الأداء الصوتي في الخطاب الأدبي
بقلم ضياء ريحان السعيدي
تُعدُّ دراسة الأداء الصوتي في بُنى نصوص الخطاب الأدبي -النثرية والشعرية- من الركائز الرئيسة التي تعمد إليها المناهج النصية، ولاسيما في إبراز وظيفتي الصوت الفنية والدلالية، إذْ يخضع الصوت في البنى التركيبية للسياق النصي إلى “معايير خاصة على مستوى الإخراج والصفات حال إنتاج الصوت؛ ننطلق منها لتحديد السمات الأسلوبيّة الصوتية”، فضلاً عن أن القيمة الفنية للأصوات لا تتحقق “من زاويتها المادية -نطقية وفيزيائية- وإنّما بوصفها وحدات مميزة للمعنى في اللغة”، إذن فالدوال اللفظية ما هي إلّا مقاطع صوتية تعبّر عن دلالات فكرية ونفسية متفاوتة يوظفها المنشئ في بنائه اللغوي ليحقق بها إيصال مقاصده المنشودة، وقد اختصت الأسلوبية الصوتية بتحليل الصوت ليس من جنبته التشكيلية فحسب؛ وإنما بحثت عن قيمة أدائه في البنى التركيبية للسياق النصي العام، وبوساطة الأداء الصوتي يستطيع الناقد تمييز الخصائص الصوتية المتباينة بين الأصوات “فالإنسان حين يتكلم تتغير درجات صوته عند كل مقطع تقريباً”، فهذا التباين الصوتي المطرّد في وحدات السياق النصي من صوت إلى آخر قد شغل علماء اللغة -اللسانيين- والنقاد من القدماء والمحدثين، وتجلّى في دراستهم وتجاربهم “للظواهر الصوتية كالنبر والتنغيم والضدّ والتكرار ونشير إلى أن في حوزة اللغة العربية كماً من المتغيرات الصوتية ولعلماء اللغة والقراءات القرآنية دراسات واسعة في هذا المجال يمكن للناقد الأسلوبي أن يكشف تلك الطاقات أو الإيحاءات الصوتية عند دراسته لأي نصٍّ في العربية”. 
    وإذا كان الإيقاع الخارجي المتمثل بالوزن والقافية والروي والتصريع هو الباعث الموسيقي للبناء للشعري؛ فإنّ الإيقاع الداخلي للنثر تتولد أنغامه الموسيقية من ظواهر صوتية كُثر تتمثل بألوان بديعية، تنماز بتواشج صوتي متقن وألفاظ ذات جرس موسيقي إيحائي، لأن “الشعر مثله مثل النثر يؤلف خطاباً أي أنّه يرصف سلاسل من الكلمات المختلفة صوتياً”، فالدّوال الصوتية، إنّما هي مرآة تشكيلية لدوالّ قصدية ناتجة من تمازج ذهني شعوري في ذات المنشئ فتخلق نغماً موسيقياً يرفد وحدات السياق بـ”قيمة إيقاعية مضافة من خلال الفعاليات التي تنهض بها مجموعة من الأصوات المتجانسة والمتناثرة”، فضلاً على أن التوظيف الصوتي من قبل المنشئ له أثرٌ بالغ في جذب المتلقي وملامسة أحاسيسه، فالحالة الشعورية “تجد لتأليف اللفظة في السمع حسناً ومزية على غيرها وإن تساويا في التأليف من الحروف متباعدة كما أنك تجد لبعض النغم والألوان حسنا يتصور في النفس ويدرك بالبصر والسمع”، فالمنشئ حينما يعمد إلى توجيه مقاصده إلى المتلقي ينطلق من دواعٍ فكرية ونفسية منها ما يجعله متفاعلاً مع تجربته الفنية وانفعالاته الذاتية فيولي عنايته “للجانب النفسي العقلي من جهة السامع فالموقف اللغوي -بكل ظروفه وملابساته- كفيل بتفسيره وتوضيحه بوصفه الإطار العام و الرئيس كذلك في تحليل العملية اللغوية كلها”، فلكل صوت لغوي معنى خاص به ولا يمكن تجلّي قيمته الفنية والدلالية بتجريده عن البنى اللفظية فحسب؛ بل لابُدَّ من توظيفه في بنية التركيب اللغوي لوحدات السياق النصي، فضلاً على أن “هيمنة الأصوات على بناء النص الأدبي يمنحه سمات أسلوبية لافتة تستدعي الوقوف عندها”، لتأطير جمالياتها الفنية والذاتية وإبراز السمات الأسلوبيّة للمنشئ التي ينفرد بها عن سائر الأدباء.

شارك هذا الموضوع: