أدلوجة التأليف
(كتاب الأدب العربي في العصر العباسي للدكتور ناظم رشيد اختيارًا)
                                                                     أ.د حازم علاوي عبيد
                                                                          كلية التربية للعلوم الإنسانية ـــ جامعة كربلاء
  يحمل هذا العنوان معنى الإيديولوجيا، وقد كتبها عبد الله العروي في كتابه (مفهوم الإيديولوجيا) بهذا الشكل لأجل تعريبها وتصريفها على وزن أفعولة.
   والأدلوجة بمعناها البسيط هي مخالفة الواقع لغايات مختلفة، وعندما ينظر الإنسان إلى الأشياء نظرةً أدلوجيةً، فهو يتخير الأشياء ويؤوِّل الوقائع بكيفية تظهرها دائمًا مطابقة لما يعتقد أنّه الحق، إذْ يتعارض الفكر الأدلوجي مع الفكر الموضوعي الذي يخضع للمحيط الخارجي فيتشبع بقوانينه
   لقد تأثّر المؤلفون العرب في العصر الحديث بمحيطهم الخارجي وقوانينهِ المختلفة، الدينية والتاريخية والاجتماعية وغيرها، فنقلوا هذا التأثر إلى مؤلفاتهم، وتحوّلوا فيها من الإبداع إلى الإتباع، لأنَّ الروابط سالفة الذكر تمثل جزءًا لا يتجزأ من منظومة العقل البشري.
   في حالة الإتباع يكون الوعي العمومي مساويًا للبنية الاجتماعية، وفي حالة الإبداع يذوب الرباط المباشر بين الوجدان والأعمال الثقافية.
  ولا نلوم بعض المؤلفين في حالة الإتباع، فالظرف السياسي الذي يعيشونه قد أجبرهم على مسايرته. 
    لقد وقع اختيارنا على هذا الكتاب بسبب غياب ظاهرة من الظواهر المهمة في العصر العباسي وهي ذكر آل البيت (عليهم السلام) ونكرر القول بأنَّ هذا الغياب قد يكون بسبب النظام السياسي الظالم آنذاك. 
     من الأغراض التي غاب ذكر آل البيت (عليهم السلام) فيها هو غرض الرثاء فقد مثّل جزءًا مهمًا في العصر العباسي، إذْ تعددتْ معانيه متأثرة بالواقع الجديد المتمثل بالحضارة، وظهرت أنواع جديدة منه ذكرَها المؤلف في كتابه لكنّه لم يذكر رثاء آل البيت (عليهم السلام) فقد مثّلَ ظاهرةً كبيرةً من خلال عدد الشعراء وشعرهم، علمًا أنّه امتدَّ من العصر الذي سبقه، أسّسَ له الكميت في هاشمياتهِ.
  فقد تعرّض المؤلف لكل أنواع الرثاء القديمة والجديدة، المشهورة والنادرة دون الحديث عن هذا النوع، وعند الحديث عن الشعراء نرى أنَّ المؤلفَ يورد بعض الشعراء الشيعة المشهورين ولكنّه لا يتحدث عن ارتباطهم الشعري بآل البيت (عليهم السلام)، ومثال ذلك حديثه عن رثاء الشريف الرضي، فقد ذكر المؤلف أمثلةً في رثاءِ عائلتهِ وأصدقائهِ وغيرهم، ولم يذكر أيَّ شاهدٍ عن رثاء آل البيت (عليهم السلام).
  وفي غرض المديح نجد المؤلف يورد أنواعًا كثيرةً من المديح ومنها المديح النبوي دون الإشارة إلى مديح آل البيت (عليهم السلام)، فضلا عن ذلك نجد أنَّ المؤلفَ قد أشار إلى وصف المعارك والحروب عند بعض الشعراء لكنْ دون الإشارة إلى واقعة الطف التي ذكرها الشعراء في دواوينهم ومنهم الشاعر دعبل الخزاعي، علمًا أنَّ الأنواع التي ذكرناها تمثِّل العواطف الصادقة والشعور الحقيقي المرتبط بالعقيدة، وبذلك يبقى بحث الإيديولوجية العربية المعاصرة في مستوى اجتماعيات الثقافة، يربط المنظومات الفكرية الجارية عند العرب منذ قرن ونصف بالأوضاع الاجتماعية وبالظرف التاريخي، ولا يطرح بكيفية منفصلة مشكلة طرق المعرفة.
  

شارك هذا الموضوع: