إساءة وضيع وابتسامة عظيم…
يبستم الإنسان لأسباب مختلفة وواحدة منها أن يُثار بكلام مُسيء يكون انطباقه على المُثير بينما براءة المُثار منه كبراءة الذئب من دم يوسف، وهنا يحدث التعجُّب لدى البريء بما سمع أو رأى أو قرأ من سيء الكلام، فيُعبّر عن هذه الإساءة بابتسامة يكون منشؤها الثقة بالنفس والراحة النفسية والاستقرار النفسي الذي يعيشه، وهذا التصرف لا يتوفر لكل أحد وإنما هو منحصر بمَن روّضَ نفسه وربّاها على السمو والرفعة والخُلق الكريم.
ومَن يا تُرى أعظم خُلقًا وأكيَس سياسة وأروَض نفسًا مِن ذلك المعروف بطيب الأصل وكرم الطبع وسمو النفس ألَا وهو الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
لا جَرَم أنه عليه السلام في أعلى درجة من مكارم الأخلاق لذلك لم يقلقه ما كتبه إليه مَن عُرِف بتسافل أخلاقه وانحطاط نسبه وهو زياد ابن أبيه، إذ كتب للإمام: (من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة…) وهذا كتاب أوّله وضيع ولكن كاتبه أرادَ أن يغطي على ذلك النقص النفسي الكبير الذي يعيشه من جرّاء وضاعة نَسَبه وتنازع الناس فيه، وحاولَ من جَنَبَةٍ أخرى أن يحطَّ من تلك القمّة الشرفية التي لم تقترب منها الجاهلية قيد أنملة ولم تنجسها بأنجاسها، وذلك بأن نسبَ الإمام الحسن إلى أمّه فاطمة الزهراء عليها السلام معتقدًا بأن هذه النسبة ستقلل من شأنية الإمام وتغضبه! لكن محاولته كانت محل ابتسامة المرتكز على الأصل الكريم والمتربع على سنام الشرف، وقد ردَّ عليه الإمام بعد أن قرأ كتابه بكل ثقة مؤكدًا أنه مُحِب لتلك الأُميّة شديد التمسّك بها فهو ابن فاطمة الحوراء الأنسية بينما زياد هو مَن عليه أن يقوم بمحو تلك الأُمية فهو ابن سمية وما أدراك ما هي، فكتب الإمام : (من الحسن بن فاطمة إلى زياد بن سمية، أما بعد، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال:. (الولد للفراش، وللعاهر الحجر)، والسلام. وهذا غاية الاختصار للحقيقة التي حاول ابن سمية بعنجهيته وغطرسته أن يُظهِر خلافها ولكن أنّى للهروب من هذا المأزق الذي وقع فيه زياد وسيّده معاوية الذي أنّبه على كتابه للإمام ومما كتب إليه: (وأما كتابك إلى الحسن باسمه واسم أمّه، ولا تنسبه إلى أبيه، فإن الحسن ويحك! مَن يُرمى به الرجوان وإلى أيِّ أمٍّ وكلته لا أمَّ لك! أمَا علمتَ أنها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فذاك أفخر له لو كنتَ تعلمه وتعقله!).