مصطلح السيمياء ونشأته
 د. زهراء عبد الحميد غالي
 
    يعد هذا المصطلح من المصطلحات الغربية الحديثة التي ظهرت بداياتها في الساحة النقدية في النصف الأول من القرن العشرين ، وترجع هذه اللفظة إلى الأصل اليوناني(Semeion  ) الذي يراد به العلامة ، ودراسة هذه العلامة من رموز وإشارات ، والعلاقة بينها وبين وجودها الخارجي والداخلي ، ويقع ظهور هذا المصطلح في الثقافة الغربية متأرجحاً ما بين الدراسات القديمة والدراسات الحديثة ، وقد تمثلت الدراسات القديمة بانطلاقات متعددة ، والسبق سجل في دراسات الرواقين في جانبها اللغوي عبر الكشف عن ( الدال والمدلول )، فقد(( تنبهوا إلى أن الاختلاف بين أصوات اللغة إنما هو في حقيقته اختلاف شكلي ظاهري لمعان أو مرجعيات متشابهة ))، في حين جاءت العلامة في نطاق الفكر الفلسفي عندما ظهرت في دراسات أفلاطون والاهتمام بطابعها المحاكاتي ، وخاصيتها الاعتباطية ، وفي نطاق الدراسات المنطقية مع أرسطو في نظريته حول المعنى وحول الشعر ، والتمييز بين الكلام والأشياء، ثم انتقل التفكير السيميائي مع القديس أوغسطين وسؤاله حول التفسير والتأويل ، ضمن إطار المشكلة المطروحة من قبل المسيحية ومواجهتها للكتابات المقدسة ، حتى استقر علماً في مرحلته الحقيقية عند جون لوك حينما صنف العلوم، وميز السيمياء عن غيرها واضعاً تحتها نظرية المعرفة والمنطق ، حتى توالت ضمن الدراسات والأبحاث فظهرت ضمن أعمال فيكو و لايبنتز ، وأعمال كوندياك، وهذا مثّل أَهم مراحل تطور التفكير السيميائي منذ الانطلاقة الأولى له وحتى وصوله إلى مراحل منهجية مهمة ضمن دراسات سندرس بيرس ودي سوسير.
 
    يعود الفضل في تأسيس السيميائية الحديثة إلى العالم الأمريكي بيرس ( الأصل في التيار السيميو طيقي) ، والسويسري دي سوسير( الأصل في التيار السيميولوجي)، إذ عمل الأول على تأسيس السيميائية بوصفها علماً قائماً على المنطق ، والفلسفة الظاهراتية ، والرياضيات ، والمقصود بها النظرية العامة لقواعد التفكير الإنساني ، وهي ذاتها النظرية العامة للعلامات ، والتي أطلق عليها ( السيميوطيقا) ، وارتبطت عنده بثلاث مراحل ، المرحلة الكانطية عبر مراجعة المقولات الكانطية ، والمرحلة المنطقية تعويضاً للمنطق الأرسطي وربطه بالمقولات والعلامات ، والمرحلة السيميوطيقية القائمة على نظرية العلامات  والمرتبطة بفلسفته المتضمنة الاستمرارية ، والواقعية ، والذرائعية،إذ عمل على الماهية والكيف لجنس العلامة ، فتعامل مع الإشارات جميعها، لغوية كانت أم مادية ، على وفق نظام سيميائي مستنداً إلى نظرية دلالية، وجاء عمله مغايراً لسوسير ، إذ ربط السيميائية بالمنطق من جهة ، بعدّه القواعد الأساسية للتفكير والحصول على الدلالات المختلفة ، ومن جهة أخرى ربطه بالفينومينولوجيا ؛ بوصفها تمثل منطلقاً لتحديد الإدراك ولحظاته ، والبحث عن عمق المعنى في الفعل الإنساني ، مُصرِّحاً بهيمنة السيميائية في دراساته بعلوم مختلفة: (( لم أكن في يوم ما قادراً على دراسة كل ما درسته – رياضيات ، ذهن ، ميتا فيزيقيا، تجاذب ، علم الحراريات، البصريات ، الكيمياء … ما لم تكن دراسة سيميائية))، وبهذا فقد اعتمد بيرس في صياغة نظريته على الفلسفة والمنطق ، فكانت الفلسفة وسيلته في البحث عن ماهية العلامة وتفسير ظواهرها ، والاهتمام بكل التجارب الإنسانية ، تلك التي تسجل دوراً فاعلاً في بناء المجتمع ، وتفتح ثقافاته على ثقافات أخرى ، مما تسمح بفسح المجال أمام نتاجاتها ، والبحث في أفكارها.
أمَّا دي سوسير ( مؤسس العلوم اللسانية اللغوية الحديثة) فقد تطورت السيميائية عنده وفق البحث الأَلسني – المرتبط بالنسق اللغوي ، المعبر عن العلامات ، الحامل للأفكار-، الذي وصف بالمرونة والاتساع ، واحتوائه في ميادين دراسية مختلفة ، ولهذا فقد كان عنده (( الدور الأساسي في سنّ المفاهيم العلميّة الأولى التي استخدمتها السيميائية ، مثل: اللّغة/ الكلام ، الدّال / المدلول ، الوحدة / الاختلاف)) وقد أخذت بوصفها ثلاث فرضيات ، تمثلت أولاً في: اللغة موضوع شكلي: فهي شكل لها طبيعة متجانسة تحتمل التحليل ، وثانياً: اللغة موضوع دلالي ، وثالثاً: اللغةُ موضوعٌ اجتماعيُ ، نابعٌ من طبيعتها الاجتماعية المتفق عليها من قبل الجماعة( )، وبرأيه يمكن(( أن نتصور علماً موضوعه دراسة حياة الإشارات في المجتمع ، مثل هذا العلم يكون جزءاً من علم النفس الاجتماعي وهو بدوره جزء من علم النفس العام ، وسأطلق عليه semiology… وسيمكننا علم العلامات من معرفة ماهية العلامات والقوانين المسيرة لها. وبما أن هذا العلم لم يظهر إلى الوجود إلى حد الآن ، لم يمكن التكهن بطبيعته وماهيته ، ولكن له حق الظهور إلى الوجود ، فعلم اللغة هو جزء من علم الإشارات العام ))، لهذا تقترن حياة العلامة بالمؤسسة الاجتماعية ؛ لأنها توجد داخل تلك المؤسسة ، وهذا يساعد على الإمساك بالخصائص اللسانية ، التي تُعد وسيلة اتصال ببقية المؤسسات ، عبر القواسم المشتركة والأنساق الثقافية ، ومن بينها الأنساق السيميائية والنسق اللساني ، لذا يقرر أن المشكل اللساني هو سيميائي بحت ، واللغة هي الظاهرة السيميائية التي يتجلى عبرها المشكل اللساني ، فالربط يتم ما بين الجانب الاجتماعي وما بين الجانب النفسي عبر العلامة اللغوية في ثنائية ( الدال/ المدلول) ، وهذا يستدعي العمل على رفع خصائص المؤسسة السيميائية على حساب خصائص المؤسسة الاجتماعية ؛ لتكتسب السيميائية الشمولية عبر قوة التميز وقوة التواصل.

شارك هذا الموضوع: