تأثير الفتوحات الإسلامية في المشرق والمغرب
(القرن الأول للهجرة)
    بدأت الفتوحات العربية الإسلامية لبلاد المشرق سنة 14هـ / 636 م، بقيادة سعد بن أبي وقاص، فكان النصر الحاسم بمعركة القادسية التى أنهت سيطرة الساسانيين على الجبهة الغربية لفارس فانتقلت الحدود الطبيعية ما بين الدولة الإسلامية الفتية والفرس من العراق إلى بلاد فارس، الأ أنّ الغارات المستمرة للفرس على العراق، جعل الخليفة عمر بن الخطاب يأمر بتسير الجيوش لفتح الإمبراطورية الساسانية بأكملها، حتى تم القضاء على تلك الإمبراطورية وفتح بلاد فارس برمتها سنة 23هــ/644م، مما أدى إلى دُخول مُعظم أهل المشرق في الإسلام، وبقي بعضهم على دينهم، فتم توفير الحماية لهم على ان يدفعوا الجزية لِبيت المال.
     أما في بلاد المغرب بدأت الفتوحات بعد فتح مصر والاستقرار فيها، أرسل عمرو بن العاص عقبة بن نافع سنة 22ه/643م لفتح برقة وطرابلس، إذ أقبلت بعض قبائل البربر على اعتناق الإسلام في السنوات التي شهدت الفتح، واستمرت نحو سبعين عامًا، فبعد استقرار المُسلمين بِالشمال الإفريقي جعل كثيرًا من البربر يعتنقون الإسلام إما عن عقيدةٍ واقتناع، او سياسة الترهيب التي اتبعها عقبة بن نافع، فضلاً عن ذلك يمكننا القول أن انتشار الإسلام في صُفوف عددٍ من قبائل البربر يعود إلى التشابه الكبير في ظُروف الحياة، والعادات والتقاليد بين العرب والبربر.
       ويُلاحظ أنَّ الأثر الديني كان في الشمال أعمق منهُ في سائر جهات المغرب، أمَّا في المغرب الأقصى فلم تتمكن مبادئ الدين الصحيحة في نُفوس البربر، لا سيما تلك الفئة من البربر التي كانت تحقد على العرب، وتتحيَّن الفرصة للانتقام منهم، وراقت لهم أفكار الخوارج لأنَّهم وجدوا فيها سبيلًا للثورة على الحُكم الإسلامي للتخلُّص منه، وممّا يلفت الانتباه أن طول مدة الفتح وتقبل الاسلام كانت في المغرب أطول، وفي المشرق أسرع،  لعلّ ذلك يعود إلى ان المشرق وبلاد بفارس بالتحديد كانوا اصحاب حضارة واكثر تقبلًا للافكار الجديدة، اما المغاربة فإنهم ذوو طبيعة صحراوية بعيدة عن التحضر، فكان  من الصعب عليهم الانصياع لدينٍ جديد ودولةٍ جديدةٍ بسهولةٍ.
    أما من ناحية تأثير اللغة العربية في المشرق والمغرب ، فنجد أن الإسلام انتشر في ربوع بلاد فارس انتشارًا سريعًا، وأسلم كثيرٌ من الفرس في مدة وجيزة، وبانتشار الإسلام انتشرت العربية في أنحاء بلاد فارس، وإن العلاقة بين اللغتين العربية والفارسية  قديمة قدم مجاورة بلاد العجم لبلاد العرب وقد امتزجت الثقافتان العربية والفارسية، وتكونت منها ثقافة إسلامية واحدة،  وأدت العلاقات الواسعة بين العرب والفرس إلى انتشار لغتيهما وتبادل التأثير فيما بينهما، فاللغة العربية لها تأثير واضح في اللغة الفارسية ومن أهم مظاهر هذا التأثير: كثرة الألفاظ العربية في اللغة الفارسية، وكتابة اللغة الفارسية بالخط العربي، واقتباس بعض قواعد اللغة العربية، واستعمال أوزان الشعر العربي وقوافيه.
       ومع استقرار الفتح الاسلامي في بلاد المغرب ، نزل العربُ في العديد من المُدن والقُرى إلى جانب البربر ، وسكن البربر المُسلمون  المدن التي انشاءها العرب كالقيروان، وامتزج العرب والبربر بشكلٍ كبيرٍ في المغرب، وقد أقبل الآلاف من العرب لِتعليم البربر أُصول ومبادئ الإسلام واللُغة العربيَّة كي يفقهوا ما يقرأونه في القُرآن، فضلاً عن عددٍ كبيرٍ من علماء المسلمين توجهوا الى بلاد المغرب لنشر تعاليم الدين الاسلامي، ومع مُرور الوقت ونتيجة الاختلاط الطويل الأمد، استعرب الكثير من البربر واقتبسوا الهويَّة واللُغة العربيَّة، وكان هؤلاء من أهل المُدن غالبًا، بينما بقي أغلب سُكَّان البوادي يحتفظون بلغتهم الأمازيغية.
      إذن نجد أثر اللغة العربية في المشرق والمغرب واحد لأنها لغة القران الكريم والحديث الشريف، وفي ذلك الوقت كلا الطرفين منصهر في الثقافة العربية فكان لزاما عليهم تعلم هذه اللغة المقدسة.
    


المصادر والمراجع
  1. ابن أبي دينار، مُحمَّد بن أبي القاسم الرعيني القيرواني، المُؤنس في أخبار إفريقية وتُونس تحقيق: الشيخ مُحمَّد شمَّام ، ط3، المكتبة العتيقة، تُونُس، 1967.
  2. الطبري، محمد بن جرير، ت:310ه، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم، ط2، دار المعارف، القاهرة،  1967م.
  3. السلاوي، ابي العباس أحمد بن خالد الناصري،الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، دار الكتاب، الدار البيضاء، د.ت. 
  4. شبارو، عصام مُحمَّد ، الدولة العربيَّة الإسلاميَّة الأولى، ط3، دار النهضة العربية، بيروت ، 1995 .
  5. مُؤنس، حُسين ، فتح العرب للمغرب، مكتبة الاداب،  القاهرة 1947.





شارك هذا الموضوع: