مفهوم المكاشفة الشعرية 
ومعناه في معاجم اللغة : ( انه احد الشيئين وهو اسم على فعل والاثنى أخرى ، الا ان فيه معنى الصفة لأن افعل من كذا لايكون إلا في الصفة والآخر بمعنى غير ، كقولك رجل آخر وثوب آخر )
اما اصطلاحا فقد تعددت المفاهيم حول مصطلح الأنا والآخر فهناك من يرى انه (مفهوم نسبي ومتحرك ، فهو لايتحدد بالقياس إلى نقطة مركزية هي الذات ، وهذه النقطة المركزية ليست ثابتة بصورة مطلقة ، فقد يتحدد الآخر بالقياس إلي كفرد او جماعة معينة ،كالنساء قياسا إلى الرجال والفقراء إلى الأغنياء قياسا ، او خارجية قياسا الى مجتمع بصورة اعم ).وبذلك يكون الآخر هو المختلف في الشخصية او القبيلة او الدين او القومية فهو متحرك دائما .
  ويأتي مفهوم الآخر بعنوانات متنوعة منها الأنا ، الاختلاف ،الثقافة ،الحضارة ،الاستشراق ،العرقية ، الأقليات ، المركز _الهامش ، الخطاب ، الهوية ، والآخر او الآخرون هو فرد او جماعة لايمكن تحديدهم الا في ضوء مرجع هو الأنا فإذا حددت هوية الأنا ، كان الآخر فردا او جماعة بحكم  علاقته بالأنا عامل التمايز وهو تمايز إطاره الهوية أحيانا والإجراء في أحيان أخرى .
.ويمكن ايضا ان يكون الآخر هو الايديولوجيا المتعددة والمختلفة ، فيكون الآخر في الدين والآخر في السياسية والآخر في التذوق وعناصر الفن الخ من تصنيفات الاخر التي تتفاعل مع الأنا لتنتج ثنائية قائمة بذاتها .
ان الحياة قائمة على الجدليات والثنائيات بصورة عامة والانا والآخر بصورة خاصة ، فان كل مافي الحياة يدور في فلكي الأنا والآخر ، فلولا الاخر لما كان للأنا وجود فيه تحيا وتتواصل مع الحياة عامة ، الفنون ، والمعارف والأدب خاصة .
المبحث الاول : الأنا عند الشاعر اديب كمال الدين 
تمثلت الأنا عند الشاعر بمفاهيم متنوعة ، اذ تمثلت عنده بمختلف ماكان يشعر به وما عاشه في حياته من أزمات قبل سفره وبعده ، فالأنا شعور بالوجود الذاتي الدائم والمتطور، بالأتصال مع العالم الخارجي.وبذلك تكون الأنا متصلة بعالم الواقع اتصالا مباشرا وهي حلقة الاتصال بين النزعات الغريزية ، ومثيرات العالم الخارجي ، ولها نزوع أخلاقي يحافظ على القيم ويرعى التقاليد .
 اولا : الأنا الضائعة والمتألمة 
ومن أمثلة ذلك كثرا ماورد في قصائده للإشارات على روحه الضائعة ، ومنها قصيدته 
التّعساء
في ذلك العام الذي لا عام بعده،
خرجتُ إلى الشّارع
في دورِ المُشرّدِ الحقيقيّ 
والهاربِ الضّائع.
فَتَحتّمَ عليَّ
أنا الصّبيّ الباحث عن رغيفِ الخبز
أن أطرقَ البابَ الأربعين
بل أن أكسرَ البابَ الأربعين
لأُفَاجَأ بأنكيدو يصارعني،
وكلكامش يقرأ عليَّ سرَّ أفعاه،
والحلّاج يشير إلى صليبه،
والتّوحيديّ يعرض عليَّ بعينين دامعتين
رمادَ كتبه،
وهاملت يهذي عن حبيبته،
والسيّاب يرثي ارتباكه العظيم.
يا لها مِن مفاجأة!
لم أكنْ سوى هاربٍ ضائع،
سوى صبيّ يبحثُ عن رغيفِ خبز
فلماذا تَحتّمَ عليَّ
أن ألتقي بكلِّ هؤلاء التّعساء
وأرث كلَّ خيباتهم الكبرى؟ 
نجد في المقطوعة الشعرية اعلاه الاحتدام الدرامي بين الشاعر ونفسه وما يعانيه من ظروف صعبة تجعله يشعر بالمتاهة والضياع صراع بين نفسه وأمور كثيرة ، وما تبع هذا الصراع من ضعف وجوع وقهر وغربة فهو يرى نفسه ذلك الصبي الصغير الضائع الذي يبحث عن رغيف ليعيش به ، وهي انطلاقة توترية عند الشاعر انه من طفولته لم يجد الراحة في بلده ، وقد احتدم الصراع عندما كبر ووجد كل العظماء يشكون همومهم من هذه الحياة وكل يبث شكواه بطريقته الخاصة فيستشهد بالشاعر العراقي بدر شاكر السياب الذي يمثل ايقونة الشعر العراقي المغترب  ،وكذلك التوحيدي المولف الكبير والحلاج المتصوف البارع الذي عد رمزا للتصوف .فهو يستخفي وراء هؤلاء بكل آهاته وهمومه واحزانه . 
ومن امثلة ذلك ايضا مانجد الأنا المتألمة المتشائمة الضائعة ماورد عنده في قصيدته (القهقهة)
القَهْقَهة
ما بينَ البكاء الأوّل والبكاء الأخير؛
قَهْقَهةٌ ساخرة.
*
أحياناً أشكُّ في ما قلتُه
فأقفُ أمامَ المرآة
وأكتبُ عليها بحروفٍ من ضَحِك:
قاه قاه قاه!
وأضحكُ ممّا أفعل حدّ البكاء!
*
أعترفُ بأنّني قد وصلتُ
بعدَ سبعين عاماً
من ماراثونِ المنافي
والوطنِ المُهشّمِ والوطنِ الذّبيح.
وصلتُ فاغرورقتْ عيناي بالدمع.
ولكنْ وصلتُ إلى ماذا؟
أإلى نقطةِ الباء
أم إلى نقطةِ الفاء
أم إلى نقطةِ الماء
أم إلى نقطةِ المستحيل؟
*
كلّما حاصرني الليلُ بأنيابه،
أضطررتُ أن أكتبَ قصيدتي
دونَ شين الغواية
أو راء الاعتراف
أو سين السّرير.
*
بابُ الاضطرارِ واسع.
نعم،
لكنَّ الدّخول إليه
– وا أسفاه –
لا يتمُّ إلّا من ثقبِ المفتاح!
*
ما أكثر ما حاصرني الليل
حتّى أنّني نسيتُ أو تناسيتُ
عنوانَ البيت
ورائحةَ النّهر
وبهجةَ القُبْلَة
ومطلعَ الأغنية
ورقصةَ الموت.
*
بابُ النّسيانِ واسع.
نعم،
لكنْ لا يتمّ الدّخول إليه ، 
 
لاشك ان محفزات هذه القصيدة هي محاورة الشاعر مع نفسه فكأنها محاججة في حراكها الجمالي ،محققة أعلى درجة من الإثارة في جذب انتباه المتلقي بما كان يعانيه الشاعر من الالم والغربة والضياع بأسلوب ساخر من نفسه فهو يعرض مشاهد بصرية على شكل لقطات مثل (وأضحكُ ممّا أفعل حدّ البكاء! ، أعترفُ بأنّني قد وصلتُ
بعدَ سبعين عاماً
من ماراثونِ المنافي
والوطنِ المُهشّمِ والوطنِ الذّبيح. ما أكثر ما حاصرني الليل
حتّى أنّني نسيتُ أو تناسيتُ
عنوانَ البيت.
ومن ابرز الأمثلة على أنا الشاعر المتعذبة هي قصيدته 
هل جرّبتَ المشي على الجمر؟
قالَ لي حرفي:
هل جرّبتَ المشي على الجمر؟
قلتُ: طوالَ حياتي لم أمشِ إلّا على الجمر
حتّى تركتْ قدماي على الأرض
حروفَ رمادٍ ورمادَ حروف.
قال: أهذا قَدَرُكَ أم عَبَثك؟
قلتُ: بل هو قَدَري العابث.


ثانيا : الأنا القوية المتفائلة 
ونجد في محطات شعرية اخرى عند الشاعر يشعر بالتفائل والقوة ولن يسمح لنفسه بالانهزام والضعف والتغلب على قسوة الزمن والأيام ومن ابرز مثال على ذلك قصيدته ( حرف المستحيل ) 
حرف المستحيل
ليسَ للفرحِ معنى.
ففي اللحظةِ التي ينبغي للقلب
أن يرقصَ فرحاً
يأتي مَن يجبرُ الدّموع
لتتدفقَ نهراً من أنين.
ليسَ للحرفِ معنى.
ففي اللحظةِ التي يريدُ الحرف
أن يعلنَ عن سرّه
يأتي مَن يجبرُ النّقطة
لتتركَ الحرفَ دونَ شمسٍ
ودونَ روح.
ولذا 
سأطلبُ من قلبي الذي شيّبتهُ المنافي والحروب
أن يتخذَ الثلجَ رمزاً
والصّمتَ أيقونةً
والجمرَ طريقاً
 نشاهد في المقطوعة الشعرية أعلاه جمالية التوصيف المشهدي للحرف الذي يمثل انا الشاعر التي لاتعرف المستحيل ذلك (حرف المستحيل ) اللغز الأزلي الذي لايدركه سوى شاعره ، محاولا تكثيف الصور الشعرية بايقونة الصمت والجمر .
ومن أمثلة ذلك أيضا في مقطوعته ( حرف الأم )
حرف الأم
مثل أمٍّ تتفقّدُ أطفالَها النّائمين
آخر الليل
لتتأكّدَ أنّ أحلامهم لم يغادرها الدّفء
عندَ الشّتاء،
أتفقّدُ قصائدي واحدةً بعدَ أخرى
وأضيفُ كلمةً هنا
وحرفاً هناك
ثُمَّ أذهبُ إلى النّوم،
أذهبُ إلى آخر العمر
ممتلئاً بنَفْسي وحرفي،
ممتلئاً بأحلامِ وهمي.
 يكشف النص عن الحالة النفسية للشاعر العاشق لشعره ونراه يرسم مشهدا شعريا رائعا حين يشبه نفسه بالأم الحنونة التي تتفقد صغارها ليلا خوفا عليهم من البرد فهو يتفقد قصائده التي يعشقها ليضيف عليها من حروف إبداعاته ،فهذه الصور الشعرية تعكس مقدرة فنية على المباغتة التشكيلية بأنسنة الجماد واكسابه حركة ،محايثا عالم الانسان المتحرك الذي يضج بالمتغيرات بغية اكساب المشهد العاطفي حركة عاطفية تنبثق من رؤى الشاعر التخيلية ودرجة تفعيله للصور العاطفية .


المبحث الثاني : 
اولا : الآخر المثال 
لقد بين الشاعر في وقفاته الشعرية موقفه من الاخر ، وقد تنوع هذا الاخر بين المثال الذي مثل عنده مرتكزا مهما من الابداع والعطاء كشخصيات عالمية مثل شخصية المهندسة المعمارية العراقية المرحومة المبدعة زها حديد او شخصية الروائي سعد محمد رحيم وغيرهم 
زها حديد



شارك هذا الموضوع: