مقالة :
العنوان / الثراء اللغوي في كتب الأمثال
الكاتب/ ا.د. فلاح رسول حسين / كلية التربية للعلوم الإنسانية قسم اللغة العربية .
لابد لكل راغب في طلب المعرفة اللغوية بل والثقافة اللغوية والثراء اللغوي ان يسعى الى طريقة او فكرة او وسيلة تمكنه من ذلك ، ومن تلك الوسائل قراءة بعض المصنفات التي تحقق جزءا كبيرا مما يصبو اليه ومن تلك المصنفات :
المعجمات ، وكتب التراجم ، وشروح الدواوين ، فضلا عن المصنفات اللغوية الخاصة بكل مستوى من مستويات لغتنا الكريمة كالنحو والصرف وغيرهما ، وهناك مصنفات أخرى مهمة تؤدي الغرض المنشود وهي مصنفات الامثال العربية وسنسلط الضوء عليها في المقال الذي بين أيدينا .
فكتب الامثال كثيرة ، منها أمثال العرب للمفضل الضبي ، وكتاب الامثال للاصمعي ، ومجمع الامثال للميداني ، والمستقصى في الامثال للزمخشري ، وغيرها .
ونجد في كتب الامثال العربية النكات الدقيقة والمهمة ، فيعطون معنى المثل ، ومتى يقال ، ويوضحون معاني المفردات والمسائل الصرفية والنحوية واللغات والفروق اللغوية والتعبيرية فضلا عن روايات المثل وبعض القصص والحوادث ، ففي هذه المصنفات كنوز لغوية وجواهر معرفية فضلا عن عنصر التشويق الموجود في عرض القصة وفي بيان الفروق وفي كشف الاسرار وفي الإجابة عن الأسئلة التي تعرض للقارئ حال قراءته لبعض التراكيب . ونظرة سريعة في تلك الكتب تؤكد ما سردناه في هذه السطور ، وسنذكر امثلة على ذلك للفائدة ولتعضيد ما قلناه ، وسنعتمد في امثلتنا على كتاب : مجمع الامثال ، لأحمد بن محمد بن احمد بن إبراهيم النيسابوري الميداني ت 518 ه :
(( إنَّ البُغَاثَ بأَرْضِنَا يَسْتَنْسِرُ)) جاء في شرحه :
(( البغاث: ضربٌ من الطير، وفيه ثلاث لغات: الفتح، والضم، والكسر، والجمع بِغْثَان، قالوا: هو طير دون الرَخمة، واستنسر: صار كالنسر في القوّة عند الصيد بعد أن كان من ضعاف الطير. يضرب للضعيف يصير قويا، وللذليل يعزّ بعد الذل.))
فقد شرح معاني المفردات ، ولغات بعض الكلمات، وجمع بعض المفردات ، وتعرض لمقام ضرب المثل .
(( إنَّكَ ما وَخَيْراً )) قال عنه :
(( “ما” زائدة، ونصب “خيرا” على تقدير إنك وخيرا مجموعان أو مقترنان. يضرب في موضع البشارة بالخير وقُرْب نَيْل المطلوب.)) فتعرض لمسائل نحوية فأشار الى زيادة ما واعراب (خيرا) وتعرض للتقدير ، ثم ذكر لنا موضع ضرب المثل.
((إذَا زَلّ العَالِمُ زَلَّ بِزَلَّتِهِ عَالَمٌ.)) ورد في توضيحه :
((لأن للعالم تبعاً فهم به يقتدون، قال الشاعر:
إن الفقيه إذا غَوَى وأطاعه … قومٌ غَوَوْا معه فَضَاع وَضَيَّعَا
مثل السفينة إن هَوَتْ في لجة … تَغْرَقْ ويَغْرَقْ كُلُّ ما فيها مَعَا))
فشرح المثل معضدا ما قاله بأبيات من الشعر.
((العُقُوقَ ثُكْلُ مَنْ لَمْ يَثْكَلْ)) فجاء في شرحه :
((أي: إذا عَقَّه ولدُه فقد ثَكِلهم وإن كانوا أحياء، قَالَ أبو عبيد: هذا في عُقُوق الولد للوالد، وأما قطيعة الرحم من الوالد للولد فقولهم (المُلْكُ عَقِيم) يريدون أن المَلِكَ لو نازعه ولدُه المُلْكَ لقطع رحمه وأهلكه، حتى كأنه عَقيم لم يولد له.)) فقد أشار الى عقوق الولد ، وتطرق الى قطيعة الرحم من الوالد ، محللا قولهم (الملك عقيم) .
((أَعَزُّ مِنْ حَلِيمَةَ)) جاء في شرحه :
(( هي بنت الحارث بن أبي شمر ملك عرب الشام، وفيها سار المثل فقيل: ما يَوْمُ حليمة بِسِرٍّ، وهذا اليوم هو اليوم الذي قُتل فيه المنذر بن ماء السماء ملك العراق، وكان قد سار بعربها إلى الحارث الأعْرَج الغَسَّاني، وهو الأكبر، وكان في عرب الشام، وهو أشهر أيام العرب وإنما نُسِبَ هذا اليوم إلى حليمة لأنها حَضَرَت المعركة مُحَضِّضَة لعسكر أبيها، فتزعم العرب أن الغبار ارتفع في يوم حليمة حتى سّدَّ عَينَ الشمس فظهرت الكواكب المتباعدة عن مطلع الشمس، فسار المثل بهذا اليوم، فقيل: لأرِيَنَّكَ الكَواكِبَ ظُهْراً، وأخذه طَرَفَة فَقَال:
إِنْ تُنَوِّلْهُ فَقَدْ تَمْنَعُهُ … وَتُرِيهِ النَّجْمَ يَجْرِي بالظُّهُرْ
وقد ذكر النابغة يوم حليمة في شعره، فَقَال يصف السيوف:
تُخُيِّرْنا مِنْ أَزْمَانِ عَهْدِ حَلِيمَةٍ … إِلَى الْيَوْمِ قَدْ جُرِّبْنَ كُلَّ التَّجَارِبِ ))
فنجد شرحا للمثل والتعريف بحليمة وقد أشار أيضا الى الامثال الأخرى السائرة وهي: ما يوم حليمة بسر ، لأرينك الكواكب ظهرا ، ثم وضح اتخاذ الشعراء الامثال مادة لهم في التعبير كما حصل مع طرفة والنابغة.
وهذا غيض من فيض ، وهو كاف لكل ذي لب لفهم مرادنا ، فلا غنى عن تلك المصادر ، التي تجعل القارئ حاذقا في مادته ماهرا في نطقه وقوله بليغا في لسانه وقلمه .