تأثير النصوص السينمائية على الثقافة الشعبية
يمكن القول إنَّ السينما قد احتلت جزءاً كبيراً من حياتنا في الوقت الراهن متمثِّلة بالمسلسلات والأفلام السينمائية، والتي بشكلٍ أو بآخر صوراً لأحداث افتراضية ومشاهد تكرَّرت في الواقع الحياتي، ممَّا يوعز إلى ذهن المتلقي بتذكُّر الأحداث السينمائية ممَّا تشكِّل جانباً من الهوية الثقافية للشعوب، فمنذ أواخر القرن التاسع عشر أصبحت السينما مصدراً مهمِّاً للترفيه والتأثير الثقافي، ويمكن ان نستشف ذلك عبر جوانب كثيرة، منها:
  1. التأثير على القيم الاجتماعية: ناقشت النصوص السينمائية كثيراً من القيم الاجتماعية مثل العدالة والمساواة في العنصر والمجتمع والجنس، وقدَّمت ألواناً من التأثير الثقافي عبر البطل الشجاع ونصرة الخير على الشر وشجَّعت على ترسيخ التسامح والإيثار والاحترام المتبادل، غير أنَّ التسويق السينمائي في الآونة الأخيرة تراجعت عن تلك القيم والمُثُل السامية وحلَّت محلها الصفات الذميمة كالجشع والطمع وانتصار السيِّء على الحسن.
  2. تشكيل الهوية الثقافية: ويتَّضح ذلك عبر تقديم نصوص تاريخية وقيمية تسهم في تعزيز الانتماء الوطني والتشبُّث بمعايير مجتمعية خاصة، وتظهر صورة مشرقة للأرض القديمة ودفاع الأجداد عنها، أو المحافظة على الوطن والعرض، ومثال ذلك في فيلم (الساموراي الأخير)، وفيلم (الأرض).
  3. التأثير على السلوك البشري: يؤثر ذلك بشكلٍ فعليٍّ في حدوث تغييرات إيجابية أو سلبية عبر تقديم هذه النصوص السينمائية نماذجاً للتصرُّف أو السلوك في الأحداث المتنامية للقصة أو في الذروة، كما أنها تُحدِث مشاهد مماثلة في ذهن المتلقي بسبب تشابه الأحداث، مثل فيلم (المصفوفة   The Matrix ) وتأثير أفكاره ونصوصه حول الواقع والزمن.
  4. التأثير على اللغة: وذلك عبر انتشار المصطلحات واللهجات؛ إذ تقدِّم هذه النصوص السينمائية لغة جديدة تعبِّر عن فكرة معينة، رغم أن تلك النصوص لا تتعدى جُملاً قصيرة أو عبارات تختزل المشهد السينمائي العام، وامثلة ذلك كثيرة، فعلى الصعيد العالمي جملة (The winter is coming) تختصر أحداث المسلسل السينمائي (لعبة العروش Game of throns)، أو جمل الفنان العربي عادل إمام مثل (متعوِّدة دايماً، مش من هنا من هنا) .. إلخ.
ومن أهم النظريات التي لها تأثير على النصوص السينمائية هي التأثير الاجتماعي، فالأفكار التي تبثّها النصوص تختلف من أمَّةٍ إلى أخرى، ممَّا يجعل تركيز إنشاء النصوص في اماكن محدَّدة مثل (هوليوود، بوليوود) سلاحاً ذا حدَّين: عولمة الأُمم وتوحيد ثقافاتها، وتوجيه الأفكار الخاصة بفئة معينة أو جماعة ما كما يحدث في سيطرة أصحاب الفكر التنويري على منصات السينما الأميركية.
ويمكن لنا استعراض بعض النصوص السينمائية وتأثيرها المباشر على هويات الشعوب الثقافية:
  1. فيلم (حرب النجوم The star war) 1977م: ويظهر فيه تأثير النصوص عبر تقديم القيم العليا مثل العدالة والحرية، وله تأثير على الثقافة الشعبية عبر تقديم شخصيات مثل لوك سكاي ووكر وهان سولو ودارث فيدر.
  2. فيلم (القلب الشجاع The brave heart) 1995م: على الرغم من كون شخصية البطل الرئيسية مقتبسة من التاريخ الاسكتلندي، إلَّا أن الممثل ميل جيبسون قدَّم لوحات مشرقة من امتزاج الحب والوفاء بين الزوجة والوطن، وصوَّر ملاحم ويليام والاس الذي قاد المقاومة الشعبية لتحرير وطنه من الانكليز المحتلين إبان حروب استقلال اسكتلندا، وقد عمد المنتج على إخراج رسالة التحرير للشعوب آخر مشهد في الفيلم حين يصرخ ويليام: (الحرية Freedoom) لينتهي بسرد الأحداث التاريخية التالية لتحرير اسكتلندا.
  3. فيلم (سيد الخواتم The Lord of The rings) 2001م: بأجزائه الثلاثة يعدُّ قفزة في مجال السينما الفانتازية، وتظهر الملحمة صنوفاً من المُثُل السامية كالصبر والتحمُّل ووفاء الصديق والحب والعفو عند المقدرة، ومصائر الصفات السلبية كالجشع والطمع، فقد قدَّم شخصيات لها تأثير مباشر مثل فرودو باكينز و ساموايز كامجي وكاندالف الأبيض.
فمن هذا السرد المختصر نستشف التأثير العميق للنص السينمائي على تشكيل الهوية الثقافية للشعوب عبر القيم الاجتماعية والتقاليد والانتماء الأسري والاجتماعي والوطني والأممي، ولاشكَّ في تأثيره على الفنون في انتشار الأساليب الفنية للنصوص التي تؤدي لحدوث تغييرات إيجابية أو سلبية في السلوك الفردي والمجتمعي، ناهيك عن تأثيره على العلاقات الاجتماعية في تعزيز التسامح والاحترام والمحبة وتفاعل المتلقي في حياته اليومية.

شارك هذا الموضوع: