النظرية المادية التاريخية والفتنة الكبرى:  
    تعد النظرية المادية التأريخية من أبرز النظريات التي فسرت مجرى التأريخ وفق صراع الطبقات، و أول من نادى بها: كارل ماركس (1818-1883م) وفريدريك إنجلز (1820-1895م)، وعملا معًا في إنضاج أفكارهم لتفسير حركة التاريخ واعتبروا أن كل التاريخ القديم هو تاريخ صراع الطبقات، وان تلك الطبقات المتصارعة تعبر في كل لحظة نتاجًا لعلاقات الإنتاج والتبادل، بمعنى أنها العلاقات الاقتصادية السائدة في عصرها،  وكذلك فإن ظهور الطبقات في المجتمعات نتيجة لنمو قوى الإنتاج وظهور فائض في الإنتاج مما أدى الى تكوين الثروات وبالتالي ظهور الطبقات الإجتماعية، وإن التفسير المادي للتاريخ ليس لتحليل الماضي بقدر ما يهدف إلى فهم الحاضر والتنبؤ بالمستقبل، والتناقض هو القوة المحركة للتاريخ الطبيعي والإنساني معًا وإنكار ذلك يعني إفتراض سكون الكائنات وموتها.
    ومن ابرز الآراء المادية التاريخية هو أن الشعوب كلها مرت او تمر عبر تأريخها بمراحل او أنظمة خمسة هي : المشاعية، والرق، والإقطاع، والرأسمالية، والإشتراكية.
       وعند مناقشة الفتنة التي حدث في عهد الخليفة عثمان بن عفان،  والتي تعد من أهم المنعطفات التأريخية في مجريات الأحداث في الدولة الإسلامية، نجد أن الحركة التي قام بها سكان الامصار الإسلامية ما هي إلا نتيجة حتمية لسلسلة التطورات التي مرت بها الأمة الإسلامية، التي كان أفرادها في بادىء الأمر بسطاء في أغلب الحالات ويعيشون حالة من شظف العيش، إلا أن الفتح الإسلامي، والتوسع في السيطرة على أراضي الإمبرطوريتين الساسانية والبيزنطية أدى إلى وفرة في الأموال، وهذه الوفرة أنتجت الطبقية بسبب التفاوت في توزيع الغنائم والأراضي التي تم الإستيلاء عليها، ومن هنا يمكننا أن نطبق المادية التأريخية التي ترى أن المجتمع يمر بمراحل منها المشاعية البدائية، وثم رقيق الأرض، وبعدها ظهور الإقطاع، وفي التاريخ الاسلامي بدأت المشاكل عندما أقطع الخليفة عثمان أفراد من عائلته أراضٍ في المدينة، والعراق، ومصر، والشام، وكذا الأمر في توزيع أموال بيت المال على أفراد البيت الأموي، مما أثار سخط وحفيظة سكان الأمصار، فضلا عن سكان المدينة من الصحابة الذين تذمروا من سياسته، وهذه الأمور بطبيعة الحال أدّت إلى ثورة اجتماعية ضد الارستقراطية الأموية والتي كانت من أولى شعاراتها عزل الولاة الأمويين، والعودة بالعمل بسيرة الشيخيين اي الخليفتين ابي بكر وعمر.
    بسبب تلاحق الأحداث ومعرفة سكان الأمصار أن الخليفة عثمان وعدهم بالإصلاح ولكن في حقيقة الأمر اطلعوا على كتاب أرسله إلى ولاته للبطش بالثوار حال عودتهم أدى إلى تأجيج الوضع وقتله.  
    اذن وفق المنظور المادي للتاريخ فإن أي حركة هي نتيجة صراع الطبقات، وفعلاً كان هناك صراع بين الطبقة الحاكمة والمتمثلة بالخليفة عثمان وأقاربه من بني أمية، وبين سكان الأمصار والصحابة الذين فقدوا امتيازاتهم نتيجة هذه السياسات، فحدثت هذه الثورة الاجتماعية التي يجب أن لا نغفل انها حملت في طياتها اهداف أخرى غير الهدف المادي وصراع الطبقات، فيمكننا القول ان الأمة الإسلامية ادركت في ذلك الوقت انها انحازت الى طريق خاطئ وحاولوا تصحيح المسار والتوزيع العادل لثروات المسلمين، دون هيمنة قبيلة او فئة عليه.  بعد ان  تفاقم الوضع وعادت الأرستقراطية القرشية للهيمنة على سائر العرب و غيرهم.
       فضلا عما سبق فإن هذه الحركة الإجتماعية كانت رد فعل حقيقي لما تعانية فئة من المسلمين من الإضطهاد والتهميش، على الرغم من أن كبار الصحابة كانوا ما زالوا موجودين وأحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حاضرة في قلوبهم وأذهانهم غير إننا نجد ان الخليفة قرب أشخاص كانوا ممن طردهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فكل هذه الامور أججت الفتنة وليس فقط السبب صراع الطبقات. 
المصادر والمراجع:
 
  1. الطبري، محمد بن جرير، ت:310هـ، تاريخ الرسل والملوك، ط2، دار التراث، بيروت، 1387هـ.
  2. المسعودي، على بن الحسين بن على، ت: 346هـ، مروج الذهب ومعادن الجوهر، تحقيق: أسعد داغر، دار الهجرة ، قم، 1409هـ.
  3. انجلز، فردريك، انجلز ضد دوهرنج، ترجمة: محمد الجندي، وخيري الضامن، دار التقدم ، موسكو، 1984، ص32؛ غدنز، انتوني، علم الاجتماع، ترجمة: فايز الصياغ، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2005.
  4. بوليتز، جورج و كافين، جي بيس موريس ، اصول الفلسفة الماركسية، تعريب: شعبان بركات، المكتبة العصرية، بيروت، د.ت.
  5. صبحي، احمد محمود، في فلسفة التاريخ، مؤسسة الثقافة الجامعية، الاسكندرية، 1975.


شارك هذا الموضوع: