التعدديّة الثقافيّة
بقلم ضياء ريحان السعيدي
تُعدُّ التعدديّة الثقافية ظاهرة حضاريّة متقدّمة في حياة الأمم والشعوب، ويدلُّ هذا المفهوم على رقي أفراد المجتمع البشري وانصهارهم في مفهوم البوتقة الإنسانيّة، ولا يكاد شعب من الشعوب أو أمّة من الأمم تخلو من التمازج الفكري والثقافي بين أفرادها ، وقد تقوم التعدديّة الثقافيّة على “العقلانيّة والعلميّة والديموقراطيّة، وتراها هي الحلول التي لا يسع البشر إلّا الأخذ بها لكي يتخلّصوا من تخلّفهم الحضاري والأخلاقي”، وقد نشأت فكرة التعددية الثقافيّة في مجتمعات تنماز بالتباين الديني والفكري، والتنوّع الثقافي في العادات والطبائع، وقد كانت للتعدديّة الثقافيّة مصاديق متعددة في تراثنا الفكري والديني والعقائدي، من نحوها ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى : ((لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ)) ، وكان اندماج الديانات الأخرى (اليهودية ، والمسيحية ) في المجتمع الإسلامي مصداقاً آخر لهذه التعددية الثقافية وكذلك في العراق نجد التعايش السلمي بين الطوائف والأديان المختلفة ، أما حديثاً فمن الباحثين من أشار إلى أن انطلاق التعددية الثقافية من الولايات المتّحدة الأمريكيّة ولا سيّما عندما ظهر عندهم مفهوم “البوتقة الصاهرة : وهو مفهوم كان مطروحاً في أمريكا وجرت عبره محاولات لتبيّض السود وتفحيل النساء، وطرح معه المجاز الذي يعود إلى زمن الحداثة وهو مجاز(جوزة الهند)، وهي مقولة لحلّ مشكلة التعارض بين لون البشرة ولون الثقافة، وجوزة الهند سمراء من خارجها وبيضاء في مضمونها، وهكذا يلزم الشخص المهاجر بأن يكون أبيضاً في حقيقته الجوهريّة حتى وأن كان أسمراً في لونه الخارجي”، فالتنوّع الثقافي ظاهرة حضاريّة وثقافية تنمّ عن تقدّم المجتمعات البشريّة وتميزهم بروح التسامح والتعايش السلمي، وقبولهم بالأفكار المختلفة بين الاتجاهات والأيديولوجية كافّة “وعليه لا يمكن أن يكون هناك تعاون ولا تكامل بين الحضارات دون احترام للخصوصيّات الثقافيّة في تنوّعها، بوصف ما لهذهِ الخصوصيّات من صلة وثيقة بالتوازن والاستقرار النفسي للشعوب وبالنهوض والتنمية”، فالتعدديّة الثقافيّة هي مطلب وغاية كلّ فرد بشري يبحث عن “الاعتراف والاحترام من المجموعة الإنسانيّة، وهذا الاعتراف يتضمّن قبولاً للثقافة والدين والعادات الموروثة، وبما أنّ كلّ إنسانٍ هو تكوين تحدّد الثقافة والدين والعادات شخصيّته وكينونته الفكريّة والأيديولوجيّة، فعليه صنع إجراءات وسياسات لقبول الآخر، وقبول اختلاف الدين والثقافة والعرق”، فالتنوّع الثقافي هو نتيجة ومحصّلة معرفيّة للمجتمعات ذات التباين الاجتماعي في التفكيرات والسلوكيّات المتباينة وهو “سمة المجتمع الحديث وهو عامل أساسي للتعايش السلمي حينما تلتقي المواهب والإبداعات، ويكون هناك تنافس من أجل تطوّر المجتمع، وبناء مجتمع متعايش ومتطوّر”، ونستطيع القول ممّا تقدّم أنّه لا يمكن لأي شعب من الشعوب أو مجتمع من المجتمعات إلّا أن ينصهر في التعدديّة الثقافيّة الذي يتجاوز بوساطتها العقد النفسيّة والعنصرية، ويسمو إلى التسامح والتعايش السلمي وتقبل الآخر المختلف.