أولاً : موازنة الإدارة المحلية للواء بغداد و التخصيصات المالية( 1958–1968 )
   
لأي مؤسسة حكومية كانت أو مدنية موازنة عامة لإدارة الشؤون المالية لتلك المؤسسة تضع فيها خططها المقترحة لسنة قادمة , و على ضوء تلك الخطط و المشاريع المقترحة ترصد الأموال اللازمة لتلك المشاريع , على أساس ذلك انقسمت الموازنة السنوية للواء بغداد على أربعة أقسام هي: 
  1. رواتب و بدلات و أجور الموظفين. 
  2. مصروفات عامة. 
  3. التشغيل و الصيانة. 
  4. مشروعات جديدة. 
 
عد الباب الأول في الموازنة أهم قسم من تلك الأقسام لأن الأجهزة الحكومية في عموم اللواء بكافة مفاصلها لا تستطيع أن تؤدي عملها دون إستيفاء أجور المستخدمين و العاملين لديها , و على العموم فنحن لو ألقينا نظرة على موازنة اللواء في السنين الأخيرة من العهد الملكي و قارناها بموازنات العهد الجمهوري لوجدنا الفرق الكبير و الزيادة الواضحة في التخصيصات المالية ، فعلى سبيل المثال كانت موازنة الإدارة المحلية للسنة المالية  1956- 1957 مقدرة بحوالي ( 2076700 ) دينار, أستحدثت وظائف مدنية بلغ عددها 195 درجة وظيفية على ملاك    التعليم ، و إرتفعت تلك التقييمات المالية  في السنة المالية التالية  1957 – 1958  للإدارة المحلية للواء لتبلغ حوالي ( 2528018 ) دينار , مع إستحداث 245 درجة وظيفية في ملاك التعليم الإبتدائي ، و كان الغرض من تلك الزيادة هو لضمان إحداث الوظائف الجديدة للإدارة المحلية و القيام بالمشاريع العمرانية ذات النفع   العام .
أما في العهد الجمهوري الأول و بأول سنة مالية منه بدا الإهتمام واضحاً بالتخصيصات المالية للواء و زيادتها على أبواب معينة مثل التعليم و بناء المدارس الجديدة رغم العجز الواضح فيها حيث بلغ في السنة المالية  1958 – 1959  حوالي ربع مليون دينار .
حتى إن المتصرفية طلبت قرض من مجلس الإعمار لسد تكاليف بعض المشاريع المهمة و الحيوية , كما حدث لما إقترضت مبلغ ( 65000 ) دينار لسد تكاليف مشروع ماء الدور , إذ كان هذا المشروع من بين المشاريع التي قررت المتصرفية تنفيذها لتزويد جميع الأقضية و النواحي بالماء الصالح للشرب .
بدت الزيادة واضحة على صرفيات اللواء في كافة المرافق العامة , لكن قسم التعليم كان له الحظ الأوفر منها ، فإذا ألقينا نظرة على السنة المالية  1959 – 1960 لوجدنا إن منحة التعليم وحدها بلغت حوالي ( 2243000 ) دينار من مبلغ الموازنة العامة للواء البالغة ( 4970973 ) دينار , أي إستحواذ قطاع التعليم على حوالي النصف من المبلغ المذكور , و هذا دليل على إهتمام الدولة بهذا القطاع بإعتباره الأساس لنهضة المجتمع .
و هذا لا يعني بخس حق المرافق الأخرى , بل العكس كان الإهتمام واضحاً للكل إلا أن التعليم كان له النصيب الأوفر ، إذ نجد على سبيل المثال تخصيص مبلغ ( 118520 ) دينار لبلديات لواء بغداد للسنة المالية 1960 – 1961  للنهوض بالخدمات البلدية لأقضية و نواحي اللواء عدا أمانة العاصمة .
إستمرت الزيادة في التخصيصات المالية مع نمو الإقتصاد و زيادة واردات الدولة ، فمشاريع الماء للواء بغداد كان مبلغ ما رصد لها ضمن موازنة السنة المالية 1963 – 1964 مبلغ قدره  ( 770450 ) دينار , إذ رفع عدد الخزانات في لواء بغداد من 9  خزانات إلى 12  خزان لزيادة ضغط ضخ الماء لجميع أنحاء بغداد .
إن الزيادة في التخصيصات المالية تقابلها زيادة في المشاريع المقترح إنشائها , أي إن النسبة الأكثر التي لاحظناها من خلال تتبعنا للموازنات المالية ذهبت لإنشاء مشاريع جديدة , فهذا إذ يدل على مدى كفائة و نزاهة الجهاز الإداري و الفني للمتصرفية حتى وصلت موازنة عام 1968 مبلغ ( 13095066 ) دينار و تعد من أضخم ميزانيات الإدارة المحلية للواء بغداد ، و تضمنت هذه الميزانية إنشاء مشاريع عديدة تخص البنية التحتية منها إنشاء 50 مدرسة إبتدائية و ملعب رياضي و مكتبة واسعة في قضاء الكرخ و عدد كبير من المستوصفات الصحية و البيطرية و عدد آخر من دور المعلمين و الموظفين الصحيين ، و قد بلغت كلفة تلك المشاريع العمرانية من المبلغ الإجمالي  للموازنة حوالي ( 1284829 ) دينار .
لم تغفل المتصرفية عن المناطق النائية للواء فقد وضعت موازنات محلية للقرى العصرية والأرياف ، ففي إحدى الوثائق نجد إن متصرفية اللواء طلبت من قائمقامية قضاء المحمودية أن تنظم ميزانية القرية النموذجية في اللطيفية و إرسالها للمتصرفية بالسرعة الممكنة , إذ كانت منحة المتصرفية لتلك القرية هي ( 500 )      دينار , و قد إستندت المتصرفية في طلبها ذلك على قانون تعديل قانون إدارة القرى رقم 16  لعام 1957  .
في وثيقة أخرى تخص هذه المرة قرية الحرية التابعة للواء بغداد تبين أن مجموع الرسوم و البدلات الأميرية تبلغ ( 1727 ) دينار , و لما كانت منحة القرية هي    ( 500 ) دينار فإن عجزها بلغ ( 1227 ) دينار , لذا فقد ردت المتصرفية موازنة القرية و طلبت منها إعادة النظر بالموازنة الخاصة بها و وضعها بحدود المنحة المقررة لها .
إن التنظيم المالي الجيد له آثار إيجابية سواء على الدولة أو المدينة و حتى القرية ، لأنه يضع الأموال المرصودة في مكانها الصحيح دون هدر أو إسراف , فلو ألقينا نظرة على موازنة قرية خرنابات التابعة لناحية أبي غريب التابعة لقضاء الكاظمية لوجدنا تفاصيل دقيقة لكل فلس و دينار أين    يصرف ، و تحت أي باب من أبواب الموازنة ، فالجهاز الإداري للقرية المتكون من عشرة موظفين يستحصل بدلات أجور ( 53 ) دينار و الإعانات الحكومية بلغت ( 310 )  دنانير و التعويضات بلغت ( 90 ) دينار.
و نفس الحال أتبع في قرى أخرى كقرية جسر ديالى التابعة لناحية سلمان باك التابعة لقائمقامية قضاء الرصافة و قرية صدر اليوسفية حيث وجدنا أنه عندما تكون المصروفات أعلى من الواردات تسجل عجزاً  في الموازنة مما يتطلب من المتصرفية أن تعيد الموازنة المقترحة للقرية و تجعلها بضوء الواردات المؤملة , لأنه في حالة حدوث عجز في الموازنة و لا يتم تغطيته يؤدي إلى إفشال المشاريع المقترحة للقرية لعدم تغطية السقف المالي لها .
كذلك من ضمن أبواب موازنة المتصرفية وجدنا في الوثائق الحكومية أن مهمة إصلاح و ترميم بناية المتصرفية من ضمن الأموال المرصودة للواء و هذا ما يسمى بباب التشغيل و الصيانة .
و من الجدير بالذكر نجد أن دائرة الإحصاء المركزية و بالتعاون مع متصرفية لواء بغداد قد عملت بحث ميداني عن ميزانية الأسرة في لواء بغداد و قد شمل البحث ( 882 ) أسرة بضمنها ( 126 ) أسرة من سكان الصرائف ، و لقد أشارت نتائج البحث المذكور إلى المتوسط الشهري لمصروفات الأسر بلغ ( 57 ) دينار و ( 185 ) فلس ، في حين بلغ متوسط  مصروفات سكان الصرائف ( 19 ) دينار و  ( 432 ) فلس في الشهر ، في حين بلغ المتوسط الشهري لمصروفات سكان الأقضية و النواحي ( 50 ) دينار و ( 873 ) فلس .
أما عن الواردات المحلية للمتصرفية من غير الموازنة العامة للدولة نجد أن الرسوم الجمركية و الضرائب كانت من واردات موازنة المتصرفية , فرسوم الماء و جباية رسوم الكهرباء كانت واردات لا بأس بها لموازنة الإدارة المحلية .
كما أن هناك أموال مرصودة لبعض الأقضية و النواحي لا تكفي لمشاريعها المرسومة مما إضطرها للإقتراض من وزارة المالية و البنك المركزي , و هذا ما حصل لقضاء تكريت إذ تقدم القضاء بطلب قرضاً مقداره ( 60000 ) دينار لإكمال المشاريع العمرانية , و بعد أن درس مجلس الوزراء هذا الطلب قرر الموافقة على القرض .
في بعض الأحيان طرأت مشتريات غير مدرجة على صرفيات الموازنة مما تتطلب موافقة مجلس الوزراء عليها ، و هذا ما حصل لما طلبت المتصرفية شراء سيارات لكل من أقضية الكرخ و سامراء و تكريت و ناحية أبي غريب .
أما عن التخصيصات المالية للمشاريع في اللواء فإن أغلب المشاريع و بالأخص الضخمة منها لا تنجز في نفس السنة المالية التي أقرت بها بل تطلب أكثر من سنة لإنجازها و بطبيعة الحال تطلبت مبالغ إضافية لتعويض المتضررين من هذه المشاريع ، فمستشفى الشعب في قضاء الكرخ و الذي خصص له مبلغ     ( 3500000 ) دينار و الذي يتسع لـ ( 552 ) سرير كانت الخطة المرسومة له أن ينجز على مدى سنتان , و أما مبالغ تعويض أصحاب الأملاك التي يبنى المستشفى على أملاكهم بلغت حوالي  ( 371971 ) دينار .
أما بعض المشاريع فقد كانت تتطلب مدة و مبلغ أطول و أضخم ، فمشروع إنشاء المجاري لعموم أقضية و نواحي المتصرفية بلغت الأموال المرصودة له حوالي ( 4485000 ) دينار , أما المدة المقررة لإنجازه فقد كانت ثلاث سنوات ، و لما كان هذا المشروع من المشاريع الحيوية و الهامة و التي تتطلب مواصلة الإنفاق عليه في السنوات المالية القادمة ، فقد قرر مجلس اللواء العام دمجه بالمشاريع العمرانية الأخرى ضمن الخطة الخمسية , و بعد عرض هذا المقترح على وزارة التخطيط بإعتبارها الجهة المخططة للمشاريع في الدولة وافقت على المقترح .
كانت مشاريع شق الطرق الجديدة تتطلب أموال لتعويض أصحاب الأراضي التي يمر بها الطريق لأن بعض الأراضي التي تمر بها الطرق هي أملاك خاصة للأهالي , فالطريق الرابط بين جسر الأئمة و بين قضاء الكاظمية خصص له مبلغ ( 50000 ) دينار لإستملاكه و ذلك لتعويض أصحاب الأراضي الزراعية التي من المقرر إقامة الطريق عليها .
لقد كان لمشاريع الإسكان النصيب الأكبر من هذه التخصيصات ، فقد صرح بذلك متصرف لواء بغداد تقي القزويني  بذلك الخصوص التصريح التالي :
( إن المتصرفية خصصت مبلغ ( 50000000 ) دينار للخطة الخمسية الخاصة بلواء بغداد للسنوات الخمس المقبلة لغرض بناء الدور و إسكان أصحاب  الصرائف ) .
و لأجل النهوض بالريف قررت المتصرفية تسوية الطرق التي تربط الأرياف بالمدن و ذلك لتسهيل الإتصال بينها ، إذ قامت المتصرفية بدراسة المناطق التي تحتاج لمثل هذه الطرق لأجل شراء المكائن و الآليات الخاصة لهذا الغرض ، فتم تخصيص الأموال لهذا المشروع , كما أعلنت مناقصة إنشاء ( 15 ) مستوصف في أقضية سامراء و المحمودية و الكرخ و الرصافة و تكريت , و تم الإعلان عن تخصيص مبلغ ( 110000 ) دينار لبناء ( 11 ) مدرسة , في حين تمت المباشرة ببناء ( 15 ) مدرسة بلغ مجموع ما خصص لها من أموال  ( 150000 ) دينار ، إضافةً لتخصيص أموال لبناء خمس مدارس جديدة في عموم المتصرفية , يضاف إليها ( 14 ) مدرسة تم إنشاؤها على حساب الخطة الإقتصادية و بلغت الأموال التي رصدت لهذه المدارس ( 190000 ) دينار .
أما قطاع الماء و المجاري فقد رصدت الإدارة المحلية للواء بغداد مبلغ         ( 3000000 ) دينار لتنفيذ القسم الثاني من مشروع مجاري لواء بغداد الذي إستغرقت مدة إنجازه حسب الخطة المرسومة له سنتان بحسب إعلان المناقصة الخاصة به , أما مشروع إيصال مياه الشرب لمدن اللواء فقد خصصت الإدارة المحلية مبلغ ( 507534 ) دينار لمشروع مد أنابيب مياه الشرب في أقضية تكريت و  سامراء .
أما عن تخصيصات الإدارة المحلية للواء بغداد للمشاريع الكهربائية  فقد تم تخصيص أموال طائلة لإنشاء محطات ترفع القدرة الكهربائية لعموم اللواء بإعتبار مركز اللواء فيه المشاريع الصناعية الضخمة و التي تتطلب طاقة كهربائية مستمرة و دائمة , على هذا الأساس أتخذ القرار بإنشاء محطة كهرباء الدورة , إذ بلغت المبالغ المخصصة لها حوالي ( 2542188 ) دينار حسب المناقصة الخاصة بهذه المحطة و التي شملت إنشاء ثلاث وحدات حرارية بسعة ( 120 ) ميكا واط ، و كان قرار إنشاء هذه المحطة هو لتلافي النقص المتوقع لإنتاج القدرة الكهربائية خلال العامين 1964 – 1965  .
أما عن مشاريع سكك الحديد فقد وافقت الإدارة المحلية على تخصيص مبلغ   ( 150000 ) دينار لإكمال إنشاء محطة شرق بغداد للسكة الحديد ، كما تم تخويل مديرية السكك الحديد العامة بصلاحية الصرف ، لقد أنشأت هذه المحطة لتحل محل محطتي شمال بغداد في باب المعظم و شرق بغداد القديمة في باب الشيخ ، و قد صممت بحيث تستوعب حركة النقل بالسكة الحديد المتزايدة بين لواء بغداد و باقي الألوية .
أما القطاع الصحي فهو الآخر كان له نصيبه من تلك التخصيصات فقد قررت الإدارة المحلية  إنشاء ( 22 ) مستوصف في قرى و أرياف اللواء ضمن الخطة الخمسية خصصت لها حوالي ( 767441 ) دينار ، كان الغرض من ذلك هو للقضاء على الأمراض المستعصية التي كانت تفتك بالفلاحين البعيدين عن المراكز الصحية في المدن ، و لم تكن تلك المستوصفات بنفس التجهيزات التي تجهز بها المدن إلا أنها تعتبر وحدات إسعاف أولية ريثما يصل المريض إلى المستشفى العام في المدينة , ثم زادت تلك التخصيصات المالية لتبلغ ضمن الخطة الخمسية لهذا القطاع ( 6000000 )  دينار ضمن الخطة الخمسية الخاصة بإنعاش القرى و الأرياف .
بالإضافة إلى ذلك فقد كانت بغداد تواجه خطر الفيضان الدائم تقريباً في ذلك الزمان مما تطلب إنشاء سدود ترابية لحماية أطراف المدينة من هذا الخطر , و لأجل ذلك خصص مبلغ ( 500000 ) دينار لإنشاء السدة الشمالية خلف السدة الشمالية الشرقية لأن المكان الواقع بين السدتين أصبح مناطق سكنية و لأجل حماية قضاء الرصافة من هذا الخطر بإعتباره أكثر المناطق عرضةً لخطر الفيضان فقد تقرر إنشاء سدة جديدة كما تم تخصيص مبلغ ( 44231 ) دينار لتعويض المتضررين من هذا المشروع 
خلاصة القول إن الهدف من كل تلك الأموال المرصودة لتلك المشاريع هو للنهوض بواقع الخدمات المقدمة من قبل المتصرفية للسكان , و لو أخذنا بنظرة فاحصة عن هذا الواقع قبل قيام الجمهورية لوجدنا الفرق الواضح فيها ، فهي بلغت ستة أضعاف عما كانت عليه قبل قيام الجمهورية آخذين بنظر الإعتبار الزيادة السكانية و التوسع في المدن إضافةً لزيادة واردات الدولة المالية .
بقي أن نقول إن الموازنة العامة للواء بغداد قد إرتفعت نسبة التخصيصات المالية فيها بنسبة كبيرة خلال مدة العشر سنوات ( مدة نطاق البحث ) بوتيرة واحدة مع زيادة في عدد المشاريع التي أنجزت أو التي هي في طور الإنجاز , فقد كان لتلك المشاريع الأثر الكبير في تنمية اللواء بصورة خاصة و عموم العراق بإعتبار لواء بغداد مركز النشاط الإقتصادي للبلد , لقد كانت تلك الطفرة النوعية في المشاريع هو نتيجة حتمية لزيادة واردات الدولة المالية التي جاء أغلبها من تصدير النفط .




شارك هذا الموضوع: