قراءة في كتاب
                         “سطوع نجم الشيعة”* لجرهارد كونسلمان
    بادئ ذي بدأ نعرض لمؤلف الكتاب، وهو الصحفي الالماني جرهارد كونسلمان الذي يعد من أشهر الصحفيين الألمان الذي عمل لوقت طويل في التلفزيون الألماني، وتخصص في شؤون الشرق الأوسط ، وعاصر الثورة الإسلامية في إيران ، وله مؤلفات متعددة منها: (العرب والقدس أربعة آلاف سنة من الحروب)، و (اغنياء الشرق)، و(الحرب غير المقدسة (لبنان) وغيرها، أما كتابه سطوع نجم الشيعة المؤلف من ثلاثمئة وستة عشر صفحة، ترجمها من الألمانية محمد ابو رحمة،  وقد اتبع في كتابه سطوع نجم الشيعة النمط الصحفي في الكتابة، ولم يضع للكتاب مقدمة يوضح فيها الخطوط الاساسية لموضوع كتابه و السبب الذي دعاه لتاليف هذا الكتاب ، وإنما بدأ مباشرة بالكتابة عن العلاقة بين النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)  والإمام علي (عليه السلام)، أي أنه قسم كتابه على أساس عنوان لكل موضوع ولم يقسمه الى مباحث أو فصول ، وحتى سرده للموضوعات كان أشبه بالمقالات، ولم يوثق النصوص التي أوردها من مصادر التاريخ والتراث العربي الاسلامي، واكتفى احيانا بذكر اسم المؤلف في سياق النص ، كأن يقول ابن اسحق او يقول مراجع السيرة الاولى للرسول )صلى الله عليه وآله وسلم).
      ويدرج موضوع بداية حياة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والدعوة الإسلامية وقيام اللبنة الاولى للدولة الإسلامية الناشئة، ومن ثم ينتقل للحديث حول الصراع على السلطة وكيف كافحة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) من اجل اثبات خلافة الامام علي ( عليه السلام)، ويعلل سبب عدم تنصيب الامام علي (عليه السلام) خليفة للمسلمين لأنهُ كان صارمًا، ويذكر الانقسامات التي حدثت في عند استلامه الخلافة، وإجراءاته في عزل الولاة مما جعل الأمور تنقلب ضده وأفضى الأمر إلى قتله.
     ويستطرد المؤلف في ذكر أهمية مصاهرة الامام علي (عليه السلام) للنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) وأن دم الرسول سرى الى أولاد علي عن طريق هذه المصاهرة، ونرى انه في الموضوعات اللاحقة يتحدث عن الائمة من أهل البيت، وكيف خرجت السلطة من ايديهم بعد تنازل الامام الحسن (عليه السلام) عن الخلافة، ومن ثم يعرج على أهمية ثورة الامام الحسين (عليه السلام) ،  ويعده أهم حدث في تاريخ الشيعة واصبح الإمام الحسين (عليه السلام) رمزاً الى يومنا هذا.
      ويناقش حقيقة فكرة  الأئمة  من نسل الإمام علي وفاطمة (عليهما السلام) وشرط أن تكون الإمامة منحصرة في هذا النسل وفق الفكر الشيعي.
     ويشير الكاتب إلى تاريخ الشيعة مع حكام بني أَمية ودور الائمة فيه، ويستطرد لذكر الرايات السود التي حملها العباسيون التي ارتاب الامويون منها لأنها تشير الى البيت العلوي، وبعد تسلم العباسيون السلطة ايضًا تطرق للعلاقة بين البيت العباسي والبيت العلوي، وذكر ثوراتهم لعل ابرزها ثورة عبد الله المحض، وكذا ناقش فكر الامام جعفر الصادق (عليه السلام) الذي اثر في تاريخ الشيعة الى يومنا هذا، وتناول علاقة الائمة موسى الكاظم (عليه السلام) مع هارون الرشيد، علي الرضا(عليه السلام) مع المأمون، ويسرد علاقة الائمة واحداً تلو الآخر مع خلفاء بني العباس ويذكر الأحداث التاريخية التي مثلها على أنها صراع بين الشيعة والسلطة دون ان يحقق الشيعة شيئًا يذكر في تولي السلطة.
      وبعد ذلك يتطرق إلى نشوء الدولة الصفوية في بلاد فارس، وأصبح للشيعة دولة كما يقول كونسلمان، وصار شيعة بلاد الرافدين يترقبون التحرير على يد الصفويين، وفيما بعد تحدث عن الحكومات المتعاقبة في بلاد فارس وصولاً إلى الثورة الاسلامية بقيادة آية الله الخميني، ويستفيض بالحديث عن نسبة آية الله الخميني الموسوي، ويذكر أنه يرجع الى الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)، وفيما بعد يذكر الاحداث التي رافقت الثورة الاسلامية، والتي بدورها ساعدت آية الله الخميني في الوصول للسلطة في إيران، وكيف أنه اعلن معادات الغرب وألغى الاتفاقيات التي أبرمها الشاه مع الدول الغربية.
      ويذكر  إن الدول العربية ارتابت من وصول آية الله الخميني الى السلطة ولاسيما العراق، الذي دخل في حرب مع إيران دامت ثماني سنوات، ويسرد تفاصيل هذه الحرب التي دمرت البلدين دون أي نصر للطرفيين.
      وينتقل لذكر العلاقة التي ربطت إيران بجنوب لبنان الذي تسكنه غالبية شيعية، وكيف ان ايران دعمت حركات المقاومة هناك مثل حركة امل وساعدت في انشاء حزب الله وقدمت الدعم لهم في الحرب الاهلية اللبنانية، وفي الجانب الآخر دعمت الولايات المتحدة الامريكية المسحيين الموارِنة في هذه الحرب.
       وبعد الاسهاب في الحديث عن لبنان وما جرى من تسليح ومساعدة المقاومة الشيعية فيها، يرجع إلى قرار وقف اطلاق النار بين العراق وايران سنة 1988 ، وشرح ملابسات قبول ايران بذلك، و ثم ناقش خلافة آية الله الخميني في قيادة ايران، وذكر ايضا قضية قصف الامريكان الطائرة الايرانية ومقتل حوالي 290 شخصا كان على متنها، وانفجار الوضع الداخلي في ايران والمطالبة بمهاجمة المصالح الامريكية في المنطقة، وضعت ذلك الوقت عبوة ناسفة في طائرة امريكية سقطت في لوكربي وكان ذلك في 21/12/1988 ، واتهمت الولايات المتحدة ايران هي من فعل هذا الامر، إلا أن رئيس الوزراء الايراني حسين موسى نفى ذلك، وبهذا الموضوع انتهى كتاب سطوع نجم الشيعة دون أن يضع المؤلف خاتمة لكتابه.
  ومن ابرز الملاحظات على كتاب سطوع نجم الشيعة أنه يناقض نفسه بنفسه فنجده يقول أن الامام علي (عليه السلام)  قتل بسيفه في موقعة صفين، ويرجع بعد صفحات قليلة يقول علي الشهيد قتل بعد اتفاق الثلاثة، حسب الرواية المشهورة في كتب التاريخ، ومن الملاحظات ايضا صرح المؤلف ان الإمام علي (عليه السلام) هو المستفيد من قتل عثمان، لذا لم يتخذ موقف صارم من الثوار، وهذا خلاف ما ذكرته اغلب المصادر التارخية بان الإمام علي (عليه السلام) كلف ابناءه بحراسة دار الخليفة الثالث وحاول الحوار مع الثوار لحقن الدماء.
      ومن الملاحظات ايضًا نجد أنه لم يوثق مصادره في هامش الكتاب، وأنما اعتمد في بعض المواضع بذكر ممن أخذ في متن الكتاب، ونرى انه في بعض الروايات اعتمد كتب السيرة النبوية وعند الحديث عن أهل البيت  (عليهم السلام) اعتمد على كتب الشيعة مثل كتاب (شيعة الاسلام) لسعيد محمد حسين الطباطبائي وكتاب (فاطمة هي فاطمة) لعلي شريعتي.
        ومن المغالطات في كتاب سطوع نجم الشيعة  كذلك نجده نسب آية الله الخميني الى الامام موسى الكاظم (عليه السلام) وذكر انه رحل الى ايران وتزوج في الطريق والخميني من نسل اولاده من هذه الزيجة، والواقع أن الامام الذي رحل الى ايران هو الامام علي الرضا  ابن الامام الكاظم (عليهما السلام)، أي أن الكاتب او المؤلف لم يتحر الدقة فيما ينقل من روايات وأخبار، فقد اوردها دون تدقيق او تمحيص، وكذلك فإن جرهارد كونسلمان هو صحفي وليس أكاديمي او مؤرخ، لذا وقع في مثل هذه الاخفاقات، ونرى ان الهدف من وراء تاليف مثل هذا الكتاب كان لمعاصرته الاحداث في منطقة الشرق الاوسط ورغبته في تدوينها وربطها بالماضي، ولكنا نجد ان يد الصحفى انسحبت على الكتاب فدونها بطريقة صحفية وليست اكاديمية تتبع المنهج العلمي في التأليف، وعلى أي حال فيعد هذا الكتاب من المراجع المهمة التي تطرق لتاريخ الشيعة هذه الفئة من المسلمين التي ظلت مهمشة لسنوات عدة.




المراجع:
  • كونسلمان، جرهارد، سطوع نجم الشيعة، ترجمة: محمد ابو رحمة، ط2، مطبعة مدبولي، القاهرة، 1993. 



شارك هذا الموضوع: