كلية التربية للعلوم الإنسانية/ قسم العلوم التربوية والنفسية
م.م حنين كاظم هندي الحسناوي
التحليل النفسي للشخصية الباحثة عن الكمال
تعد الشخصية الباحثة عن الكمال (Perfectionist Personality) من أكثر الأنماط شيوعًا وتعقيدًا في علم النفس. يسعى هذا النمط من الشخصيات إلى تحقيق معايير عالية جدًا في جميع جوانب حياتهم، حتى لو كان ذلك على حساب راحتهم النفسية والجسدية. وعلى الرغم من أن هذا السلوك قد يُظهر التزامًا وانضباطًا، إلا أنه غالبًا ما يترافق مع ضغوط نفسية ومشاكل عاطفية. في هذا المقال، سنستعرض خصائص هذه الشخصية وأسباب تكوّنها وتأثيراتها النفسية والاجتماعية.
خصائص الشخصية الباحثة عن الكمال
وضع معايير غير واقعية:
يسعى الشخص الباحث عن الكمال إلى تحقيق أهداف ومعايير تفوق ما يمكن تحقيقه في العادة، ويشعر بعدم الرضا حتى لو حقق إنجازًا قريبًا من تلك المعايير.
الخوف من الفشل:
يتمحور تفكير هذه الشخصية حول تجنب الأخطاء بأي ثمن، إذ يعتبر الفشل تهديدًا لصورتهم الذاتية.
انتقاد الذات والآخرين:
يميلون إلى القسوة على أنفسهم إذا لم يحققوا توقعاتهم، كما قد يكونون شديدي الانتقاد للآخرين.
السعي المستمر للموافقة:
تعتمد ثقتهم بأنفسهم على مدى قبول الآخرين لهم، مما يجعلهم في حالة توتر دائم.
التردد والمماطلة:
غالبًا ما تؤدي رغبتهم في الكمال إلى المماطلة، إذ يخشون البدء أو إنهاء المهام ما لم تكن “مثالية”.
الأسباب النفسية لتكوّن الشخصية الباحثة عن الكمال
تتأثر الشخصية الباحثة عن الكمال بعوامل متعددة تتشابك لتشكيل هذا النمط السلوكي، ومنها:
التنشئة الأسرية:
يمكن أن تنتج هذه الشخصية عن نشأة في بيئة تضع معايير صارمة أو تُظهر حبًا مشروطًا بالأداء والإنجاز.
النقد المفرط من قبل الوالدين أو الإشادة بالمثالية فقط يعزز هذا السلوك.
التوقعات المجتمعية:
ضغط المجتمع لتحقيق النجاح يمكن أن يخلق رغبة مفرطة في تحقيق الكمال.
وسائل التواصل الاجتماعي تساهم في تعزيز هذه الظاهرة من خلال إظهار حياة مثالية يصعب تحقيقها.
السمات الوراثية والشخصية:
تشير بعض الدراسات إلى أن بعض الأفراد قد يكون لديهم استعداد وراثي للقلق والتوتر، مما يجعلهم أكثر عرضة للسعي نحو الكمال.
الخوف من النقد أو الرفض:
يرتبط الكمال بالخوف من فقدان الحب أو التقدير، مما يجعل الشخص يرى الكمال كوسيلة للحفاظ على العلاقات الاجتماعية.
التأثيرات النفسية والاجتماعية
القلق والاكتئاب:
يرتبط البحث عن الكمال بمستويات عالية من القلق والشعور بالإحباط، خاصة إذا لم يتم تحقيق الأهداف.
يمكن أن يؤدي إلى الاكتئاب بسبب الشعور المستمر بالفشل.
الإرهاق النفسي والجسدي:
يؤدي التركيز المفرط على التفاصيل إلى استنزاف طاقة الشخص، مما قد يؤثر على صحته الجسدية.
ضعف العلاقات الاجتماعية:
الميل لانتقاد الآخرين أو التوقعات المبالغ فيها قد يؤدي إلى توتر العلاقات الشخصية.
تأثير سلبي على الإنتاجية:
يمكن أن تؤدي المماطلة والخوف من عدم الكمال إلى تأخير إنجاز المهام أو تراجع الأداء العام.
استراتيجيات للتعامل مع الشخصية الباحثة عن الكمال
إعادة تقييم المعايير:
يجب تعلم وضع أهداف واقعية ومناسبة للظروف المحيطة.
تقبل الأخطاء كجزء طبيعي من عملية التعلم.
تعزيز القبول الذاتي:
ممارسة التحدث الإيجابي مع النفس، وتذكير الذات بالقيمة الشخصية بعيدًا عن الإنجازات.
التركيز على التقدم بدلاً من الكمال:
تطوير عقلية تُقدّر التحسن المستمر بدلاً من التركيز على المثالية.
التدريب على الاسترخاء:
استخدام تقنيات مثل التأمل أو التنفس العميق للتخفيف من التوتر الناتج عن الضغط لتحقيق الكمال.
طلب المساعدة المهنية:
في الحالات الشديدة، يمكن أن يساعد العلاج النفسي (مثل العلاج السلوكي المعرفي) في تعديل أنماط التفكير والسلوك.