التعليم الأهلي بين التخطيط والتسويق
مقالة بقلم: إزهار محمد علي كاظم
جامعة كربلاء- كلية التربية للعلوم الإنسانية- قسم العلوم التربوية والنفسية
إن السباق الدائر بين أمم العالم المعاصر من اجل التقدم العلمي والاقتصادي والثقافي هو من مهام التربية والتعليم, ذلك أن قوة إي مجتمع لا تقاس بما يملكه من أساليب تكنولوجية وأيدلوجية وإنما يقاس بما يملكه من قوى بشرية واعية وبالتالي تكون مصدراً مستثمراً ومبدعاً للابتكار والتطوير والتجديد, وهذا التطور رهن بما يتوفر للإفراد من علم ووعي ومهارة وتنظيم, وبالتأكيد هذا يدار بمؤسسات أوجدها المجتمع للنهوض والتقدم, وذلك بإفساح المجال لتنمية هذه الطاقات من خلال توفير الفرص المناسبة التي تحقق له الفاعلية في مواقف الحياة المختلفة وعلى نحو ايجابي.
تعد الجامعات الركيزة الأساسية التي تعتمد عليها الأمم في تحقيق التقدم والرخاء لما لها من دور في رفد التطور والبناء بالقوى المؤهلة المتخصصة التي تعمل على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتسهم بدور واضح في زيادة المعرفة العلمية في المجتمع, وتعتبر في الوقت الحاضر أهم الحاضنات المؤهلة لإعداد الشباب ثقاقياً ودينياً واجتماعياً فيها, يحاول إن يتجاوز تناقض الوجود والعدم وبها يعطى معنى لحياته ورؤيا لصيرورته.
الجامعات هي ارفع المؤسسات التعليمية التي يناط بها توفير ما يحتاجه المجتمع من متخصصين وخبراء في مختلف مجالات التنمية وهي مصدر البحوث العلمية والتطبيقية والتي تعمل على رفد التقدم المعرفي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ولهذا تسعى الجامعات الى إحداث تغيرات في بنيتها ووظائفها وبرامجها تغيرات تتناسب مع ما يحدث في المجتمع للوصول به إلى أفضل المستويات العلمية والثقافية والصحية.
أذا ما أرادت الجامعات الرسمية والأهلية التقدم بخططها المستقبلية لابد لها التنسيق مع مؤسسات المجتمع الأخرى لضمان ارتفاع معدلات الأداء والإنتاج وممكن ان يكون للمؤسسات التعليمية الأهلية الأثر في المساهمة في دعم البنى الاقتصادية والثقافية والعلمية، حيث تعمل وفق مبدأ اشتراك المواطنين في تحمل مسؤولية تطور ونشر العلم إلى جانب التعليم الحكومي من خلال اجتذاب الاستثمار الخاص بشرط إن يبقى تحت إشراف الدولة.
تعد المرحلة الممتدة بين 1958حتى 1963 مرحلة مهمة في مضمار التعليم حيث حضي باهتمام ورعاية كبيرة من قبل الدولة فضلاً عن الجهود المبذولة من قبل القطاعات الخاصة , وبعد انتقال النظام الحكومي من ملكي الى نظام جمهوري, حصل إقبال شديد على التعليم وبأعداد كبيرة, مما دفع الحكومة إلى فتح مدارس جديدة لاستيعاب الإعداد الكبيرة من الطلبة, حيث وجدت الحكومة حل تلك المشكلة تمثل في ازدواج الدوام, وفتح باب التعيينات والدورات المكثفة, إتاحة الفرصة للتعليم الأهلي الخاص بالظهور بشرط ان يكون هذا التعليم تحت أنظمة وقوانين التعليم العراقي, وان يكون تدريس المواد فيها وفقاً للمناهج المقررة من قبل الدولة0
حيث شهدت العقود الأخيرة ظاهرة التوسع في التعليم الأهلي, ولغرض فهم واستيعاب هذه الظاهرة لابد من معرفة بداياتها والدوافع التي وقفت وراء تزايد إعدادها, بدأ التعليم الأهلي في عام 1963 من خلال تأسيس كلية الجامعة من قبل نقابة المعلمين وما لبث ان تغير اسمها ليحل محله اسم الجامعة المستنصرية, في سنة 1974 صدر قرار بإعادة تنظيم الجامعات لتصبح الجامعة المستنصرية مؤسسة تابعة إلى التعليم الرسمي, ثم ظهرت بعد سنة 1988 كليات أهلية منفردة, وفي مطلع عام 1996 ظهر قانون الجامعات والكليات الأهلية المرقم(13) كان انذاك عددها (9) كليات منها(كلية المأمون-كلية المنصور-كلية بغداد للعلوم الاقتصادية-كلية التراث-كلية الرافدين في محافظة بغداد, كلية الحدباء في الموصل, كلية شط العرب في البصرة ,كلية اليرموك الجامعة في ديالى, كلية المعارف في الانبار.
بعد عام 2003 وتعدد الحكومات في ظل الاحتلال الأمريكي انهار التعليم في العراق, وأصبح هناك تدني في معدلات خريجي طلبة الإعدادية, إلى جانب ازدياد أعدادهم من جهة أخرى, تفتح الكليات الأهلية ذراعيها لهم من خلال فتح باب القبول للطلبة الذين يصلون على معدلات متدنية بسبب لظروف والأزمات التي تعرض لها البلد, بعد ان كان التعليم في العراق يمتلك نظاماً يعّد من أفضل أنظمة التعليم في المنطقة العربية, بات على وشك الاحتضار وذلك بسبب الجامعات والكليات الاهلية غير الرصينة التي لا تجذب سوى الطلبة المنخفضة معدلاتهم لينافسوا إقرانهم في الكليات الحكومية, وهم طلاب عانوا ما عانوا للحصول على معدلات عالية يؤهلهم للدخول في هذه, ومن ثم ساهمت برفع نسبة البطالة بين صفوف الشباب, وهذا يعود إلى غياب التنسيق والتخطيط مع المؤسسات الحكومية في وزارتي التعليم العالي والتخطيط.
حثت وزارة التعليم العالي في مطلع سنة (2006) الطلبة الذين يرمون الدراسة في الكليات الأهلية التأكد من كونها مجازة ومعترف بشهادتها من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، حيث يعتبر التعليم الأهلي فرصة لا تعوض لمن لا تتحقق أمنياته في أكمال دراسته او فاتهم قطار التعليم لشتى الظروف، رغم بعض الصعوبات التي تواجههم منها زيادة مبالغ القبول الا ان الشرط الأساس هو حصول الطالب على شهادة الإعدادية والاستثناء من بعض الشروط كالعمر والمعدل مقارنة بالتعليم الرسمي.
ألقت المادة الثانية من قانون الجامعات والكليات الأهلية لسنة 1996 مسؤولية كبيرة على الكليات وهو الإسهام في أحداث تطورات نوعية وكمية في الحركة العلمية والبحثية والتربوية وفي مختلف النواحي النظرية والتطبيقية مستنيرة من التراث العربي والإسلامي, حيث أصبحت هذه الكليات احد الوسائل المساعدة لنشر التعليم في المجتمع في ضوء إستراتيجية التربية والتعليم العالي في تطوير التعليم وتوسيعه, هذا النوع من التعليم يستند إلى فلسفة تنطلق من مبدأ التكامل بين التعليم الرسمي والأهلي حيث يعد التعليم الأهلي احد الروافد المكملة للتعليم الحكومي كونه يسهم اسهاماً فعالاً في دعم البنى التعليمية والاقتصادية للبلد.
تواجه مؤسسات التعليم الجامعي الأهلي العديد من المشكلات والتحديات تقف حائلاً أمام تطورها فهي تعاني من ضعف واضح في مستلزماتها المادية ونتيجة ذلك أنها تفتقر الى بنايات تتناسب مع التطور الكمي والنوعي لذلك أصبحت اغلبها تعاني من نقص في القاعات الدراسية والمرافق الإدارية والى مكتبات متطورة ونقص في المختبرات والتجهيزات الخاصة للمختبرات مما يشكل خللاً واضحاً في التطبيقات العملية للطلبة, كذلك تعاني من نقص في الاختصاصات الطبية والهندسية والإدارية, إضافة الى ان عدداً منهم لا يمتلكون الخبرة العلمية والتربوية اللازمة, ولا شك ان ذلك ينعكس على المستوى العلمي للطلبة, كما تعاني الكليات الأهلية من انخفاض نسب القبول سنوياً وهذا يؤثر سلباً على إيراداتها المالية السنوية مما يحول دون تحقيق أهدافها المادية والتعليمية.
ان ازدياد أعداد الطلبة الخريجين من الجامعات والكليات والمعاهد الحكومية والأهلية أدى الى انتشار ظاهرة بطالة الخريجين وهذا يشير الى ان خطط التعليم العالي هي أحادية بمعنى التوسع دون ان توجد السوق الملائم لمخرجاتها، بينما يفترض منها التخطيط والتسويق معاً، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال؟
هل ان مخرجات هذه المؤسسات ذات جودة ونوعية عالية وبكفاءة تضاهي او تفوق مخرجات التعليم الحكومي، وهل تعمل على مبدأ الربح والاستثمار أكثر من اهتمامها بالمنهج العلمي الرصين الذي يجب ان يواكب تطور المجتمعات، وهل هي ملجأ للطلبة الذين يحصلون على معدلات متدنية وهل ان التطور الكمي في اعداد الطلبة يصاحبه تطور في نوعية وكفاءة التعليم.
ان التعليم العالي الأهلي ينبغي منه ان يبحث عن مستجدات عمل السوق الحالية على المدى القريب والبعيد، كما ان الاتجاهات الاقتصادية والسياسية والفكرية تلقي على عاتق التعليم الأهلي مسؤوليات لتنشيط مفاصلها ومعالجة مشاكلها والبحث باستمرار عما هو جديد ومتطور سواء على صعيد اختيار المناهج والمفردات الدراسية والاستعداد لتلبية احتياجات المجتمع وسوق العمل ومن خلال ذلك نستطيع ان نقارن بين المخرجات والنتائج التي أحدثها التعليم الاهلي.