميَرِي(ت218ه/833م).
11-السيرة النبوية،تحقيق:مصطفى السقا وآخرون،دار القلم ،بيروت،(د.ت).
ثانيًا-المراجع:
12-الصعب،أسامة طالب عبد الرحمن،الصحابي عبد الله بن عمرو بن العاص وآراؤه الفقهية في العبادات،رسالة ماجستير مقدمة إلى مجلس كلية العلوم الإسلامية قسم الشريعة بجامعة بغداد ،1423ه/2002م.

شارك هذا الموضوع: