الاطناب في الدراسات القرآنية:
إنّ الانطلاقة الاولى لمفهوم الاطناب في ظل الدراسات القرآنية كانت قد بدأت ببيان بعض أنماطه والتنويه اليها كما هو الحال عند ابي عبيدة وابن قتيبة ، إذ يعد القرآن الكريم
أهم العوامل التي أسهمت في تطور الاطناب وتأطيره ، واخراجه عن مفهوم الاطالة
والحشو ؛فالقرآن الكريم منزه عنهما ، إذ لكل لفظ فيه خصوصيته ومقصديته التي لا غنى عنها في إقامة المعنى والاهتمام بكل ابعاده، وكشف دقائق تصريفاته من خلال فن الاطناب وانماطه التي تفرقت في مظان عديدة تحت تسميات مختلفة ، وقد عني الزركشي (ت 794هـ)
بانماط الاطناب وعدها من اساليب القرآن وفنونه البليغة ، فخص قسماً منها للتأكيد كما
في (ذكر الخاص بعد العام وذكر العام بعد الخاص ، والايضاح بعد الابهام)كما افاض السيوطي (ت 911هـ) في الحديث عن الاطناب وانماطه في القرآن الكريم مبيناً دور كل فن ووظيفته البلاغية والاخبارية فقسم الاطناب على نوعين ، احدهما: اطناب بسط ، والآخر اطناب زيادة ، اما الاول فيعنى بتكثير الجمل وتحقيق الترابط المضموني والاطالة المقصودة لاجل الايضاح ، واندرجت تحت الثاني تراكيب نحوية وفنون بلاغية عدة وصلت إلى إحدى وعشرين نمطا منها: حروف التوكيد – احرف الزيادة– التكرير – الصفة – البدل – عطف البيان – عطف المترادفين – عطف الخاص على العام وعطف العام على الخاص – الYيضاح بعد الابهام – التفسير – وضع الظاهر موضع المضمر – الايغال – التذييل – الطرد والعكس – التكميل – التتميم – الاستقصاء – الاعتراض – والتعليل.
والاطناب القرآني في كل اشكاله وانماطه لا يخرج عن القاعدة البلاغية في مراعاة المخاطب ومقتضى الحال ، وقد اشار ابو هلال العسكري الى ذلك حينما عد الاطناب بالبسط من خصائص الخطاب الموجه الى اليهود لبعد فهمهم وتأخر معرفتهم فضلا
عما عرفوا به من الجدل والمماطلة مع الانبياء والرسل وهم اهل كتاب ومعرفة
بالله تعالى ورسله (عليهم السلام) ، وقد سلك القرآن معهم سبل المحاججة والنقاش العقلاني الطويل الذي يتطلب التدرج في مستوى الحوار ومخاطبتهم على قدر عقولهم وافهامهم ،
ولم يقتصر الاطناب القرآني على هؤلاء القوم بل تعداهم الى من هم اقل منهم معرفة
ودراية بامور الدين تثبيتاً وأنساً)) فالقرآن الكريم يوظف الالفاظ لتوليد اكبر
قدر من المعاني بحسب المواقف والاحداث ، فعدها ((ظاهرة بارز فيه كله ؛ يستوي فيها مواضع اجمالية التي يسميها الناس مقام الايجاز ومواضع تفصيلية التي يسمونها مقام الاطناب. ولذلك نسميه كله ايجازاً لاننا نراه في كلا المقامين لا يجاوز سبيل القصد ،
ولا يميل الى الاسراف ميلاً ما ، ونرى ان مراميه في كلا المقامين لا يمكن تأديتها كاملة العناصر والحلى ، باقل من الفاظه ولا بما يساويها ، فليس فيه كلمة الا هي مفتاح لفائدة جديدة وليس فيها حرف الا جاء لمعنى)) وقد اتسعت المعاني وتنوعت الاغراض في القرآن الكريم فاقتضت طرق خاصة للتعبير عنها وليس انسب من طريق الاطناب الذي يعد اسلوباً مفتوحاً للخطاب إذ يلج في المضامين كافة ويوفي الغايات والمقاصد القريبة والبعيدة ،
لذا نجد انه لا يكاد موقف او غرض في القرآن الكريم يخلو من الاطناب سواء اكان بطريقة الانماط التي جاء فيها والتي تقتضي اعمال الذهن والتدبر والتيقظ ، او عن طريق البسط بتكثير الجمل الذي يظهر في النص على نحو اطالة لفظية تخاطب بها الافهام لذا يمكن
القول بان الاطناب من اهم خصائص الاسلوب القرآني.