دوافع كتابة السيرة الذاتية
د. زهراء عبد الحميد غالي
إن من أبسط الأمور التي تدفع الإنسان إلى كتابة سيرته الذاتية ، رغبته الفطرية بالخلود ، وهذه الرغبة تشتد عندما يشعر بالتفرد و التميز ففي هذه الحالة يقوى إحساسه بأنه إنسان يستحق البقاء ، و كذلك تشتد رغبته بالخلود ، إذا شعر بدنو أجله ، و قد يتولد عنده ذلك الشعور لأسباب مبهمة أو لإصابته بالمرض مثلا ، (( و يلاحظ بشكل عام أن الاتجاه إلى كتابة التراجم الذاتية يقوى و يشتد في عصور الانتقال و أوقات الاضطراب و التقلقل ، وذلك لأن بعض النفوس الحساسة ، تشعر في مثل تلك الأزمان بأنها في حاجة إلى الملاءمة بين نفسها و بين الظروف المحيطة )) ، أي أن الكتابة في التراجم الذاتية مرتبطة بالدافع النفسي و الملاءمة بينه و بين الظروف المحيطة ، و لا تقتصر حاجات الإنسان النفسية على طلب الملاءمة مع الظروف المحيطة فقط ، فقد يمر الإنسان ببعض التجارب التي تجعله بحاجة إلى إعادة الملاءمة مع نفسه أيضا ، فعندما يتعرض الإنسان إلى ألم شديد ، قد يشعر بالرغبة في إعادة النظر في كل الأحداث التي مرت به، و الشعور نفسه قد يصيب الإنسان ، إذا أمن أنه أدى رسالته في الحياة ، و من أكثر التجارب حثا للإنسان على كتابة سيرته الذاتية ، التجارب الروحية التي تهز أعمـاقـه و تـحـدث فـي نفسـه تغييـرا جـوهـريا قـد يتجلـى بتغيير مذهبه ، أو عقيدته ، و لست أقول إن التجارب في الحياة لا تكون إلا روحية ، ولكن التجارب الروحية من أشدها حثاً على كتابة السيرة الذاتية، وهذا يعني أن الكتابة في السيرة الذاتية مرتبطة بالدافع الديني ، و قد يكتب الإنسان سيرته الذاتية استجابة لدوافع خارجية ، و هذه الدوافع تتمثل بالرغبة في تعليم الآخرين و توجيههم ، و ذلك يحدث عندما يرى كاتب السيرة أن حياته تصلح لأن تكون عبرة للآخرين ، و تتمثل أيضا بالرغبة في الدفاع عن النفس ، و ذلك حين تتوجه أصابع الاتهام إليه بسبب أفعال ينسب إليه عملها، ففي هذه الحالة يكتب سيرته ليبرز أفعاله أمام الآخرين أو ينفي قيامه بها ، و قد يلح الأصدقاء عليه لكتابة سيرته فيكتبها إرضاءاً لهم ، ومن الجدير بالذكر أن وجود أي دافع من هذه الدوافع عند الإنسان غير كاف لجعله يكتب سيرة ذاتية ناجحة ، إذ أنه لابد أن يعيش المبدع في حالة من القلق ينتج عنها الدافع الخلاق الذي تحدث عنه ( نورثرب فراي ) في كتابه ( تشريح النقد ) ، وعندما يصل المبدع إلى هذه المرحلة فإنه يبدأ بكتابة سيرته ، ليخفف العبء الملقى على كاهله، و إذا استطاع إنجازها فإنه غالبا ما يصل إلى حالة من الاستقرار و الرضا، و لكي يستطيع الإنسان كتابة سيرته الذاتية، لابد له من امتلاك موهبة فنية تساعده على ذلك، لأن وجود الدوافع وحدها لا تؤهله لكتابتها، فليس بمقدور كل إنسان أن يكتب سيرته الذاتية.
و كذلك التجارب العاطفية و الروحية من الدوافع ذات الأهمية في تبلور فكرة تدوين السيرة الذاتية و من عوامل نجاحها و خلودها، و هي من (( أشدها حثا على كتابة السيرة الذاتية ))،والمتتبع للسير الذاتية و مراحل ازدهارها يجدها تولدت نتيجة لفترات الاضطراب و الحرب و مظاهر الاستبداد و الثورات ، فهذه العهود مجال خصب تظهر فيه السير الذاتية بغزارة ، فعصور الانتقال و التغيرات التي تصيب المجتمع تولد الألم ، وتجعله عاملا مهما و مؤثرا في تشكيل السيرة الذاتية و تدوينها فيصبح أداة فعالة تزيد من خصب حياتنا الروحية ، وتعمل على صقل شخصيتنا.