كورونا الجائحة التي تستهدف مراكز القوى في العالم
م.د فرقان النصراوي/ قسم الجغرافية التطبيقية/ جامعة كربلاء
 
      منذ اعلان الصحة العالمية في الثلاثين من كانون الثاني حالة الطوارئ العالمية العامة وأن كوفيد 19 وباء عالميا أو جائحة كما أسمته في الحادي عشر من آذار، وأكثر ما يراود الانسانية ويدور في خلجها من تساؤلات هي: ما مصدره؟ ولمَ التباين والاختلاف في توزيعه وانتشاره؟ وما سُبل الخلاص منه؟ 
     ولا أجد تساؤلا أقرب إلى النهج الذي ينتهجه الجغرافيون في تتبع الظواهر ومحاولة إيجاد التفسيرات المنطقية لها، من التساؤل عن التباين في انتشار الفايروس زمانا، وفي توزيعه مكانا. فمنذ تسجيل أول اصابة بهذا الوباء أو المريض الصفر في مقاطعة هوبي من مدينة ووهان في 17/تشرين الثاني ولغاية أواخر كانون الأول حيث أدرك الاطباء انهم يتعاملون مع مرض جديد نتيجة فيروس متطور أو معدل جينيا على مذهب البعض وبما لم يحيطوا به خبرا, نجحت الصين بتطبيق اجراءات الحجر الصحي في المدينة المذكورة وفي المدن الواقعة على محيطها, ولكن لم يلبث الوباء أن ظهر وبشكل كبير في ثلاث دول كوريا الجنوبية إيران ايطاليا, وهذه التنقلات وأن كانت متصورة مع كوريا الجنوبية المحاذية للصين إلا إنها غير متعقلة بالنسبة لإيران وايطاليا نظرا للمجال الجغرافي الكبير الفاصل هذه الدول حيث تقع الاولى إلى الغرب من قارة آسيا والثانية في قارة اوروبا ومع التسليم بانتقال عدوى الفيروس بالمقاربة لأقل من 1م أو بالملامسة يكون الاحتمال الطبيعي الأكثر قبولا في نقل العدوى هو استمرار الرحلات التجارية والاسفار من وإلى الصين, إذ لم تفرض منظمة الصحة العالمية قيودا تحد أو تحضر السفر من وإلى الصين إلا في 3/ شباط أي بعد زهاء اربعة اشهر, وبهذه الكيفية انتقلت العدوى إلى بقية مدن واقاليم المعمورة تباعا, سيما ونحن نعيش عصر العولمة والتقدم العلمي والتكنولوجي الذي قارب المسافات وصيّر العالم قرية واحدة . 
      من ثَمَ يجد الناضر إلى الخريطة الآنية لتوزيع الاصابات حول العالم تفاوتا جليا يتجلى في حقيقتين, اولاهما: أن معدلات انتشار المرض في العالم المتقدم أسرع منها في العالم النامي, وثانيهما: وهذه الحقيقة تترتب على سابقتها أن معظم الاصابات والبالغة (3.956.621) تتركز  في ثلاثة أماكن رئيسية, قارة اوروبا التي تحتضن 32% من اعداد المصابين وقارة امريكا الشمالية متجاوزة 35% وقارة آسيا 12% وهنا تتأكد الحقيقة ايضا إذ تتركز الحالات في شرق قارة آسيا الأكثر تقدما واستقرارا اقتصاديا, وتتوزع الحالات المتبقية على بقية المعمورة .
ويبدو أن في هذا التوزيع عمومية قـد تُوهم أن حالات الاصابة تتركز في هذه الاقاليم في الدول الفقيرة والتي تعاني من ضعف في البنية التحتية الصحية، ويدفعها التوهم أن حالات الاصابة تتركز في اوروبا في الدول الأكثر رقيا وتقدما هي المملكة المتحدة، فرنسا، المانيا، ايطاليا، اسبانيا، روسيا، وتشكل هذه الست 96% من اجمالي عدد الاصابات في عموم القارة.
أما في قارة امريكا الشمالية فتتركز الاصابات في الولايات المتحدة، الدولة الأولى عالميا في المجالات الحاسمة للقوة كما يجدها أكثر المحللين 93% ثم كندا فالمكسيك وهي الأقل بنسبة 0.002 ولذا باتت ملجأ يقصدها الامريكيون هربا.
      وأما قارة آسيا فتتركز الاصابات في شرقها وجنوبها الشرقي اولا في الصين المصدر الرئيس للوباء من ثم سنغافورة فاليابان فبنغلادش وكوريا الجنوبية فتايلاند، وخلا بنغلادش فان هذه الدول تعد رائدة في المجالات الصحية والاقتصادية، والى الجنوب حيث تتصدر الهند جوارها الجغرافي بأعداد المصابين الذي جاوز 56.500 اصابة وإلى الغرب تبرز عدة بؤر جديدة للمرض في كل من تركيا، إيران، العربية السعودية ثم قطر فالأمارات العربية المتحدة.
      ويبدو الكلام مفتقرا للتمامة بخصوص التفاوت حول بؤر الوباء وسرعة انتشاره ولَمّا تتم الاشارة إلى تصنيف الدول بحسب جودة وتكامل نظام الرعاية الصحية والأبحاث المختصة فيها، ومهارة الكادر الطبي وكفاءته، والتجهيزات المتوفرة والطرق الحديثة في التشخيص والعلاج، ومدى قرب المرافق الصحية، مع الأخذ بالحسبان الظروف البيئية، مثل الحصول على مياه الشرب والصرف الصحي، ومدى جدية الحكومة في فرض عقوبات على مختلف السلوكيات المضرة بالصحة مثل التدخين والسمنة.
      وبحسب أحدث التقارير الذي نشرته مجلة سيو ورد باللغة الانكليزية يتضمن تصنيف 86 دولة، نجد أن أفضل عشرة دول عالميا الرائدة في هذا المجال هي تايوان ثم كوريا الجنوبية واليابان والنمسا والدانمارك وتايلاند تليها إسبانيا وفرنسا وبلجيكا وأستراليا.
وبحسب تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية، فإن إسبانيا تتمتع حاليا بأعلى أمد للحياة عند الولادة، من بين كل دول الاتحاد الأوروبي، حيث إن نظام الرعاية الصحية الشاملة في إسبانيا يوفر الخدمات المجانية في العديد من المجالات الطبية مع معايير الكلفة وقرب المرافق الصحية.
أما الدول الأسوأ في تصنيف الرعاية الصحية -والتي حلت في المراكز الأخيرة -فهي كل من بنغلاديش في المركز 85 وأذربيجان 86 والعراق 87 وفنزويلا 88 والمغرب 89.
      وها هنا تتأكد المفارقة في توزيع الوباء وبؤر تركزه حول العالم، فجميع الدول المتقدمة في المجال الصحي وبحسب المعايير الدولية تعاني من ارتفاع نسب للإصابة وبعضها غدى بؤرة للوباء، في حين أن جميع الدول التي جاءت في المركز الاخير في المجال الصحي وبحسب المعايير آنفة الذكر لم تُسجل إلا نسبة منخفضة جدا لا بمعنى أنها الأقل على مستوى العالم بل بمعنى أن عدد الاصابات فيها لا يرقى إلى مستوى الأزمة، خلا بنغلادش التي تجاوزت اصاباتها العشرة آلاف إصابة.
وخلا فنزويلا والمغرب اللذان يبدوان أوفر حظا في ابتعادهما عن أماكن تركز الوباء, فإن كل من العراق وأذربيجان يُحاذيان بلدان يصدق عليها موبوءة, فكلاهما يجاور إيران البؤرة الثاني للوباء بالتسلسل الزمني بعد الصين والتي سجلت 104.691, وتجاور أذربيجان روسيا التي سجلت 187.859, أما العراق الذي يتشارك بأكثر من 1300 من حدوده مع إيران وبأكثر من 350كم مع تركيا التي بلغت الاصابات فيها 133.721 وأكثر من 800 كم مع العربية السعودية التي سجلت 35.432, وجميعها ولغاية يوم الجمعة الثامن من آيار موعد تسجيل جميع الاحصاءات المتقدمة, ولم يسجل العراق سوى 2.543 إصابة, واسقاط هذه الاحصاءات على الخريطة يظهر العراق محاطا ببؤر للوباء في شماله وشرقه وجنوبه الغربي .
      إن هذا التباين مما لا يخفى على ذي لُب، وأما تفسيره فتعددت فيه الاقوال وذهبت الخاصة والعامة في تفسيره مذاهب شتى، ولا اخاله خافيا على حصيف الرأي ثاقب البصيرة.












www.furkan1987@gmail.com
 

شارك هذا الموضوع: