أهمية التوجه لدراسة الأدب الكربلائي
لقد أحسَّ شعراءُ كربلاء ونقادها أنَّ ثمة ” تجاوزا أو إنجازا لنتاجهم سكت عنه الكثيرون وتم تجاهله وإغفاله ، فالنظرة التجزيئية إلى أدبنا لا زالت ترزخ تحت ما سنتهُ المؤسسة السياسية والأرث الاجتماعي الطبقي بالتقليل من شأن أدباء المحافظات وانجازاتهم “، ومنها كربلاء التي اتسمت بجملة سمات انعكست على أدبائها ، فلا ريب أن مركزها الديني منحها فرادة عن غيرها من المدن فهي محجةٌ يقصدها المسلمون عموما،وأتباع أهل البيت خصوصا لارتباطها بأحداث تاريخية قد جاوزت التاريخ لتكون طقوسا روحية وشواهدَ إيمانية راسخة ، مما أدى بطبيعة الحال إلى أن “يتحولَ المكانُ عندَ شعراء كربلاء إلى دالةٍ تاريخيةٍ يشع بفيوضاته على النفوس ] الوالهة[ فيغنيها من فيض ما يكتنزه من محاولات تمثلُ عبقَ الماضي وسحره ..، إنَّهم يتمثلون الحسين حيا…يتمثلونه صوتاً رافضاً ،ودمعةً ناطقة ،وإن تلونت بلون الحزن الفعال وليس حزن الاستسلام ” فضلاً عن هذه المكانة الدينية الحاضرة ، فثمة عامل يرتبط بالجغرافيا يتعلق بقربها من العاصمة مكانياً ، فكلُّ ريحِ تغييرٍ يطرأ على العاصمة بغداد سواء كان تطور فكريا أم أدبيا و عمرانيا يجد له صدى سريعا في كربلاء يصلها ويؤثر بها ، فالقرب المكاني مدعاة لتقوية وشائج التواصل واللقاء بين أدباء المدينتين .
ولعل الإشارات السابقة في اختيارِ بيئةٍ مصغرةٍ وفي بيانِ أثر ظاهرةٍ أدبيةٍ فيها قريب الارتباط بالمنهج الإقليمي الذي نهجه نقاد قدماء ومحدثون واتضح أكثر في دعوة “أمين الخولي”الذي قصده منهجاً ودعا الى تطبيقه في دراسة الأدب ، إذ خصص كتابه ” في الأدب المصري ” لهذا المنهج الذي كان تجسيدا واستجابة لشعور عام انتشر في أوساط المثقفين المصريين في القرن الماضي ، أما عن مقتضيات دعوته فهي أن هذه الدراسة عامل منظم لتوزيع الدرس وتقاسمه بين الدارسين وإن أبناء البلد أقرب الناس إليها وأقدرهم على فهمها فكلما كان الباحث قريبا من الظاهرة كان أكثر تعمقا وفهما لها، وهذا ما التمسه الشاعر “علاوي كشيش” في دراسته عن الأدب الكربلائي التي تحمل عنوان “قوة الحلم والانتماء”: “إنَّ إطلاع الباحث على هذه المجاميع ومواكبته لها …قد أمدته بقدرة على استبصار مكونات النصوص ربما لن تتوفر لكاتب أو دارس غيره “.
إنَّ الأساسَ الذي قامت عليه فكرة أمين الخولي تقول إنَّ لكلِّ بيئةٍ سمات وخصائص تنفرد بها بين الأقاليم وتلك المزايا والخصائص هي التي توجه الحياة الأدبية وتؤثرُ في سيرها ،وبرأيه فإنَّ أصحابَ كلِّ بيئةٍ هم أحقُّ بدراستها وهم أهدى إليها سبيلا ،وأقوم فيها قيلا،وللتعريف بظاهرة أدبية ما لابدَّ من عرض الأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية للعينة المدروسة ، فهي تفضي إلى تشكيل الرؤى والمواقف فلا شيء يصدر عن فراغ أو ينأى بنفسه عما يحيطه .
إنَّ مدينةَ كربلاء – كما تقدم – طُبعت بطابع خاص يميزها عن المدن الأخرى ، فقد ارتبطت تاريخيا بحادثة الطف التي جرت على أرضها في القرن الأول من الهجرة ، فتحولت المدينة بعد هذا التاريخ إلى رمز للثورة على الظلم و ايقونة للتضحية من أجل المبادئ والقيم .
وقد حازت على قصب السبق على الصعيدين الديني والوطني.