أهمية دراسة أدب المدن 
إنَّ الشاعرَ ابنُ بيئتهِ فهو يرتبطُ بالمكانِ الذي يعيشُ فيه مُتَمثَلاً بالوطن أو الوطن الأصغر (المدينة)،فهي بالنسبةِ للشاعر ليست مجموعة من البيوت المتراصة هندسياً تشكل المكانَ فحسب،بل هي طريقةٌ في الحياةِ وإنتاجٌ لنمط من العلاقات الإنسانية التي تربط أفرادها بعضهم ببعضٍ،و تنعكسُ بشكلٍ مباشرٍ على الشاعرِ،فلا  يمكن له إلّا أن يكونَ مرآةً لمدينتهِ وممثلاً لها ، فلا غروَ أن تتركَ البيئةُ بصماتها على نتاج الشاعر شاءَ أم أبى ،فللمكان دورٌ في صياغةِ التعبيرِ الشعري ، وللبيئةِ الاجتماعيةِ وقيمها أثرٌ في انتاج التعبير الشعري والتأثير في مساراته وطرائقه .
لقد تنبَّهَ النقادُ القدماءُ إلى أثرِ البيئةِ على الشاعرِ فابن سلّام الجمحي(ت231 هـ) فصل في طبقاته  بين شعراء البادية وسكان المدن  ،وهي رؤيةٌ قائمةٌ على إدراكه لأثرِ البيئة في الإنسان، وقريبا من هذا الرأي النقدي تصوير المتنبي لأثر البيئة في الموجودات حوله قال :
حُسْنُ الحضارَة مجلُوبٌ بتَطْريَةٍ     وَفي البِداوَةَ حُسن ٌ غير مَجلوبِ
يتجلى في البيت الإحساسُ بانعكاسِ المحيطِ البيئي على هيأة الإنسان ،وهذا الإدراك ليس خاصا بقومية ما أو جنس محدد بل هو عام مع سائر الأجناس والأقوام ، فابنُ خلدون مؤسسُ علم الاجتماع(722 ـ 808 هـ ) تنبهَ له حينَ قسَّم مقدمته إلى فصولٍ منها : “فصل في أنَّ أهل البدو أقدم من أهل الحضر وسابق عليه”وغيرها من الفصولِ التي تقومُ على فكرة الاختلافات البيئة وأثرها في الطبيعةِ الانسانية وآثارها على الانسانِ وطبائعه .
فالتمثيلُ ههنا لم يقف للموازنة بينَ أهل الحضر والبادية بل جاء اشارةً لأثرِ البيئةِ واختلافها في تشكيل الطبائع والسلوك الإنساني عامة ، فلا مناص للشاعرِ من تمثل بيئته إذ هو جزء منها وهي مؤثرة في تكوينه وطبائعه. ومن ثم التأثير بالوعي والنظر الى الأشياء على وجه الخصوص .
إنَّ الاختلافات البيئية وأهمية المكان بشكل العام وأثره في الأدب بات ضررة للدارس أن يشغل وكده ويتحرى اسقاطاته للوصول إلى نتائج مقبولة ، فدراسة أي ظاهرةٍ تتصل ببلدٍ معين في وقت معين فلا ضير أن تكون الدراسة أكثر عمقا في تخصيص بيئة مصغرة لها تفرد وخصوصية ساهمت عوامل عدة على تشكل هذه الخصوصية والفرادة ، ففي محاولةٍ لتحديد  سمات ظاهرة في الأدب العراقي ،فمن المقبول  تتبعا لظاهرة في كل محافظة من المحافظات للوصل إلى نتائج أكثرة دقة فإذا كانت بغداد قلب العراق، ومركز الفكر، والأدب والحركة الثقافية ، فإن باقي المحافظات هي سائر الجسد الذي لا يمكن إغفال نشاطه الأدبي والفكري

شارك هذا الموضوع: