تعليم اللغة بين القديم والحديث 
             ا.د. اوراس هاشم الجبوري /العلوم التربوية والنفسية  
حظي تعليم اللغة باهتمام كبير من اللغويين , وعلماء الاجتماع , وعلماء التربية , وعلماء النفس , وكان من نتيجة هذا الاهتمام أن تطوّر, وتبلور شيئاً فشيئاً حتّى أصبح علماً قائماً بذاته , له مصادره , كما أنّ له مجالاته. ومن هذه المجالات قد أصبح الآن علوماً مستقلّة , خاصّة علم اللغة الاجتماعيّ , وعلم اللغة النفسيّ, ومع هذه المجالات الكثيرة التي نراها في مؤتمرات علم اللغة التطبيقيّ  , فإنّ مجالاً واحداً يكاد يغلب على هذا العلم , وهو مجال تعليم اللغة سواء أكان لأبنائها أم لغير أبنائها .
 وهناك  نظرتا تباينت فيها التربية القديمة والتربية الحديثة نحو اللغة من حيث موقعها ووظيفتها , وطرق اكتسابها , واساليب تعليمها , فكانت التربية القديمة تنظر إلى اللغة على أنّها مادّة دراسيّة , تعلّم لذاتها , فأهملت بذلك كثيراً من النواحي الوظيفيّة للغة  وقد نتج عن هذه النظرة القديمة كثير من الأخطاء , يرجع بعضها إلى المناهج الدراسيّة , وبعضها إلى طرائق التدريس واساليبها , وبعضها إلى تحديد الغاية من درس اللغة. 
فمن الأخطاء التي وقع فيها واضعوا المناهج الدراسية  نتيجة تلك النظرة أنّ زيادة الثروة اللفظيّة والمبالغة في الاهتمام بالمصطلحات الجافّة , والقواعد النحويّة حتّى المهجورة منها , والألفاظ الغريبة التي يندر استعمالها أصبح من أوّليّات أهداف تلك المناهج , ومن انعكاسات تلك النظرة على طرائق التدريس أنّها ركّزت على المدرّس دون الطالب , فأصبح المدرّس يعتمد الإلقاء والتلقين , بينما ظلّ الطالب سلبيّاً , بعيداً عن المبادرة والإبداع , وتأثّر تقويم الدارسين تبعاً لذلك.
فأصبح المتفوّق منهم هو الذي يحفظ أكبر قدر من المعلومات و المفردات بغض النظر عن قدرته في استعمالها ,أمّا التربية الحديثة فترى أنّ اللغة وسيلة لا غاية , إنّها أداة الفرد للنجاح في التكيّف ضمن البيئة التي يعيش فيها , ونتيجة لهذه النظرة الحديثة نحو اللغة بدأ المدرّس يغير طرائق تدريسه , فأصبح يدرّب الطلبة على الاستعمال الصحيح للغة , لا تحفيظ مفرداتها وقواعدها, وأصبح يختار أمثلته ومفرداته من اللغة المستخدمة , لا اللغة الدارسة , وبدأت المناهج تسعى في أهدافها إلى إكساب الطلبة المهارات اللغويّة الأربع ( الاستماع والحديث والقراءة والكتابة ) محدّدة المهارات الفرعيّة لكلّ من تلك المهارات الأساسيّة الأربع في كلّ مستوى تعليميّ , مع الحرص على تقديم المادّة اللغويّة من البيئة المحليّة , والابتعاد عن كلّ ما هو غريب أو بعيد عن الاستخدام 
وترى التربية الحديثة أنّ مسؤوليّة تعليم اللغة لا تقع على عاتق معلّم اللغة وحده , بل على جميع العاملين في الحقل التربويّ ؛ حرصاً منها على ألاّ يسمع المتعلّم إلاّ ما هو سليم وصحيح , وبذلك أصبح تعليم اللغة منوطاً بكلّ معلّم مهما كانت مادّة تخصّصه .

شارك هذا الموضوع: