مشاهد العنف في رواية خان الشابندر (دراسة اسلوبية)
العنف في اللغة والاصطلاح
ان مفهوم العنف في المعاجم اللغوية هو الخرق في الأمور ، واعتنف الأمر إذا أخذه بعنف وشدة .
أما ما ورد عن مفهوم العنف اصطلاحاً:
بأنه خطاب أو فعل مؤذ أو مدمر يقوم به فرد او جماعة ضد أخرى ، والعنف انتهاك للشخصية بمعنى انه تعد على الآخر وإنكار له أو تجاهله ، وأي سلوك شخصي أو مؤسساتي يتم بطابع تدمير وقسوة الآخر يعد عملا عنيفا ، وقد يعامل بعض الأشخاص ذواتهم كآخر فيوجهون العنف إلى الذات .
فالأحداث السياسية التي عصفت ببلدنا العظيم سببت الأزمات والفتن الطائفية وفقدان الأمن والقتل والرعب والعنف ،وكل هذه المشاهد لم تكن بعيدة عن أنظار الروائيين العراقيين , لذلك وجدت الرواية العراقية نفسها أمام واقع مرير ومستقبل مجهول , فكانت رواية (خان الشابندر ) شاهدا واقعيا لتصوير مشاهد العنف والدمار الذي حل ببلدنا وما تعرض له العراقيون الأبرياء .
المبحث الاول (الإيقاع الروائي)
أن الأدبية التي يمنحها الإيقاع للخطاب الأدبي تتجلى في مظاهر إيقاعية متنوعة وهو يعد مظهرا للتآلف والانسجام ويتمثل في كل مظاهر الحياة وليست مشكلة الإيقاع مقصورة على الأدب بشكل نوعي أو حتى اللغة فهناك إيقاع للطبيعة وللعمل ولكل شيئ ( )ولا يقتصر الإيقاع في الأدب على الشعر بل يكون في النثر أيضا ،فالإيقاع جزء أساس من التعبير النثري والسردي أيضا , إذ يحقق غرضيين أساسيين هما تأكيد المعنى وإبراز العواطف بشكل واضح( )ويحقق الايقاع في الرواية اللذة والمتعة المبنية على الأحداث والمشاهد المتناسقة والمنسجمة مع بعضها في العمل الروائي . ومن أهم هذه الظواهر الإيقاعية
إيقاع الأحداث :
يبنى الايقاع الروائي على مايسرد من أحداث في نسق ينسجم مع بناء الرواية الكلي ،وتعود أهمية هذا النوع من الايقاع في الرواية الى فاعلية الحدث بصفته عنصرا مؤثرا في إضفاء الحركة على بنية النص الروائي ،فلذلك عرف الحدث بأنه (كل مايؤدي الى تغيير أمر او خلق حركة او انتاج شيء ، ويمكن تحديد الحدث في الرواية بأنه لعبة قوى متواجهة او متحالفة تشكل بدورها حالات محالفة او مواجهة بين شخصيات )
ولعل مانجده في رواية خان الشابندر إيقاع أحداثي متميز بين تراتب إيقاع الأحداث من الهبوط إلى الصعود بالتناسق مع الأحداث إذ يقول بطل الرواية (علي الصحفي ) وهو يتجول في شوارع بغداد القديمة (اجتزأنا أول مرة أزقة ضيقة تملأها الأزبال وأنقاض البيوت المهدمة …ثم سرعان ما صرنا نخترق خرائب آيلة للسقوط وبقايا بيوت بغدادية قديمة هدها الزمان فاتكأت على بعضها بعضا في مشهد مرعب ، وبين الفينة والأخرى يطالعنا رجل ما أو امرأة تحمل قدرا … يخرجون فجأة من الزوايا المظلمة ويدخلون في فتحات او أبواب غير مرئية ..كما لوكانوا اشباحا تزايدت مخاوفي من تلك الأمكنة ..لكن صاحبي أبدى دراية ومعرفة متناهية ،الأمر الذي بعث بعض الطمأنينة داخلي )).
لو تفحصنا هذا التماوج الايقاعي الذي وظفه الكاتب في توظيف الأحداث ذات النغمات الموسيقية المتنوعة عبر تلك الإيقاعات الباعثة على الخوف والرعب ثم تبلغ قمتها لتصل الذروة وبعدها يهبط الإيقاع حين نظر الى ملامح صديقه لمعرفته بالمكان فشعر بالاطمئنان.
ومن المشاهد الأخرى التي تتمتع بإيقاع حدثي متفاوت خروج علي الصحفي من بيت (ام صبيح ) في منتصف الليل وسط تلك الظروف والاحداث القلقة غير الآمنة التي عاشها العراق في ظل سقوط النظام البائد وسيطرة قوات الاحتلال (كان الظلام قد أطبق او كاد ، وصار المشي في الأزقة الضيقة والمتداخلة مخاطرة كبيرة …ومما زاد من قلقي إيغال صاحبي في الشرب ، لكنه كمن يعرف طريقه ،مررنا بعدد من الخرائب الموحشة …كان الوضع مفزعا بحق …لكني كنت فرحا بالحصيلة التي خرجت بها من تلك المغامرة العجيبة …ثم فارقني صديقي باتجاه باب المعظم ، كان الوقت متاخرا للحصول على سيارة أجرة تقلني إلى الكرادة والليل في بغداد مخيف مثل هذه الساعة . مررت على نقطة تفتيش كان جنودها يشعلون نارا في برميل صغير .صاح احدهم …الى أين ؟ قف لاتقترب وصوب بندقيته ناحيتي …ماذا تريد ؟ كانت العتمة تحول دون التعرف على ملامحه كان ملثما ومستفزا .. ابحث عن سيارة ؟أجرة تقلني الى الكرادة .
وهذا ما نجده في كلامه حين ” سقطت قذيفة هاون في المقبرة , فأرتفع عمود من التراب والحجارة التي تساقطت مثل المطر فوق رؤوسنا , وحلَّقت الفواخت جافلة تضرب بأجنحتها الكبيرة , ولمحت زينب من بعيد تغسل قبر امها بالماء الملون الذي ابتعته لها, بينما بدأ أخوتها الصغار يلهون بلعبهم الصغيرة غير عابثين بالتراب الذي غطى كل شيء” ()مما منح النص قيمة اسلوبية عملت على التكثيف السمعي لجوانب الإيقاع والإيحاء والدلالة.
ومن أمثلة إيقاع الحدث أيضا ما رواه الروائي حين التقى بطل الرواية بصديقه سالم فناداه (سالم ..سالم ..ياصديقي الحبيب .. ألم تمت ؟ سمعت منهم أنهم أطلقوا عليك الرصاص …أي رصاص هذا ؟ ها انا أمامك كما ترى . دعك من هذا الحديث واخبرني ..كيف أحوالك ..ومتى عدت للعراق ؟ ومالذي تفعله هنا في مثل هذا الساعة المتأخرة ؟))هنا الروائي يعتمد على خط الزمن المسبق الذي رافق احداث الرواية اي ايقاع الحدث في الرواية في ذاكرة بطل الرواية وهذا ما يحفز فاعلية الحدث بكونه عنصرا مؤثرا في اضفاء الحركة على بنية الحدث الروائي
ثالثا :إيقاع الزمان :
يشكل الإيقاع الزمني عاملا مهما وفاعلا في احداث السرد الروائي ، وهو يرصد الظروف النفسية والاجتماعية التي يمر بها شخوص الرواية ،ولعل الزمن النفسي هو زمن الشخصية الروائية الذي يخضع للانفعالات والحالات النفسية والشعورية ويشكل ركيزة أساسية من ركائز الإبداع ففيه دلالات إيحائية وشعورية وإشارات جمالية معبرة عن الفكر والمشاعر والرؤى( )
ومن امثلة ذلك في رواية خان الشابندر حين تحدث مع صديقته في العمل المرأة المسيحية (نيفين ) التي كانت تحرص عليه كثيرا وتفتقده دائما إذ يقول لها ( تسعة