الإفهام والإقناع في فكر البلاغيين العرب:
أكد البلاغيون العرب قديما ضرورة الإفهام فيما يلقى من الخطاب ،وضرورة فهم النص فهمًا مباشرًا ؛لأن أغلب النصوص الشعرية والخطابية نصوصا شفوية فلاسبيل إلى مراجعتها ولا سبيل لمعاودتها؛( فهو يستهلك استهلاكا وقتيا؛ لذلك أوجبوا الإفهام وتضمين النص كل المقومات اللغوية والفكرية الضرورية للإقناع ) ،ويعد الجاحظ أول من اهتم بالإقناع ؛ إذ ((جعل البلاغة تقوم على وظيفتين أساسيتين ومتكاملتين هما الإمتاع والإقناع )) ، فربط البلاغة بأهداف إقناعية في الخصومة ومنازعة الرجال ،وفي الاحتجاج على أرباب النحل ومناضلة الخصوم ، وعدّ البيان من الآليات الإقناعية في البلاغة لتحقيق الإفهام ،  فالبيان عنده منظومة شاملة والبلاغة هي جزء منه ، فمفهوم البيان هو مصطلح بمعنى الكشف ،وجعله وسيلة من وسائل الإيضاح ويقع هذا  العمل على منتج الخطاب الذي يريد ايصال الحاجة الى المتلقي ،ويراد لها مقدرة وبراعة ،ويمكن تسميته بلاغة الإقناع  .
 
ويتضح بذلك أن وظيفة البيان عند الجاحظ الإفهام والإقناع ؛ فهو يفترض وجود المخاطب وضرورة بقاء التواصل بين طرفي القول عند الخطاب عن طريق الإقناع، فربط الجاحظ البيان بالإفهام والإقناع البلاغي ،وهنا يكون البيان  محققا لأقصى امكانات التبليغ و يؤدي الى انتهاض المخاطب بالعمل والتغيير  ، ف((الإفهام بهذا المعنى ينطوي على استحضار الآخر من جهة ، واعتبارالوظيفة التواصلية للقول من جهة أخرى)) ،وابن وهب (ت 335ه) قد فصّل القول في البيان ؛ فجعل وجوه البيان اربعة بيان الاشياء بذاتها ، والبيان في القلب والبيان في اللسان والبيان في الكتاب   ، ومن جهود البلاغيين في مجال الخطاب الإقناعي  عمل  العالم الجليل الشيخ عبد القاهر الجرجاني  (ت 471ه)  الذي ((قدّم نظريته في النظم التي اقامها على أسس تداولية باستحضار المتلقي في تحديد القيمة البلاغية للنظم  )) .
والنظم عند عبد القاهر الجرجاني هو  وضع الكلام موضعه من قواعد النحو  
فنظم الخطاب بما يمكنه تحقيق الإقناع  يتمثل في روعة التأليف ،وكمال الترتيب، ودقة انتقاء الالفاظ ،ووضع الكلمة موضعها الصحيح من علم النحو؛ فوضع الكلمة موضعها يزيل تعقيد المعنى أمام المتلقي ،ولايتسع المقام لذكر آراء البلاغيين العرب جميعهم  .
ومعنى ذلك أنّ البلاغيين العرب  أشاروا إلى دور اللفظ ليعبر عن المعنى، وطريقة تركيبه في الخطاب ؛ فاللفظ هو المعوّل عليه في بنية الخطاب الإقناعي و ممالاشك  فيه  أن اللفظ الجيد هو ما كان متجانساً من ناحية تركيبه مع ما يجاوره من الألفاظ، يخلو من الاخطاء النحوية مؤديًا المعنى المراد إيصاله، واقعًا موقع القبول في نفوس السامعين تستأنس المسامع له، ومحققا غاية النص في الإبلاغ والإفهام.
 

شارك هذا الموضوع: