العولمة وانعكاساتها على التنمية
م.م مصطفى مكي الفتلاوي
قسم الجغرافية التطبيقية
ان العولمة هي نمط اقتصادي واجتماعي وثقافي وسياسي بنموذج غربي متطور خرج بتجربته من حدوده إلى عولمة الآخر. فالعولمة مدعومة بالتطور التقني الذي يسهل كثيرا معه تدفق المعلومات وانتشار السياسات حول العالم، وللدول النامية نصيب كبير من تفاعلات العولمة.
تعتبر التنمية: من أهم القضايا على الساحة العالمية حيث تتباين مداخلها وأساليبها وكيفية حدوثها، وتتزايد حدة هذه القضية في ظل المتغيرات العالمية الجديدة، حيث حظيت قضايا التخلف والتنمية باهتمام متعاظم في البلاد النامية منذ حصولها على الاستقلال والتحرر الوطني في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ولقد التزمت أغلب حكومات الدول النامية منذ ذلك الحين بالمنهج التنموي، وأخذت في تطبيق سياسات واستراتيجيات، ومداخل وأساليب متعددة للقضاء على التخلف بأبعاده المختلفة، وتحقيق التنمية كهدف منشود، إلا أنها بالرغم من مرور السنوات لا تزال تعاني من أعراض التخلف ومظاهره، ولم تحقق مستويات معيشية مرضية لشعوبها .
بدأت تداعيات مفهوم العولمة في أوائل تسعينات القرن الماضي، بالتزامن مع سقوط الاتحاد السوفياتي، حيث برزت آثارها في كل النواحي الحياة الاقتصادية و الإجتماعية و الثقافية و السياسية، وتمدد نشاطها في كل العالم، حيث تأثرت بها البلدان المختلفة بخاصة بلدان العالم الثالث، وأصبحت جزءا رئيسيا من شخصيتها و توجهاتها .
 تعرف العولمة على أنها:”هي عبارة عن متغير يشمل جميع نواحي الحياة، لم يشهد التاريخ له مثيلا، ذلك أنه يشمل تغييرات جذرية في الاقتصاد، والسياسة والثقافة والاجتماع والتكنولوجيا، هدفها تهيئة الأجواء لمرحلة اقتصادية جديدة، تتميز بعدد من الأنماط والاشكال
ان للعولمة عدة ابعاد منها البعد الاقتصادي وتعني العولمة الاقتصادية وسائل الإنتاج، وتعاظم دور القطاع الخاص واقتصاديات السوق، وسيادة السوق عالميا، والانفتاح التجاري وإلغاء القيود التجارية، وتوفير فرص للتبادل التجاري عبر الحدود، مع إلغاء الحماية الجمركية، مما يوجب بإلغاء الدولة أو تعديل شكلها، البعد السياسي ويشمل البعد السياسي في تدمير قوة الدول والقوميات والشعوب وانحسار السياسات الوطنية وتفكيك القوى السياسية، البعد الثقافي ويهتم البعد الثقافي بالقيم الرمزية من لغة وعادات وأفكار التفكير، وانتقالها من الهوية الخصوصية الإقليمية إلى مجتمع آخر وتجاوزها ماوراء الحدود، وتوجيه الأفكار والقيم بين مختلف شعوب العالم، بوسـائل سياسـية واقتصادية وثقافية وتقنية متعددة .
اما التنمية لقد تباينت الآراء حول مفهوم وتطبيقات التنمية، بفعل الخلافات الإيديولوجية التي تتبع خيارات اقتصادية واجتماعية وسياسة بدأ ظهور التنمية في علم الاقتصاد فقد عرفت أنها هدف عام وشامل لعملية ديناميكية تحدث في المجتمع وتتجلى مظاهرها في تلك السلسلة من التغيرات البنائية والوظيفية التي تصيب مكونات المجتمع، وتعتمد هذه العملية على التحكم في نوعية وحجم الموارد المادية والبشرية للوصول إلى أقصى استغلال ممكن بهدف تحقيق الرفاهية المنشودة للغالبية العظمى من أفراد المجتمع
ان للتنمية عدة ابعاد منها البعد الاقتصادي تطلب عملية التنمية الاقتصادية استخدام المزيد من الموارد وعلى أساسها يتحدد تأثير التنمية الاقتصادية على البيئة من حيث تدهورها أو تلوثها. وعلى صانعي القرار في الدول اتخاذ بعض القرارات الاقتصادية التي من شأنها تحقيق السلامة البيئية ومثال على ذلك وضع ضرائب على التلوث البيئي وهذا ما سيساعد على تشجيع التخطيط الجيد والشامل للموارد على المدى الطويل وتقسيمها بطريقة عادلة لضمان استدامة الدخل والعدالة بين الأفراد . وعليه تتطلب عمليات التنمية الاقتصادية استخدام المزيد من الموارد الطبيعية والبشرية لما لها من تأثير على المشاريع في النمو والتطور وزيادة الإنتاج، وتحقيق أقصي حد من الرفاهية  من جراء الأنشطة الاقتصادية مع المحافظة على الموارد الاقتصادية على مر الزمن لضمان استدامة استغلالها وضمانا لتحقيق التنمية الاقتصادية عامة، البعد البيئي يمثل البعد البيئي أهم الأبعاد التي ترتكز عليهم التنمية المستدامة لأن هذا البعد البيئي يمثل نقطة الصدارة في سلم الاهتمامات القومية ولذلك يقع على الحكومة والأفراد الحفاظ عليه والعمل على تطويره وتحسينه حتى تكون قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية وعلى إتاحة الفرصة لحياة أفضل للأجيال الجديدة ،البعد الاجتماعي يعكس بصفة خاصة البعد الاجتماعي الواسع لعملية التنمية باعتبارها عملية تغيير وإعادة بناء شامل للنظم الاجتماعية والاقتصادية القائمة. وإن غياب الاهتمام بالأبعاد الاجتماعية في إستراتيجية التنمية المطبقة في الدول كان السبب في فشل الكثير من البرامج التي حاولت تحقيق التنمية في تلك الدول. حيث أن التنمية لا تكون إلا من خلال ممارسات الأفراد حيث تزيد قدرتهم على إحداث اضطرابات  في القوى الطبيعية  وتصل  إلى درجة إحداث تغييرات وتأثيرات على تلك المشاريع والمؤسسات، ولذلك وجب الاهتمام أكثر بالأفراد في سياسة التنمية المستدامة و في برامج الاستثمار الرامية إلى حفز التنمية.
وفيما يلي نستعرض انعكاسات العولمة الايجابية والسلبية على واقع التنمية الانعكاسات الإيجابية للعولمة في تفعيل التنمية: الانعكاسات الاقتصادية  بديل مقبول للدول النامية من خلاصها من مأزق التخصص في تجارة منتجات متدنية أولية وذلك بتطعيم المؤسسات القائمة بشركات متعدد الجنسيات، والاهتمام بالمهارات التفاوضية ،إمكانية خفض تكلفة التمويل بالنسبة للقطاعات المختلفة بمشاركة رأسمال الأجنبي، ومن ثم زيادة قدرة السلطات النقدية على تكوين مستويات عالية من الاحتياطات الدولية .الانعكاسات الاجتماعية والثقافية يمكن الاستفادة من المعلوماتية والانترنيت في مجال الإطلاع المستمر على أحدث المنجزات العلمية في المجالات الطبية والهندسية والاجتماعية، في حال وجود كوادر تمتلك القدرة على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة، وبذلك نستطيع التعرف على المنجزات الحديثة التي تساعد في حال استثمارها على تحسين نوعية التنمية الاجتماعية والاقتصادية وخاصة قطاعي التعليم والصحة وهما من الأسس الرئيسة لبناء وتنمية الإنسان وأهم عناصر بناء الأوطان ومواجهة المشاكل التي تواجه البلدان من خلال إيجاد الحلول المناسبة، وكذلك تطور العولمة وتسرع عملية البحث العلمي .الانعكاسات السياسية يمكن إيجازها في الدعوة إلى تضافر جهود الإنسانية عبر تزايد التبادل التجاري والسلعي والخدمي وكذلك إدارة الموارد البشرية لخدمة الإنسانية مجتمعية ففي زمن العولمة ازداد الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان، وزاد معها التركيز على التزامات الدول حول موضوع حقوق وواجبات رعاياها، فأصبح موضوع حقوق  الإنسان جِزءا من القانون الدولي. إضافة إلى تمكن منظمات حقوق الإنسان في العالم الثالث، من عمل مجموعة شبكات لحقوق الإنسان متعددة الجنسيات، تضم جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان في العالم .
الانعكاسات السلبية للعولمة في عرقلة التنمية الانعكاسات الاقتصادية: الضغط على حكومات دول العالم الثالث، فإمبراطورية العولمة بمعناها الاقتصادي الاستعمار الجديد التي تقوم القوى الكبرى في العالم من خلالها بدور رئيسي في الضغط على حكومات دول العالم الثالث وتوجيه سياستها نحو تحقيق مصالحها الذاتية بإيهامها بأساليب ووسائل وسبل مختلفة ليمكنها الاستمرار في الحكم من خلال عقد الاتفاقيات الثنائية غير المتكافئة ،إضعاف قـوة مـوارد الثـروة الماليـة العربيـة المتمثلـة بـالنفط الـذي يعـد مصدرا رئيسيا واستراتيجيا لكثير من الدول العربية حيث يتم اضعاف أهميتـه كسلعة ، حينما تم اسـتثناؤه من السلع التي تخـضع لحريـة التجارة الدولية أسوة بتجارة المعلومات مـن تخفـيض الـضرائب والقيـود الجمركيــة المفروضة عليها من الدول المستهلكة الانعكاسات الاجتماعية والثقافية: الترويج للنمط الغربي في أسلوب الحياة والسلوك عبر وسائل الاتصال بأنواعها وأشكالها كافة، كذلك تعميق التفاوت الاجتماعي عبر الأخذ بالليبرالية الجديدة وقيام الدولة بإجراءات التكيف مع هذه الفلسفة الاقتصادية، فيتم تقليص دور القطاع العام لصالح تمدد القطاع الخاص والشركات متعددة الجنسية مما أدى إلى زيادة معدل البطالة والفقر وتوسيع درجة اللامساواة في توزيع الدخل والثروة ومن ثم تعميـق التفـاوت الاجتمـاعي ، وأيضا العولمة تعمل على إيقاظ الانتماءات الأولية(طائفية، قبلية، مذهبية، جهوية) تحت شعارات إشاعة الديمقراطيـة والليبرالية، والدعوة إلى الشفافية، واحترام حقوق الإنسان وحقوق الأقليات وحقوق المرأة . وسـاعد في ذلك، ضعف دور الدولة،الانعكاسات السياسية يعتبر المجال السياسي الأكثر حساسية للتغيرات التي فرضتها العولمة، على اعتبار أنه الأكثر ارتباطا بالتحولات الاقتصادية، لاسيما مع دخول سياسة اقتصادية جديدة يمكن اعتبارها اللغة التي سيتم وفقها فرز الأنظمة السياسية القائمة إضعاف سلطة الدولة الوطنية أو إلغاء دورها وتقليل فاعليتها، ما يستهدف تفتيت وحدة إثارة النعرات الطائفية و إثارة الفتن داخل الدولة الواحدة كما حدث في السودان، محاولة فرض نظام سياسي معين على العالم، فبانهيار الاتحاد السوفييتي ارتفعت الصيحات في المعسكر الآخر مبشرة بانتصار الأنموذج الغربي وفلسفته التي يقوم عليها، باعتباره النموذج الأمثل ولكن يجدر الإشارة أنه الشكل الذي يضمن تحقيق المصالح الغربية أفضل مما عداه.
 

شارك هذا الموضوع: