التعليم الالكتروني في ضل جائحة كورونا
     يشهد العالم حالياً حدثاً جللاً يهدد التعليم بأزمة هائلة ربما كانت هي الأخطر في زماننا المعاصر (جائحة كورونا Covid 19 and 20 and 21) وهو وباء عالمي اجتاح بلدان العالم أجمع وتسبب بتوقف عجلة الحياة بجميع جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والتعليمية وقد أودى بحياة مئات الأشخاص بل الاللف عبر دول العالم المختلفة ولم يستثني بلداً دون آخر، وأنقطاع البلدان عن بعضها البعض.
     لقد تسببت هذه الجائحة في إنقطاع أكثر من 160000 مليار وست مئة الف متعلم عن مؤسساتهم التعليمية لا سيما الأطفال منهم، في 161 دولة او أكثر وبما يقرب من 80% من الطلبة الملتحقين بالمؤسسات التعليمية على مستوى العالم، هذا فضلا عن وجود أزمة تعليمية بالفعل لان هناك عدد كبير من الطلبة ممن يذهبون إلى المدارس لا يتلقون تعليم فعلي بل يفتقر إلى الكثير من المهارات الأساسية التي يحتاجونها في الحياة العملية، إذ القت هذه الجائحة بضلالها على قطاع التعليم بالكامل، إذ دفعت كل المدارس والمعاهد والجامعات إلى توقف نشاطها التعليمي والتدريبي وذلك تقليلا من فرص انتشار هذا الوباء، مما أثار قلقاً كبيراً عند كل المنتسبين لهذا القطاع، وبالأخص شريحة الطلبة في الجامعات والمعاهد إذ يواجهون معوقات دراسة المواد التعليمية المختلفة، وهذا التحول دفع مختلف المؤسسات التعليمية إلى البحث عن البديل او البدائل التي من شأنها استئناف سير العملية التعليمية والمتمثلة في ( E-Learning ( كبديل جرى الحديث عنه والجدل حول ضرورة دمجه في العملية التعليمية في العراق بعد أن تأثر التعليم بشكل مباشر بأتمته وتطور التكنلوجيا والذكاء الصناعي ومن هنا ظهرت أهمية التعليم الالكتروني في مثل هذه الظروف وذلك لما يمتاز به من خصائص تجعله البديل الأكثر ملائمة أو الا مفر منه، لتلافي جائحة كورونا واضرارها على العملية التعليمية.
     ومن هذا المنطلق توجهت أغلب دول العالم إلى ما يسمى بالتعليم المدمج والذي نعني به انه في الأوقات التي تكون فيها جائحة كورونا مستقرة وغير منتشرة بصورة كبيرة يكون دوام الطلبة حضورياً في المدارس او الجامعات مع اخذ الحيطة والحذر والوقاية المعروفة، أما في حالة الانتشار الكبير للوباء، وهو ما يحدث بين الفينة والأخرى او الحين والأخر وهذا ما مررنا به قبل عام من الان، فيكون اللجو إلى التعليم الالكتروني عن بعد، والدمج بينه وبين الحضوري، ومنصاته الالكترونية المختلفة مثل (الكلاس روم والادمودو والاف سي سي……الخ) وقد اكتشف عبر الممارسة والتدريب للتدريسيين والطلبة عن هذه المنصات، في تدريس الطلبة واثارة دافعيتهم واللقاء بهم فيديوياً مباشراً عبر ما يعرف بالميتنك او الاجتماع الفيديوي وهو أحد مميزات برنامج الكلاس روم او ما يصطلح عليه باللغة العربية الفصل الدراسي، ودعونا نتحدث عن هذا النوع من البرنامج، يتم عبر هذه المنصة ادخال الطلبة عبر روابط دعوة او رموز للصفوف والأفضل ادخالهم عن طريق الاميلات الجامعية، وذلك لان هذا الاميل يتم عمله من لدن لجنة متخصصة تابعة إلى الجامعة او الكلية، وبالتالي لا يتم اختراقه ودخول غير الطلبة إليه، بعد دعوة الطلبة إلى هذا الصف يجدون المعلم بانتظارهم كذلك يجدون شخص أخر من القسم بمثابة الإداري يتابع نشاطاتهم ويذلل أمامهم الصعاب التي يواجهونها، وكي يشعرهم ومعلمهم بان الإدارة معهم ولن تتركهم، وبالتالي فان هذا النوع من المنصات الالكترونية يسمح لأكثر من معلم داخل الصف، ويسمح لاكثر من 100 طالب للدخول إليه، ومن ميزاته أيضا وجود واجبات او أسئلة ترسل للطلبة للإجابة عنها فوريا او مؤجلة الإجابة وهو ما يسمى بالمهمة الدراسية، كذلك يمكن للمعلم او أستاذ المادة إن يعمل ((Shaer او ما يسمى بمشاركة الشاشة مع طلبته بمعنى اذا كان يستعمل موبايل او حاسبة لابتوب ومن الأفضل الحاسبة لان شاشتها كبيرة وميزاتها أكثر، يستطيع إن يشارك طلبته الشاشة ويعرض ما موجود عنده من مادة علمية مباشرة إلى طلبته سواء أكان ذلك وورد او بي دي أف او بوربوينت او سلايدات او مقاطع فيديو…..الخ، وهناك ميزات أخرى لهذه المنصة منها إن الأستاذ يستطيع من إن يسجل المحاضرة التي يعرضها مباشرة للطلبة فيديوياً عن طريق ميزة تسجيل المحاضرة، وفاتنا إن نذكر إن الأستاذ يرسل لطلبته رابط الاجتماع الفيديوي ليدخل الطلبة في ذلك الاجتماع حتى يرونه أمامهم وهو يشرح ويلقي عليهم التحية ويلاطفهم….الخ مما يخلق جو من الالفة والمحبة ويقلل من الفراغ الاجتماعي الذي يعيشه الطلبة مع استاذهم او مع بعضهم البعض فهذه الميزة تقلل من هذا التباعد الاجتماعي، كما يمكن للأستاذ إن يطلب من الطلبة فتح الكامرة معهم وهذا فيه أمرين مهمين الأول نفسي عاطفي وجداني يشعر الطلبة بأهميتهم وسؤال المدرس عنهم واهتمامه بهم، والثاني إداري انضباطي يستطيع المدرس من التأكد من وجود الطالب من عدمه وذكر اسمه وتسجيل حضوره، ولا ننسى ميزات رفع اليد للاستأذان قبل الإجابة على السؤال او السبورة الالكترونية الموجودة مع القلم في أعلى الصف….الخ، من المواصفات التي تتمتع بها هذه المنصة الالكترونية.
     الا إن هذه المنصة وغيرها من المنصات الالكترونية المختلفة بحاجة إلى تدريب ليس للطلبة فحسب بل للتدريسيين أيضا مما دفع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى إقامة العديد من الندوات والمؤتمرات وورش العمل الحضورية والافتراضية وعلى مختلف الأصعدة بدءً من الكادر المتقدم في الوزارة إلى الجامعات والكليات والاقسام، تشرح فيها كيفية عمل وإنشاء الصفوف الالكترونية والقاء المحاضرات فيها ورفعها للطلبة واعطائهم الواجبات او اختبارهم وتسجيل الحضور…..الخ من الأمور التي اعتاد الأستاذ القيام بها داخل قاعة المحاضرة، وهو الان يعيدها لطلبته افتراضياً عبر هذه الصفوف التي عدت بديلاً ناجحا او مقبولاً للتعليم الحضوري.
      وهذا النوع من التعليم لا يتم الا اذا توفرت البنى التحتية القادرة على ايصاله للطلبة وممارسته من قبلهم واساتذتهم أيضا فاذا كانت الأبنية المدرسية وقاعات المحاضرات والمختبرات ومقاعد الدراسة والانارة والتهوية كلها تعد بنى تحتية ممتازة للتعليم الحضوري، فان توفر الانترنت الفعال والقوي وذو السعات الكبيرة والطاقة الكهربائية المستمرة، هي البنى التحتية اللازمة لاستمرار التعليم الالكتروني، ويعلم الجميع إن هذه البنى التحتية الخاصة بالتعليم الالكتروني تكاد تكون معدومة في بلد مثل العراق فالانترنت ضعيف ومتقطع وغير متوفر عند الجميع والكهرباء متقطعة بصورة مستمرة شتاء وصيفا ليلا ونهارا، وهذا ما يدعونا إن نناشد الجهات ذات العلاقة بتوفر ما ذكرناه انفا من بنى تحتية إن تأخذ دورها الفعال في توفير الانترنت وزيادة سعاته وتوفير الطاقة الكهربائية وزيادة ساعاتها، والا فان التعليم في ضل جائحة كورونا التي منعتنا منه حضوريا سوف لن يحصل اللكترونيا وان حصل فانه يأتي على عكازة.
     وهناك العديد من المواد التطبيقية التي تأثرت كثيراً بهذا الوباء وهنا نأخذ مثالاً على الكلية التي انتمي اليها وهي كلية التربية للعلوم الانسانية، فهذه الكلية فيها بعض المواد العملية مثل الإحصاء والخرائط والتطبيقات التدريسية، فقد تعود طلبة المرحلة الرابعة في هذه الكلية في الفصل الدراسي الثاني إن يجمعوا كل ما تعلموه ودرسوه عبر البرنامج التعليمي والتدريبي الذي يعطى لهم في هذه الكلية وعبر اقسامها المختلفة عبر أربع سنوات، ويذهبوا به كي يمارسوه عملياً في المدارس الثانوية، مما اضطرهم إلى التطبيق الالكتروني من المنزل او التطبيق الحضوري من داخل الكلية فقط، لتعذر ذلك في المدرسة، وبالتالي فقد حرموا من ممارسة المهنة التي هم بصدد الحصول عليها وهي مهنة التدريس.
     وهناك فرق كبير بين ما مستخدم من التعليم الالكتروني في الجامعات وما يمارس في المدارس الثانوية والابتدائية، فلا زالت هذه المدارس او وزارة التربية تحبو كما يقال او هي بعيدة كل البعد عن التطور الحديث في استعمال المنصات الالكترونية العالمية او المحلية حتى، فهي تعتمد على ارسال المحاضرات او الدروس لطلبتها على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة مثل التليكرام والواتساب والفيس بوك بالرغم من الكثير من السلبيات والمساوئ، التي تحملها هذه المواقع إذ انها لا تصلح للتعليم فهي مخترقه من قبل الكثير من ضعاف النفوس فلا يدخلها الطالب فقط بل الكثير غيره وباسماء مستعارة، فالمدرسين يرسلون الدرس عبر التسجيلات الصوتية إلى طلبتهم ويطلبون منهم حل الواجبات….الخ ولا يوجد هناك أي تفاعل اجتماعي مع أبنائهم الطلبة، وهم أحوج إلى ذلك من غيرهم كونهم من الاعمار الصغيرة والتي بحاجة إلى حافز ودافع للتعليم، وخاصة بعد إن ابتعدوا عن مدارسهم وحضورهم للصف الفعلي، وقد غادرت الجامعات والمعاهد هذه المواقع التي ذكرناها منذ مدة ليست بالقصيرة وخاصة في هذا العام واتجهت إلى المنصات التعليمية المختلفة.
     وفي نهاية حديثنا الذي لا ينتهي عن التعليم الالكتروني نقول مهما تطورت العلوم وتقدمت ومهما اتسعت التكنلوجيا والتقنية الحديثة والعالم الافتراضي والذكاء الصناعي، فلا يستطيعوا أن يكونوا بديلا أفضل من المدرس والطالب في لقائهما المباشر وجها لوجه، فالمعلم هو المربي والقدوة والعنصر الفعال في كل الأحوال، ولكن هل نتوقف؟! أم هل نؤجل العام الدراسي ويذهب من أبنائنا الطلبة سنة من أعمارهم؟ الجواب أكيد لا فاذن الاتجاه نحو التعليم الالكتروني او المدمج هو الحل المتاح بين أيدينا الان.
دعائنا إلى جميع طلبتنا بالتوفيق والسداد ودفع هذا البلاء من بلدان المسلمين ببركة الصلاة على محمد وآل محمد.
 
كتب هذا المقال بقلم
الأستاذ الدكتور
عدي عبيدان سلمان الجراح
أستاذ المناهج وطرائق التدريس
في جامعة كربلاء كلية التربية
للعلوم الإنسانية / قسم العلوم التربوية والنفسية.
بتاريخ : الأربعاء : 23/3/2021

شارك هذا الموضوع: