الأدب العربي في قبضة الذكاء الاصطناعي
يعدُّ الذكاء الاصطناعي ثورةً علميةً في العصر الحديث تتَّسع لتلبية احتياجات الانسان في ظل التعقيدات الحياتية، إذ أنه دخل في أغلب مجالات التكنولوجيا وتصنيفاتها، وهو على ثلاثة أنواع: (الضيق Narrow Al، والعام General Al، والفائق Super Al)، فالنوع الأول يحقِّق مهاماً محدَّدة مثل: الألعاب الالكترونية، والترجمة الآلية، وكشف الصور، بينما النوع الثاني قادرٌ على تفكيك النظام العُقَدي ومحاولة النقد والتعليم وله القدرة على تحليل المشكلات وإيجاد الحلول، أما النوع الثالث فيختص في مجال الفلسفة والفنون والعلوم التطبيقية.
أمَّا في المجال الأدبي فيمكن القول إنَّ الذكاء الاصطناعي أعطى للنصوص ميزة التحريك والابتكار، فهو يحاول عبر خوارزمياته الشبكية تحليل النصوص الأدبية إلى أنماطها ووسائل تشكيلها، للمساعدة في تأليف نصوص مبتكرة من عندياته، وهذا يتطلَّب وجود علائق نصيَّة سابقة للاستعانة في تكوين الجمل والعبارات، فتشكيل النص الأدبي يتمثل بوجود مخزون لفظيٍّ هائل يستقيه الذكاء الاصطناعي من الكتب والدراسات المنشورة الكترونيا، وآليات لغوية وبلاغية لاستحداث نصوص ربما تغاير النصوص المنشورة سابقاً.
وعلى هذا الأساس يتَّضح للذكاء الاصطناعي تأثيرات إيجابية وسلبية، فمن أبرز التأثيرات الايجابية: إنشاء النص وتوليده كالشعر والقصص، وترجمة النص إلى لغات متعدِّدة ممَّا يجعل النصوص تميل الى النشر العالمي؛ إذ لا وجود لعائق المفردات في إنشاء النصوص، بل يتعدَّى الأمر إلى استعمال المحسنات البديعية في اللغات واكتشاف التقنيات البلاغية كالرمز والتراسل والقناع.
بيد أنَّ هذا الأمر له عواقب سلبية أمام الانسان، فإذا عرفنا أن مستويات بلوم المعرفية للإنسان هي ست مستويات بدءاً من: التذكُّر والفهم والتطبيق والتحليل والتقويم والتركيب، فقد وصل الذكاء الاصطناعي الى المستوى الخامس (التقويم) وما زال تطويره مستمرَّاً، الأمر الذي يجعله مؤثِّراً بشكلٍ سلبيٍّ على الكُتَّاب والمؤلِّفين، وذلك بالخسارة الفنية للنص وجعل الوهج الإنساني داخله منطفئاً، فضلاً عن انتحال الذكاء الاصطناعي لنصوص أدباء آخرين وإنتاج نصوصٍ غير مبدعة.
لقد فطن المبرمجون إلى المساوئ التي تلحق بتطوير الذكاء الاصطناعي وحاول بعضهم إيجاد برامجٍ تحدُّ من خطورته، وذلك بإصدار برامج تكشف عن النصوص المولَّدة بالذكاء الاصطناعي مثل برامج: (Hemingway Editor, Copyscape, Quetext, Grammarly ,Turnitin ) وهي تحاول تحليل النصوص عبر السياق اللغوي والبياني لإيجاد مدى إنسانية النصوص، كما نشرت مواقع على الأنترنيت مثل: (DetectGpt, AI Detector, Content at Scale)، غير أنَّ هذه البرامج والمواقع لا تكشف النصوص بنسبة 100%، فهي تحتاج إلى تحديث مستمر لمواكبة تطوُّر النصوص الأدبية.
يمكن القول إنَّ الصراع الالكتروني بين النصوص الإنسانية والاصطناعية مستمراً وفي تحدِّياتٍ متجدِّدة، فعلى الرغم من وجود برامج الكشف التي تمثِّل عيوناً راصدة لكل نصٍّ مولَّد، فهناك برامج أخرى تحدُّ من عملية الرصد بأنسنة النصوص الالكترونية ومحاولة الاحتيال على الخوارزميات الكاشفة، فهذه الرواصد هي (Writer,openAI, GptZero, Sapling, Copyleaks, Quillbot, ZeroGpt, Grammarly)، إذ تحاول هذه البرامج تقليص الفجوات المحتملة عبر توليد نصوص غير مطابقة لما يتوافر من السياقات الأدبية، ممَّا يجعل احتمالية الكشف عنها ضعيفاً نسبياً وقد تصل إلى النصف، فإذا اكتشف البرنامج وجود ذكاء اصطناعي بنسبة 40% يتم تقليلها إلى 20% !.
بقي أن نشير إلى تحدِّيات التعليم في ضوء انتشار الذكاء الاصطناعي، فمن جانبٍ يساعد الطلبة في الوصول إلى المعلومات بسهولة ويسر، لكنَّهُ من جانب آخر يدعو إلى قتل الإبداع البشري ومحاولة تقليل الفجوة بين الفوارق الفردية للطلبة ممَّا يجعلهم غير مُجدِّين في أبحاثهم ودراستهم لاسيما طلبة الدراسات العليا، إذ أنَّ الذكاء الاصطناعي يختصر كثيراً من الاختبارات اللازمة لتحديد مستويات الطلبة الدراسية لاسيما في مرحلة كتابة البحث.
فهذه دعوة إلى أساتذتنا الأفاضل في إيجاد الحلول المناسبة للممازجة بين النظام الالكتروني الذكي والأنظمة التعليمية السائدة ومحاولة تطويع الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم الجامعي للحد من الاحتيال والسرقات الأدبية وما شاكل ذلك.