نقد الثقافة والنقد الثقافي
د. زهراء عبد الحميد غالي
أن مفهوم نقد الثقافة والنقد الثقافي ينطلقان من الثقافة إلى تحليل النص ويتفقان في بعض الخلفيات إلاَّ أنهما يختلفان في المفهوم والأدوات والمفاهيم وآليات المقاربة ، فالنقد الثقافي كما يطرحه الغذامي بقوله يختلف عن نقد الثقافة: (( لسنا نعني بالنقد الثقافي نقد الثقافة وإنما نعني به قراءة الثقافة للبحث عن الأنماط المضمرة التي تختبئ تحت عباءة الجمالي في النقد الأدبي )) ، فالنقد الثقافي أصل معرفي قائم على آلية منهجية تأطرت بأفكار ما بعد الحداثة وأخذت حيزها وتشكلت المباني النقدية منها، والنقد الثقافي نشاط وليس مجال معرفي خاص بذاته ، فنقاد الثقافة يطبقون المفاهيم والنظريات على الفنون الراقية والثقافة الشعبية والحياة اليومية ، في حين أن النقد الثقافي مهمته متداخلة ومترابطة ومتعددة ، ونقاد الثقافة يأتون من مجالات مختلفة ويستخدمون أفكاراً ومفاهيم متنوعة ، بينما يشمل النقد الثقافي نظرية الأدب والجمال والنقد ، والتفكير الفلسفي وتحليل الوسائط والنقد الشعبي ، وتفسيره نظريات ومجالات علم العلامات ونظرية التحليل النفسي والنظرية الماركسية والنظرية الاجتماعية والانثروبولوجية ودراسات الاتصال والبحث في وسائل الإعلام والوسائل الأخرى المتنوعة التي تميز المجتمع والثقافة المعاصرة وحتى غير المعاصرة .
والنقد الثقافي لا يؤطر فعله تحت إطار التصنيف المؤسساتي للنص الجمالي ، بل ينفتح على مجال عريض من الاهتمامات إلى ما هو غير محسوب في حساب المؤسسة ، وإلى ما هو غير جمالي في عرف المؤسسة سواء أكان خطاباً أم ظاهرة ، يستفيد النقد الثقافي من مناهج التحليل المعرفية من مثل تأويل النصوص ودراسة الخلفية التاريخية ، فضلاً عن إفادته من الموقف الثقافي والتحليل المؤسساتي ، وما يميز النقد الثقافي هو تركيزه الجوهري على أنظمة الخطاب وأنظمة الإفصاح النصوصي ، فالنقد الثقافي ليس بحثاً أو تنقيباً في الثقافة إنما هو بحث في أنساقها المضمرة وفي مشكلاتها المركبة والمعقدة ، وبذا هو نشاط إنساني يحاول دراسة الممارسات الثقافية في أوجهها الاجتماعية والذاتية ، بل في تموضعها النصوصي ، ومهمة هذا النقد هي البحث في الأنساق المضمرة للخطاب ، فيتعامل مع النص بوصفه حادثة ثقافية كغيرها من الحوادث الثقافية التي تستأثر باهتمام الدراسات الثقافية التي تحاول الكشف عن أدوات التمركز والهيمنة ، ومن ثم التعامل مع الهامش الشعبي، فهو نشاط أو فعالية تعني بالأنساق الثقافية التي تعكس مجموعة من السياقات الثقافية والتاريخية والاجتماعية والأخلاقية والإنسانية والقيم الحضارية ، بل الأنساق الدينية والسياسية ، ويتناول مختلف المنجزات الفكرية والمعرفية والخطابات الحاملة لأنساق تاريخية وتداولية اجتماعية بل حتى الخطابات المهملة أدبياً كالإعلانات والمسجات والخطابات المرئية وغيرها.
في حين أن نقد الثقافة لا يعني أنماط السلوك المحسوس والعادات والتقاليد والأعراف فقط ، إنما هو آليات الهيمنة من خطط وقوانين وتعليمات ، مهمتها التحكم بالسلوك ، وهذا يعني أن نقد الثقافة مقاربة متعددة الاختصاصات ترتكز على التاريخ لاستكشاف الأنظمة المضمرة ، وتجعل الخطاب وسيلة لفهم المكونات ، وتحت هذا النوع تكثر المشاريع البحثية في الثقافة العربية منها تلك التي عرضت وتعرض قضايا الفكر والمجتمع والسياسة والثقافة بصورة عامة ، وهي مشاريع لها إسهاماتها المهمة والقوية.