المعنى وأثر السياق
م.م كرّار جواد المفرجي 
ان السياق أثرا واضح في انتاج المعاني على مستوى النصوص الأدبية سواء أ كانت شعرا ام نثرا اذ ان من طريق السياق يمكن للباحث سواء أ كان ناقدا ام باحثا اسلوبيا ام غير ذلك ان يقف على الدلالات التي اراد المتكلم ايصالها الى المتلقي وما هي السبل التي اتبعها لإنتاج تلك المعاني اذ ان النص المنتج من قبل البشر خاضع لإمكانات الناقد لما تحصله الناقد او الباحث من علوم تؤهله ان يقف على دلالات تلك النصوص مستعينا بالسياق الذي انتج معنى، فضلا عن أثر ذلك السياق في الالفاظ وإضفاء المعاني عليها والاتجاه بدلالتها الى ما يريد الكاتب، ولو جئنا الى تحديد ما يمكن ان ينتجه السياق لوجدنا انضج التجارب التي ميزت واظهرت فضل السياق على انتاج الدلالات هي نظرية النظم لعبد القاهر الجرجاني اذ ميز فيها ووضح ماء للسياق من أثار في انتاج المعنى من طريق مراعاة معاني النحو، والفصل والوصل، والتقديم والتأخير، وما الى ذلك من النظرية ثم جاء بعد ذلك تاليا عليه ريفاتير في منهجه الاسلوبي البنيوي اذ جعل السياق أحد العناصر المهمة التي من طريقها يمكن الوقوف على الدلالة المرادة من النص الا اننا نود هاهنا ان نطرح سؤالا هل ان للسياق أثر في اظهار معاني آيات النص القرآني على وفق ما ذكر في سالف الكلام؟ وللإجابة على هذا السؤال نقول ان الآيات الكريمات تعطي في كل مفصل منها بل في كل لفظ منها معنى على وفق ما ورد عن آل محمد عليهم الصلاة والسلام اذ ان الآية يجيء اولها في شيء ووسطها في شيء واخرها في شيء وهذا ان دل انما يدل على ان ليس للسياق أثر في اظهار المعاني والدلالات هذا من جانب ومن جانب آخر ان الآية الكريمة غير خاضعة لسلطة الناقد وامكاناته اللغوية لان النص الذي يمكن ان يقف عنده الباحث او الدارس هو نص اعلى من مستوى الإمكانية التي يتحلى بها ذلك الباحث وعلى هذا لا يمكن ان ينتج من السياق معنى يمثل القصد الالهي لان مقاصد الله لا يمكن ان تحصى من طريق سياق آية على وفق فهم معين لمن توقف عند علوم معينة يتحصلها حتى ينتج معاني للآيات الكريمة وعلى هذا فليس للسياق الأثر الواضح والجلي في الوقوف على المقاصد الإلهية من الآيات الكريمة انما قد يكون السياق من الوسائل التي يستعين بها القارئ للنص القرآني ليتدبر بعض المعاني التي وردت في القران الكريم معبرة عن فهم القارئ لا عن قصد المتكلم.
يُعَدُّ المعنى أحد القضايا الأساسية في علوم اللغة والتفسير، إذ يمثل الجسر الذي يربط بين النص وقارئه، وبين الوحي وفهم الإنسان له، ومن المسائل البارزة في هذا السياق دور السياق في فهم النصوص عامة، وقد برزت وجهات نظر مختلفة بشأن مدى اعتماد المعنى على السياق، ومدى قدرة السياق على تفسير النصوص الإلهية.
تشير الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) إلى تعقيد النص القرآني، إذ يؤكدون أن الآيات قد تكون متعددة الأبعاد، فقد “نزل أولها في شيء، ووسطها في شيء، وآخرها في شيء”، مما يبرز عجز السياق الظاهري عن الإحاطة الكاملة بمعاني الآيات الكريمات، هذا المقال يسعى لتوضيح العلاقة بين السياق والمعنى، ودراسة محدودية السياق كأداة لتفسير النصوص القرآنية.
أهمية السياق في الفهم اللغوي
السياق يُعدّ أداة رئيسة لفهم النصوص؛ فهو يساعد على تمييز معاني الكلمات المتعددة وتفسير المقاصد الغامضة، على سبيل المثال، الكلمة “عين” قد تعني الجاسوس، أو العين الباصرة، أو الينبوع، والمعنى يتحدد بناءً على السياق.
السياق في النصوص القرآنية
النص القرآني ذو طبيعة فريدة من جهة أسلوبه وبلاغته، ويظهر فيه السياق كأداة لتحديد المعاني، لكنه لا يكون موصلا لقصد المتكلم الحقيقي، على سبيل المثال، قوله تعالى:
> “وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا” (المائدة: 38).
السياق النصي يُشير إلى حد السرقة، لكن الروايات تُفسر الآية بشروط أخرى، مثل مقدار المال المسروق وظروف الجريمة.
محدودية السياق في تفسير النصوص القرآنية:
الإشكاليات المنهجية في الاعتماد المطلق على السياق
الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) تسلط الضوء على مشكلة الاعتماد الحصري على السياق الظاهري. فقد قالوا:
> “نزل أولها في شيء، ووسطها في شيء، وآخرها في شيء.”
وهذا يشير إلى أن النص القرآني يحمل معاني متعددة ومتداخلة قد تتجاوز الظاهر السياقي.
  1. الأمثلة القرآنية على تعقيد المعنى
في قوله تعالى:
> “وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا” (الجمعة: 11).
السياق الظاهري يتحدث عن موقف حصل في عصر النبي (ص)، لكن المعنى يمتد ليشمل نقدًا عامًا لتفضيل الدنيا على الآخرة.
في قوله تعالى:
> “وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ” (الأنفال: 41).
السياق يتحدث عن غنائم الحرب، لكن أهل البيت (عليهم السلام) فسروا الخمس ليشمل موارد أخرى، مثل الكنز والمعادن.
السياق والروايات التفسيرية:
  1. دور أهل البيت في توضيح المعاني
أهل البيت (عليهم السلام) يمثلون المرجع الأساسي لفهم النصوص القرآنية. فهم أكدوا أن النص القرآني يحتوي على ظاهر وباطن، وأن الباطن قد يتجاوز السياق الظاهري.
عن الإمام علي (عليه السلام):
> “كتاب الله تبصرون به وتنطقون به، بعضه يشهد على بعض، ولا تختلفوا فيه.”
عن الإمام الباقر (عليه السلام):
> “إن القرآن يجري كما تجري الشمس والقمر.”
هذا يعني أن النص القرآني حيٌ ودائم الصلاحية، ومعانيه تمتد إلى ما بعد ظروف نزوله.
  1. السياق في ضوء التفسير بالمأثور
الروايات عن أهل البيت تقدم تفسيرًا عميقًا يضع السياق في منظوره الصحيح، لكنه لا يحد منه. فالسياق قد يكون مدخلاً أوليًا لفهم النص، لكنه يحتاج إلى ضوء الروايات لبلوغ العمق.
السياق بين المعنى المحدود والمعنى اللامحدود
النص القرآني، باعتباره كلام الله، يجمع بين الوضوح والإعجاز. فهو يتضمن معاني سطحية يمكن فهمها بالسياق، ومعاني عميقة تتطلب إشرافًا خاصًا. لذلك، يمكن القول إن السياق:
  1. يُفيد في تحديد المعنى القريب، لكنه لا يكفي وحده لتفسير المعاني البعيدة.
  2. يُستخدم كأداة مساعدة، لكنه لا يُعتبر المصدر الوحيد لفهم النصوص.
المعنى والسياق يمثلان قضيتين مترابطتين، لكن النصوص القرآنية والحديثية تُبرز حدود السياق في فهم النصوص الإلهية. الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) تؤكد أن القرآن ذو أبعاد متعددة، وأن السياق الظاهري عاجز عن الإحاطة بكل معانيه. لذلك، يجب الجمع بين القراءة السياقية والروايات التفسيرية للوصول إلى الفهم المتكامل.
بهذا، يظهر أن القرآن ليس مجرد نص لغوي يخضع لقواعد السياق، بل هو كتاب هداية يتطلب التعمق والرجوع إلى أهل البيت لفهم معانيه الحقيقية.
مصادر المقال
  1. القرآن الكريم
الطبري، محمد بن جرير
تفسير الطبري (جامع البيان في تفسير القرآن)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار المعارف، القاهرة.
المجلد: الجزء السادس، ص: 250 (تفسير آية المائدة: 38).
المجلد: الجزء الثاني والعشرون، ص: 135 (تفسير آية الجمعة: 11).
الطبرسي، الفضل بن الحسن
مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق: لجنة من العلماء، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.
الجزء الثالث، ص: 425 (تفسير آية الأنفال: 41).
الكليني، محمد بن يعقوب
الكافي، تحقيق: علي أكبر غفاري، دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الرابعة، 1401 هـ.
المجلد الأول، ص: 214 (رواية الإمام الباقر عن جريان القرآن).
الشيخ الصدوق، محمد بن علي بن بابويه
معاني الأخبار، تحقيق: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الأولى، 1361 هـ.
ص: 122 (حديث الإمام علي عن شهادة القرآن بعضه على بعض).
الشهيد الثاني، زين الدين بن علي العاملي
الرعاية في علم الدراية، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، منشورات مكتبة آية الله المرعشي، قم، الطبعة الأولى، 1409 هـ.
ص: 88-91 (عن أهمية القرائن والسياق في الفهم).
السيد محمد حسين الطباطبائي
الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة النشر الإسلامي، قم.
الجزء الأول، ص: 11-15 (حول ظاهر القرآن وباطنه).
ابن فارس، أحمد بن فارس
معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى، 1979.
الجزء الثالث، ص: 60-62 (تعريف السياق وأهميته).

شارك هذا الموضوع: