المكوّن التّصويري في سيمياء العواطف
د. زهراء عبد الحميد غالي
 
     وهو من المكونات المهمة التي تشغل موقعاً مميزاً ، داخل البنية الخطابية في المستوى السطحي للخطابات ، بصفته أحد مستويات المسار التوليدي ، ونسقاً متميزاً بقدرته في التمثيل على مستوى اللغة الطبيعية ، والأنساق الأخرى – بغض النظر عن نوع الثقافة التي تحويه – داخل النظرية السيميوطيقية ، لذا عُدَّ من المفاهيم الأساسية القائمة على مبدأ الملاءمة والانسجام في مستوى الدلالة الخطابية ؛ لأنه يمثل استثماراً دلالياً، يعطي حجماً دلالياً للعناصر التركيبية ، ويقوم بدراسة الأدوار التيماتيكية والعاملية للفاعل ، وهذه الأدوار هي ملتقى الطرق ، ومركز التقاطعات بين المكون السردي والمكون الخطابي ، ويرتبط بالعالم المحسوس في تنوّعه اللّانهائي ، وتترأسه ثنائية التوحّد والتنوّع ؛ لأن الذات المرسلة تعمل على ردّ المتفرّق إلى الواحد والمتعدد إلى المفرد، فيتم هذا الخطاب حينما يشحن الموضوع المطروق بشحنة دلالية ، تفسح المجال للذات أن تدركها من حيث هي صورة تمثلية، تتجمع عبر الصيرورات التي تحولها إلى جملة من الأفعال ، و التي تتحرك في إطار معين، بشكلها المتجمع في لفظة واحدة يخرج منها مفاهيم عدة ، تشير إلى مسار متكامل الدلالة والبناء في معناها الأول ، أو بشكلها المتقابل وأحياناً المختلف ، والذي يشير إلى معنى كلي يتضمنه الخطاب ، تخرج عنه لفظة تعبر عن الكل وهذا يكون في معناها الثاني ، وفي كلا الشكلين تتراكم المكونات المشتركة أو المترادفة لكي تولد لنا المقومات السياقية المرتبطة مع بعضها البعض الآخر.
       وبحسب منهج سيمياء العواطف فإن المكون الخطابي لا يركز على المسار التصويري والأدوار الموضوعاتية/ التيماتيكية فقط ، إنما بتظافرها وتضامنها مع الأدوار الانفعالية ، أي وحدات المضمون ، القائمة على وصف الأدوار والوظائف ؛ لأنها تقوم على طريقة تعتمد على التمثيلات الدلالية ، والتي تمثل طريقة مثالية في تأويل ظهور الأدوار الانفعالية والتهذيبية، والعلاقة التي تربط بين المستويين السردي والخطابي تتميز بأنها متكاملة في تداخلها وتمازجها ، ويظهر هذا التمازج في الاستثمار الدلالي للموضوعات التركيبية في المستوى السردي ، والتي يحققها المستوى الخطابي بإعطاء الأشكال السردية بعداً دلالياً ، يستثمرها السردي في توليد وشحن الأقوال ، بعدّه حلقة الوصل الضابطة والمنظمة بين المستويين، فيعبر عن المضمون الخطابي عن ِطريق الصور التي تجتمع لتكون وحدة سيميائية دلالية ، محددة وظاهرة أثناء الفحص والقراءة، مكونة صور جوهرية ذات شفافية ورؤية ، يراها غريماس أساسية متضمنة إمكانيات تعبيرية كامنة بالقوة ، ومحققة مسارات في سياق الخطاب، وتظهر عبر الحدود والتمفصلات المكونة للخطاب ، وإدراك المعنى الكلي عبر الألفاظ التي تجتمع في اللغة الواحدة ” لكن في صلب هذه الوحدة يكمن التنوع ويستقرّ الاختلاف إذ بوسع المبدع أن يؤدي حكاية بوسائل تعبيرية متنوعة وبأساليب لغوية متعدّدة. والاختلاف يرد بالتحديد إلى تنوع هذه الأساليب أي في نهاية المطاف إلى الفنون التصويرية التي يتوسل بها المؤلف لإكساء النظام السردي المجرّد في كلّ مكوّناته بأردية تتنوّع تنوع العالم المحسوس “ ، ويحتوي المكون التصويري على جملة من المفاهيم الإجرائية التي تمثل عدة تحليلية تساعد في تحديد المسارات الصورية ، والأدوار التيماتيكية في التجمع الصوري ، منها المسار الصوري ، والتصوير ، والتصويرية ، والتيماتيكي ، وبما أن المسار الصوري والأدوار الموضوعاتية( التيماتيكية ) هي أهم هذه المفاهيم ، لذا سوف ندرجهما في التقسيم الآتي : 
أولاً : المسار الصوري لسيمياء العواطف : يقع المسار الصوري ضمن المكون الخطابي ، وتكمن المسارات التصويرية ” داخل الملفوظات غير أنها تخترق هذه الملفوظات لتؤلف شبكة صورية حيث تقوم بينها علاقات متنوعة تمتد على مقاطع من الخطاب مكونة تجمعات صورية ” ، والذي أطلق عليه السيميائيون شبكة من الصور ، تمكننا من تحديد تيمات ، نحصل عليها عبر الممثلين وأدوارهم التيماتيكية، وهذه الصور(Figure)  يراد بها تلك الوحدات الدلالية التي تساهم في التوصيف ، و تتتخذ بعدا قاموسيا ودلاليا، يطلق عليها لفظ السيماتية أو الليكسيمات(lexèmes) وهي تمثل العناصر الدلالية البسيطة أو الكلمات القاموسية الموجودة في معجم لغة ما، ويمكن لهذه الكلمة أن تتخذ معانٍ سياقية مجازية وحقيقية، يتم رصدها في السياق الذي ترد فيه هذه الألفاظ ، والتي تنتظم في علاقات قد يكون فيها تقابل أو اختلاف ، ويتم إرجاعها إلى المعاجم وربطها مع المعنى الوارد في سياق الخطاب وبيان مدى الانسجام والكثافة الدلالية، وعلى هذا الأساس تتجلى الصور التركيبية ضمن السياق الخطابي  والاستثمار الدلالي داخل النصوص. 
 
ثانياً: الأدوار التيماتيكية( الموضوعاتية) لسيمياء العواطف
       تتحدد التيمة في السيميائيات كمفهوم إجرائي يرتبط بالمكون التيماتي ، فإذا كان هذا المكون ” يتميز بأنه استثمار دلالي مجرد ذو طبيعة مفهومية وليست له أية علاقة ضرورية مع فضاء العالم الطبيعي فإن هذا يعني أن التيماتيكي يعتمد على التيمات التي يبنى من خلالها المسار التصويري” ، وهي من الأدوار التي تتركب في أصلها من عنصرين الدور الثيمي ويتحكم بممكنات الفعل عند الذات ، ويرتبط بالنطاق الاجتماعي ، والدور الباتيمي الذي يتعلق بكينونة الممثل وعلاقته بالبعد الانفعالي ، وفيه يتم تجاوز حدود الثقافة ؛ لأن الانفعالات التي في أصلها حاجة إنسانية طبيعية ، تتحول إلى حالة غير طبيعية عندما تتجاوز الحدود التي تضعها الثقافات، وتبعاً لها نحكم على الأهواء، في حال أكانت ضمن أحكام وميولات طبيعية معتدلة ، أم خرجت إلى ما يدمر ويعيق ثقافة المجتمع .
     وقد أطلق غريماس على هذا الدور مصطلح ( القائم بالفعل) ويأتي بمثابة محطة لقاء وتقاطع بين البنى السردية والبنى التصويرية ، وتحدد كفاءته وحدود فعله وكيانه ضمن الدور الذي يشغله، ويمكن له أن يشغل أكثر من دور واحد، ويبحث الدور الثيمي في الاستثمارات الدلالية عبر عملية الفصل ، التي يجب أن يتم داخلها تأويل ظهور الأدوار الباتيمية والأدوار الأخلاقية ، في حين يبحث الدور الباتيمي عن الاستثمارات التركيبية في شكل أدوار عاملية وكيفيّة، ولذا تشغل الأدوار التيماتيكية ازدواجية على مستوى الإنجاز، في حقل الدور العاملي التركيبي ، وكذلك في الدور التيماتيكي الدلالي ، الذي يرتبط بدوره بالمجموعات البشرية وبنياتها السوسيو- ثقافية ، المتعلقة بالبنية الرمزية التي تُسن الممارسات والإنجازات داخل المجتمع ، إذ تحيل هذه الأدوار إلى الإنجازات المهنية أو العائلية أو النفسية.


شارك هذا الموضوع: