نبه (د. هشام شرابي) إلى ضرورة تغيير أساليب البحث والكتابة من اجل مرحلة الانسجام الحضاري الحالي ، مقترحا اعتماد مفاهيم التصور والتأثير في فهم النصوص(1) ، وذلك لما تحمله الصورة من أحكام قيمية ومستوى من الإدراك , ما يجعل الحفر في مضامينها يُعد تعرفا على الإرث الثقافي والرؤية المستقبلية(2)..
أولا : مفهوم الصورة
الصورة لغة:
بمعنى الميل:
إن أول حد لغوي اندرجت ( الصورة ) ضمنه ما جاء في (كتاب العين) في معنى “الصَورُ : المَيَلُ ، يقال فلان يصورُ عنقه إلى كذا أي مال بعنقه ووجهه نحوه … وصورت صُورة ، وتجمع على صُور “(3) ، ولم يوضح (الجوهري) حين ذكر في (الصحاح) بعد مروره على معنى الميل قوله : ” وصوره الله صورة حسنة “(4) ، إن كان تصوير الله تعالى هنا بمعنى الميل أيضا ، أي : أماله الله ميلا حسنا أم بمعنى التصوير من التشكيل ؟ ، إذ عرج فقال : “وتصورت الشيء : توهمت صورته لي “(5) ، وان كان أورد التوهم مرادفا للتصور فلأن (الوهم) في اللغة بمعنى الغلط(6) “ووهمت في الشيء … إذا ذهب وهمك إليه وأنت تريد غيره “(7) ، وكل هذه المعاني تدور في معنى الميل والاقتراب من الموضوع المراد ، ففي معجم متأخر هو (أساس البلاغة) نقل مصنفه في معنى (الصورة) معنى مجازيا حين يقال “هو يصور معروفه إلى الناس “(8) ، وهذا بمعنى : يميل بمعروفه أي يقربه .
بمعنى الشكل:
فيما ميز (الفيروز آبادي) ( الصُورَة ) بالضم بمعنى الشكل التي تستعمل بمعنى النوع والصفة و الفعل منها صَوَرَه فتَصَوَر ، عن (صَورَ) بمعنى مال(9) ، وإلى هذا ذهب معجم (تاج العروس) فـ ” الصُورة ، بالضم : الشكل والهيئة ، والحقيقة ، والصفة “(10) .
الصورة Image)) اصطلاحا :
قسم (الراغب الأصفهاني) في (مفردات غريب القران) معنى (الصورة) على ضربين ؛ احدهما محسوس من العامة والخاصة وهي تدرك بالنظر سواء الأمر في الإنسان والحيوان ، فيما خص الخاصة دون العامة بادراك الضرب الثاني الممثل بالصورة العقلية كالصورة التي اختص بها الإنسان من العقل والروية والمعاني (11) ، وهذا المعنى ذكره صاحب (اللسان) أيضا ؛ ” الصورة ترد في كلام العرب على ظاهرها وعلى معنى حقيقة الشيء وهيئته وعلى معنى صفته ” (12) ، وهذا ما يقصد به الصورة الذهنية ، وهي ما أشار إليها احد الباحثين حين أوجز المفاهيم النقدية المتعلقة بمصطلح (الصورة) بثلاثة مفاهيم ، فـ ” إذا كان هناك مفهومان قد تميزا في تاريخ تطور مصطلح الصورة الفنية : قديم يتصل بحدود الصورة البلاغية في التشبيه والمجاز ، وحديث يتصل بالدلالة النفسية والدلالة الرمزية والدلالة الذهنية ، فإن هناك مفهوما آخر ذا منحى فلسفي وافى العربية مع الفلسفة اليونانية … دعَم الفصل بين الصورة والهيولي “(13) ، فالمعنى الثاني من هذه الإشتغالات على معنى (الصورة) هو ما يهم البحث .
وفي الانكليزية فأن (image) تتعدد شروحاتها ومنها ما يتوافق والمعنى المراد من المصطلح فهي : (الصورة الذهنية) و (الانطباع عند الناس) ، وفي الاشتقاق من اللفظة (imagination) بمعنى ( خيالي) ، يؤكد ما يذهب إليه استعمال المصطلح(14) .
والمعنى الاصطلاحي الذي اعتمده البحث يدخل ضمن مصطلح (Imagology) الذي تعددت ترجماته : (الصورولوجية ، دراسة الصورة ، علم الصورة) ، والبحث يفضل الترجمة الأخيرة .
فالصورة في ابسط تعريف لها هي ” شبيه أو مماثل تنعكس فيه ملامح الأصيل أو ابرز ما في هذه الملامح “(15) ، وهذه الملامح قد تكون شكلية أو باطنية ، فالصورة ” مفهوم واسع لحد معين ، فهي تحتوي المظهر الخارجي ، اللغة ، الملابس ، العادات ، والحركات ..الخ عند شخصية معينة “(16) ، على أن تتسم هذه الصفات بالثبات النسبي ومقاومة التغيير(17) ، وهي أيضا ” لغة رمزية داخل منظومة ثقافية ، وخيال إجتماعي”(18) ، لكن يستلزم هذا الخيال حتى تتحقق فيه معالم الصورة وجود رقابة قيمية(19) ، ومن هذا التعريف يمكن فهم ما حدده (سعيد علوش) في مفهوم (الصورلوجية) إذ جعل دراسة الصورة ضمن هذا الاصطلاح تعتمد على مفاهيم علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الإنسان من خلال تداخل العلوم الإنسانية بالأدبية(20) ، فيما عرف (غسان السيد) (دراسة الصورة) بأنها ” الدراسة التي تهتم بمعرفة الصورة الذهنية التي يشكلها شخص عن نفسه وعن الآخرين”(21) ، و (د.صباح واجد علي) بيّن مفهوم (علم الصورة) بأنه “نوع أدبي يتعاطى ومشكلة تمثيل (الآخر) ويمتد هذا النوع ليشمل ضروب المعرفة كعلم الإنسان مرورا بالأدب والفلسفة إلى علم الاجتماع والتاريخ بشكل عام ، …، إذ يتعامل مع الصور الأدبية عن الآخر”(22).
وفي النص الحكائي فإن دراسة الصورة أوسع من دراسة الشخصية التي تـُعتمد للتعرف على كينونة العناصر المحركة في العمل الدرامي ، وإلى هذا تذهب (يانوثا) حين تنقل رأيا للناقد (فولكنشتاين) بأن (الشخصية) بذرة الصورة(23) ، فإن الأخيرة تـُعد “جزءا من الخيال الاجتماعي ، والفضاء الثقافي أو الإيديولوجي الذي تقع ضمنه “(24) ، والدرس النقدي الذي يستقرئ الصورة الذهنية لكيان ما في الأعمال الأدبية يعتمد على ” تجميع الصفات المادية والمعنوية المبثوثة في العمل الأدبي ، سواء أكانت تلك الصفات مبثوثة من خلال الوصف الذي هو العمود الفقري في هذا الموضوع أو الحوار أو السرد “(25) ، ولما كانت النصوص المسرحية تقوم على وجود الحوار وغياب الوصف ، فإن التصوير فيها يكون محصورا بالحوار(26) ، وهي تتشكل من سير الأحداث مثلما تشارك في صنع الحدث بدورها(27).
ثانيا : التمثل أو التمثيل أو التصور Representation:
وهو مصطلح يرادف مصطلح (الصورة) في الدراسات النقدية الحديثة ، بل ويحل مكانه أحيانا ، ويعود استعمال المصطلح إلى العالم النفسي (فرويد) الذي اقتبسه من الفلسفة قاصدا به الصورة التي تتمثل في الذهن(28) ، وترجم المصطلح (Representation) أيضا بـ (التصور) ” ويستعمل للدلالة على ما نتصوره وما يكون المحتوى المحسوس لفعل التفكير ، … ، خصوصا لاسترجاع إدراك سابق “(29) ، فيما يربط (بول ريكور) التمثيل بالمحاكاة عند (ارسطو) مقررا ان التمثيل يشتغل في النص القصصي على تعميق المعنى وربط الشيء بالشيء(30) ، فالتمثيل يقرب للذهن فكرة الموضوع عن طريق نسخها بشكل صور أو رموز أو علامات(31) ، مما يجعله عملية تحيل المعرفة إلى صور يمكن التفكير بها(32).
والتمثيل حين يكون من وظائف اللغة فانه يعني ما يعبر به عن الأفكار بطريق اللغة أو هو التصوير اللغوي للتجربة والخبرة ، وحين يكون مصطلحا اجتماعيا فهو يرمي إلى معنى سياسي دالٍ على المصالح السياسية لجهة ما ، أو هو مصطلح يستعمل في موضوع الاتصال وفي هذا المجال فالتمثيل يرتبط بالأعراف والمعايير بغية إعطاء صور عن جماعات اجتماعية معينة (33) ، وعلى الرغم من تأثر التمثيلات بحسب التغيرات الزمانية والمكانية والسياسية(34) ، إلا إنها تأخذ مرتبة القانون إذا تبناها المجتمع في اتجاه معين(35) ، فهو يشير ” إلى كل واقع (موضوع ، علاقة ، صورة) يقيم علاقة تبادل مع واقع آخر ويحل مكانه … وبهذا المعنى يدرس علم النفس الاجتماعي (التمثيلات الجماعية ) او (التمثلات الاجتماعية) “(36).
ولتتبين العلاقة بين مفهومي الصورة والتمثيل ، لابد من توضيح لمفهوم (الترسيميّة schematisation ) الذي يمثله المخطط الآتي :
مكان المتكلم ترسيمية مكان السامع
أ صور (أ) – صور (ب) ب
مبني باعتبار مبنيات ثقافية صور (موضوع) معاد البناء تبعا لما اقترح من
مسبقة مبنيات ثقافية مسبقة
تمثيلات غائية ومن تمثيلات غائية
وفي هذا المخطط فان (ج.ب. غريز) يسمي كلا من (أ،ب) تمثيلات فيما الصور هي ما يظهر في النص(37) ، ومن هذا المخطط يتبين إن الصورة التي يخلقها النص في الذهن تختزل قيما ثقافية مشتركة بين المرسل والمرسل إليه ، لتجيب النصوص المتضمنة الصور عن الحراك الثقافي في هذه الصور أو جمودها على تمثلات مسبقة.
الهوامش:
() ينظر : النقد الحضاري في المجتمع العربي : 80
(2) ينظر : دور القنوات الفضائية الإخبارية في تشكيل الصورة الإعلامية والسياسية عن العراق (مقال) : 15
(3) كتاب العين : مادة (صور) : 535
(4) الصحاح : مادة (صور) : 2: 717
(5) م. ن. : مادة (صور) : 2: 717
(6) كتاب العين : مادة (وهم) : 1070
(7) الصحاح : مادة (وهم) : 6: 296
(8) اساس البلاغة : مادة ( ص و ر) : 434
(9) ينظر : القاموس المحيط : مادة ( الصُورَة) : 398
(10) تاج العروس : مادة (ص و ر) : 12: 357ـ 358
(11) ينظر : المفردات في غريب القران:381
(2) لسان العرب : مادة ( صور) : 4 : 546
(3) انثربولوجية الأدب – دراسة الاثار الادبية على ضوء علم الإنسان: 48
(4) ينظر : قاموس اكسفورد الحديث : 392 -393
(5) المعجم الادبي : 159
(6) نظرية الدراما : 88
(7) ينظر: دور القنوات الفضائية الاخبارية في تشكيل الصورة الاعلامية والسياسية عن العراق(مقال):14
(8) الادب العام والمقارن :93
(9) ينظر : م. ن. : 115
(20) ينظر : معجم المصطلحات الادبية المعاصرة : 137
(2) الأدب العام والمقارن : 89
(22) الإستشراق والبلقنة وخطاب انساق الهيمنة(مقال من شبكة المعلومات الدولية )
(23) ينظر : نظرية الدراما: 88
(24) تعريف مصطلح صورة الآخر(مقال من شبكة المعلومات الدولية )
(25) الوصف بين الشعر والنثر (مقال) : 20
(26) ينظر : في النقد المسرحي , د. محمد غنيمي هلال : 50
(27) ينظر : نظرية الصورة الذهنية وإشكالية العلاقة مع التنميط (مقال) : 135
(28) ينظر : سيكولوجية الأنوثة .. مرآة المرأة الأخرى : 20 / وقد اعتمد النقد الادبي المفهوم ذاته ؛ أي ان التمثيل هو “ارتسام الشيء في الذهن ” : المعجم الادبي : 78