الرسالة المصرية لأبي الصلت أمية بن عبد العزيز الداني .
شكَّلت الرسالة المصـرية لمؤلفها أبي الصلت أميّة بن عبد العزيـز الدانيّ وثيقة مهمة من وثائق الأدب في العصـر الفاطمي ، مثّلت شخصيّة مؤلفها في الأسلوب ، والعرض ، والتحليل ، والنقد ، فمنذ أن غادر أبو الصّلت الأندلس ، وتوجه صوب مصـر طمح الرجل في أن يلقـى مقاماً طيباً في أرضها ، ويحظـى بمنزلة سامقة عند حاكمها الأفضل بن بدر الجمّالي الوزير المنفّذ عند الخليفة الفاطمي المستعلي بالله ، ومن بعده الآمـر بأحكام الله ، ولكنّ الرياح جرت بما لا تشتهي السفن ؛ إذ ساءت أحوال هذا الرجل ، وتقلّبت حياته ، فزجّ به في السجن ، وحبس بين جدرانه مدّة من الزمن قادته – بعد خروجه – إلى الوفادة على الأميـر أبي الطاهـر يحيـى بن باديس الصنهاجي ؛ الذي أهدى إليه هذه الرسالة لتكون شاهداً على مكانٍ عاش في ظلاله أياماً قاسية.، ومشخِّصاً فيها مجموع ما رآه وعاينه من مشاهد وأحداث في أثناء إقامته بمصـر ، وهي موسوعة صغيـرة جمعت العلم إلى جانب الأدب ، وقدّم فيها مصنّفها الحقائق بأسلوب أدبي شيِّقٍ ، جمع فيه بين جمال العبارة ، وحلاوة اللفظة ، وروعة الأسلوب ، فضلاً عن تمكّنه من أدوات البلاغة ، وصنعة الكتابة …
ويزخر أدب أبي الصلت الدّاني في ( الرسالة المصريّة ) بإضاءات نقديّةٍ متعددة ومتنوعة ، سواءً في الموضوعات العامة أم في المقاصد الأدبيَّة ، وهي – في مجملها – تتأرجح بين الآراء الانطباعيّة التي تخفي وراءها أسباباً غير مذكورة ، ولكنَّها تتصل ظاهريّاً بذوق الأديب، وظرفه ، وثقافته ، من جانب ، والآراء الموضوعيَّة التي تقدِّم للمتلقي أدلَّةً عقليَّةً ونقليَّة من علومٍ شتَّـى ، مع الاجتهاد في تحليلها وتقويمها للموضوع المبثوث في الرسالة .
ولأنَّ ( الرسالة المصريّة ) كُتِبَت بعد رحلة غير موفقة قام بها أبو الصلت الدّاني إلى مصـر ؛ طلباً للمال ، والجاه ، والعلم ، ولأنَّ حاكم المهديَّة بتونس ( أبا طاهر يحيـى بن تميم بن المعز بن باديس ( ت509 هـ) ) قد أغدق على أبي الصلت الدّاني بعد عودته من مصـر مما لم يظفر به هناك ، ورفع قدره بعد ذلَّةٍ ومهانةٍ أصيب بها، فلنا أن نتكهَّنَ أنَّ هذه الرسالة قد اشتملت على فقرات متعددة في ذمِّ خواص مصـر ، وعوامها ، من دون أن نغفل وجود محاسن عند ثلَّةٍ من أعلامها ، فضلاً عن طبيعة أرضها ومائها ، وحين ندخل إلى متن الرسالة يصبح ذلك التكهن ماثلاً في ما نقرؤه من ملاحظ ( سلبيّة وإيجابيَّة )