هل كانت عملية الخفاش الأزرق* لعام 1958
صراع آيديولوجي أمريكي – سوفيتي ؟
م.م. إسراء محمدعلي عبدالكريم كساب
كلية التربية للعلوم الإنسانية – جامعة كربلاء.
قبل التطرُق الى عملية الخفاش الأزرق لابد من التتبع التأريخي للأوضاع السياسية في لبنان آنذاك والدول العربية المجاورة لها ، حيث كان رئيس الجمهورية اللبنانية كميل شمعون ينوي للحصول على تجديد لرئاسته لمدة ثانية، وخطى خطوات واسعة نحو هذا الهدف رغم معارضة الأطراف اللبنانية الأخرى لهذا الطلب بسبب سياسته االموالية للغرب لا سيما انه اعلن ترحيبه بمبدأ ايزنهاور الذي أعلنه الرئيس الامريكي دوايت ايزنهاور.
في الثاني والعشرون من شباط (فبراير)1958 أعلن عن قيام الجمهورية العربية المتحدة وهذا بدوره سيؤثر على لبنان من حيث انها ستجرده من استقلاله وتجعل المسيحيين أقل عددا مقارنة بالمسلمين, إذ ان الوحدة عززت الدعم السياسي والمساعدات العسكرية والمالية من الاقليمين الجنوبي والشمالي الحركه الوطنيه وبدأت تضيق الخناق على الرئيس اللبناني شمعون الذي وصلته تقارير ضباط الدرك عن تدفق رجالات الاستخبارات السرية السورية والاموال على طرابلس والبقاع الجنوبي وغيرها من المعابر الحدودية المتاخمة للأراضي السورية.
كانت الوحدة المصرية– السورية بالنسبة للسوفييت هي خطوة سياسية غير موفقة إذ ان موقفهم كان يتسم بالتحفظ فقد كانوا يعارضون قيام وحدة بين دول عربية رجعية مثل مصر التي كانت لا تدور في فلكه وأخرى تقدمية مثل سوريا مما سيؤدي بدوره إلى عرقلة نمو الاشتراكية في الدول الأكثر تقدمية ، إلا أن واقع الحال أنهم يعدون هذه الخطوة السياسية موجهة ضد إمكانية هيمنتهم على الأمور في سوريا التي كانوا يعدونها مفتاح الشرق الأوسط، على الرغم من تطور علاقاتهم مع مصر، ومن ثم كانوا بطبيعة الحال جيؤيدون موقف الحزب الشيوعي السوري المعارض للوحدة مع
مصر. مما دفع الحكومة اللبنانية ان تتقدم بشكوى إلى الامم المتحدة عن تدفق المصريين والسوريين على البلاد, فأرسلت الامين العام ” داغ همرشولدDag Hemirshold ” مبعوثا منها للتحقق من صحة الدعوى اللبنانية.
جاءت الانتفاضة اللبنانية في خضم هذه الاحداث بسبب عوامل عديدة أسهمت في اشعالها منها سياسة كميل شمعون الموالية للغرب والفساد المالي والاداري في البلاد،اما سببها المباشر كانت على اثر حادثة اغتيال الصحفي نسيب المتني في الثامن من أيار (مايو) 1958,فضلا عن الأخلال بالميثاق الوطني الذي نصت بعض بنوده على فكرة الحياد اللبناني “لا شرق ولا غرب بالنسبة إلى لبنان “وبعد اشتداد الغليان وتحول البلاد الى نوع من العصيان المسلح طلب الرئيس شمعون من اللواء فؤاد شهاب “قائد الجيش ” انزال الجيش إلى الشوارع لقمع الانتفاضة,حيث كانت مجمعة في قرارها ,ذلك ان الجيش اللبناني متوازن بين المسلمين والمسيحيين، ولما كانت الشعبية الانتفاضة ضد الحكومة المارونية , فكانت الخشية ان ينحاز المسلمين العسكريين إلى جانب المتظاهرين ,او تُفسر الدعوة إلى التدخل بانها ضد المسلمين, فضلا عن ان الجيش هو للدفاع عن الوطن وضد العدو الخارجي وليس ضد الشعب وقد كان لجبهة الاتحاد الوطني التي تشكلت في ربيع 1957 على اثر تصديق مجلس النواب اللبناني على مبدأ ايزنهاور ومؤتمر الاحزاب الدور الفعال في سير احداث الانتفاضة فضلا عن شخصيات سياسية غلب عليها طابع الانخراط في المحور الناصري التابع لجمال عبد الناصر عربيا والسوفياتي عالميا. يتضح من خلال ذلك ان القوى الاسلاميه في لبنان كانت مدعومه اقليميا,لاسيما من المد الناصري,وقد رحبت بقيام الوحده بين مصر وسوريا,فضلا عن الدعم الدولي كالدعم السوفيتي المعارض للوجود الامريكي في لبنان والذي يساند القوى المسيحيه.
وقد اتهمت لبنان على لسان سفيرها في الولايات المتحده شارل مالك الجمهوريه العربيه المتحده بالتدخل في الشأن اللبناني وتشجيع الثوار بمدهم بالسلاح وبالمحاربين المتسللين عبر حدودها مع سوريا,وفشلت الجامعه العربية في التوسط بين لبنان والجمهورية العربيه المتحدة . وكان للأحزاب اللبنانية دور في اشعال فتيل الفتنة والأزمة في لبنان فضلا عن حزب الوطنين الأحرار الذي ساند شمعون ابان الأزمة, وكانت الكتائب اللبنانية تقف إلى جانب حكومة شمعون ازاء تصاعد الاحداث قدمت الحكومة اللبنانية شكوى رسمية إلى مجلس الامن الدولي تتهم فيها الجمهورية العربية المتحدة بالتدخل عسكريا في اثارة الاضطرابات في لبنان لغرض قلب الحكومة الشرعية ولكسب جانب الولايات المتحدة ودعمها للحكومة الشمعونية ضد المعارضة , قدمت طلب رسمي تعترف فيه بعجزها عن المحافظة على حياة الرعايا الامريكيين في لبنان. في السادس من حزيران(يونيو)1958 اجتمع مجلس الامن لمناقشة الاجراءات التي تحد من زيادة الازمة اللبنانية ، وبعد مناقشات حادة ,تقدم الوفد السويدي في العاشر من حزيران من العام نفسه برئاسة “غونار يارنغGonar Yaring “المندوب السويدي لدى الامم المتحدة بمشروع مثلَّ حلا وسطا, ابرزما جاء فيه هو ارسال فريق من المراقبين على وجه السرعة إلى لبنان والتأكد من صحة التسلل الخارجي غير الشرعي للأشخاص او تزويد المنتفضين بالأسلحة او غير ذلك عبر الحدود اللبنانية .
اعلن الامين العام للأمم المتحدة داغ همرشولد في الثالث من تموز(يوليو) 1958في مؤتمر صحفي انه لم يجد أي برهان لإثبات تدخل الجمهورية العربية المتحدة في الشؤون اللبنانية ، وجاءت شهادات المراقبين الدوليين مطابقة لشهادة أمين عام المنظمة الدولية, لكنهم اشاروا إلى احتمال وجود بعض شحنات من الاسلحة من سوريا.
أزاء هذه التطورات السريعة للازمة اللبنانية,أرسل رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي خروشوف في التاسع عشر من تموز(يوليو) 1958 برسالة تهديد إلى الرئيس الامريكي ورئيس الوزراء البريطاني محذرا من أي خطوة قد تقدم عليها الدولتان للتدخل في المنطقة إذ جاء فيها إن العالم يقف الان على شفير الانفجار وان أي خطوة غير مدروسة يمكن ان تجر إلى نتائج وخيمة وفي اليوم نفسه وصل جمال عبد الناصر إلى موسكو لغرض التشاور مع الحكومة السوفيتية بشأن تقديم المساعدة لوقف التدخل الغربي في المنطقة العربية.
دفع تطور الأحداث بالإدارة الأمريكية إلى التدخل عسكريا للقضاء على انتفاضة الشعب اللبناني, إلا إنها أرادت إن تضطلع بهذا الدور إحدى الدول الحليفة في المنطقة بهذا الدور, فوقع اختيارها على العراق لإنقاذ شمعون وحكومته ، ولهذا الغرض تقرر ان تعقد دول حلف بغداد اجتماعا في اسطنبول في الرابع عشرمن تموز من نفس العام لتفويض العراق رسميا بمساندة حكومة شمعون أي الإقدام على غزو لبنان عسكريا.
لكن أحلامهم ذهبت في مهب الريح حيث اندلعت ثورة الرابع عشر من تموز بعد تنظيم للضباط استغرق الأعداد له مدة كافية ،حيث ثار مجموعة من الضباط الأحرارالقوميين بتأثير الحركة الناصرية وقتلوا الملك فيصل الثاني , لذا اعتقد الأمريكان إن التدخل في لبنان صار مبررا من أجل ضرب الثورة في العراق , ذلك البلد الأكثر أهمية بمراحل من لبنان لأنه مركز حلف بغداد آنف الذكر بالوقت ذاته خشي المسؤولون الأمريكان من إن تدخلهم في لبنان سوف يثير ردود أفعال الاتحاد السوفيتي . وعلى اثر قيام ثورة 14 تموز عام 1958في العراق وسقوط النظام الملكي الذي يعد مرتكزا مهما من مرتكزات السياسه الامريكيه في الشرق الاوسط ولحالة الغليان الداخلية في لبنان جراء الاحداث الحاصلة , استنجد كميل شمعون بالولايات المتحدة عن طريق الاستغاثة التي وجهها رئيس الوزراء سامي الصلح الى السفير الامريكي في بيروت وبناءً على طلب الرئيس اللبناني تم انزال ما بين ( 14 – 15 ) الف مقاتل من قوات الاسطول السادس الامريكي على الشواطئ اللبنانية ظهر يوم الخامس عشر من تموز 1958 وكان انزال المارينز الى الساحل اللبناني تحت ذريعة المصالح الامريكية في لبنان ولحماية لبنان من الشيوعية الدولية المتمثلة بالاتحاد السوفيتي ولكن الانزال كان في الواقع لمراقبة تطورات الوضع في العراق عن قرب بعد ثورة 14 تموز 1958.
بعد نزول القوات الامريكية على الشواطئ اللبنانية طٌرحت على مجلس الامن الدولي ثلاثة مشاريع لإنهاء الازمة ، ولم يتمكن مجلس الامن الدولي من اتخاذ قرار بالموافقة بسبب الفيتو الذي استخدمته كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ضد مشروع احدهما الآخر، واستعمال السوفييت الفيتوضد المشروع الياباني ، وقد اقتصر الموقف السوفيتي اتجاه التدخل الامريكي في لبنان على التنديد وتصريحات الاستنكار إذ اصدرت الحكومة السوفيتية في 18تموز بيانا نددت فيه بالتدخل الامريكي والبريطاني في كل من لبنان والاردن كما ذكرات آنفاً ,وبينما تجلى الموقف السوفيتي بذلك,قام الامريكيون بدور نشيط في محاولة احتواء الازمة اللبنانية,فقام ايزنهاور بإرسال “روبرت مورفي RobertMurphy”مبعوثه الشخصي للتوسط في حل الازمة الذي تبين له ان الوضع غاية في التعقيد , حيث بدأت الولايات المتحدة بالضغط على كميل شمعون لقبول حل وسط لإنهاء الازمة , فبقى مورفي بيروت حتى اجريت انتخابات جديدة, وهنا انتهت الازمة بان استقال الرئيس كميل شمعون وانتخب فؤاد شهاب رئيسا للجمهورية بعد ان استمرت الانتفاضة خمسة اشهر فيما بين (8 ايار الى 15 تشرين الاول).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هو الأسم الذي أطلقه الرئيس الأمريكي آيزنهاور على العملية التي نفذها في لبنان في الخامس عشر من تموزلعام 1958 والعملية تُعد أول تطبيق لمبدأ آيزنهاور الذي أعطى الحق للولايات المتحدة الأمريكية بالتدخل في شؤون الدول المهددة بالشيوعية لاسيما “لبنان”من وجهة نظر الخارجية الأمريكية وبطلب من كميل شمعون ,شارك في العملية 14,000 جندي من الجيش والمارينز.