م.م تراث عبد الكاظم عبد الله
كلية التربية العلوم الإنسانية
قسم الجغرافية التطبيقية
الطلاق الاسباب والحلول
لقد كرم الله سبحانه وتعالى الإنسان وفضله على سائر المخلوقات بأن خلق له من بني جنسه زوجا يسكن إليه وجعل المودة والرحمة بينهما من خلال ميثاق غليظ ومقدس تمثل بعقد الزواج قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة). وقد شرع الإسلام للأسرة نظاما اجتماعيا رصينا ومتكاملا يكفل لكلا الزوجين المشاركة والاستقرار الاجتماعي في حياتهم الزوجية وفقا لعدد من الضوابط الإنسانية والآداب العامة التي تكفل سعادة الأسرة وتنشئة الأبناء نفسيا واجتماعيا بعيدا عن كل ما يمكن أن يهدد هذا الاستقرار الأسري عند التعرض للمشكلات والمصاعب التي لا مناص من مواجهتها في الحياة.
ويعد الطلاق واحدا من اخطر المشكلات الاجتماعية التي تهدد كيان الأسرة وضياعها والتي تؤدي إلى انهيار المجتمع وتفكهه، فعلى الرغم من جوازه شرعا قال تعالى: (الطلاق مرتان، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، يبقى الطلاق يمثل قضية يجب الوقوف عندها ومعالجتها بالبحث والدراسة بعد تفشى الظاهرة وانتشارها الواسع في مجتمعنا.
واللافت للنظر أن دعاوى الطلاق ازدادت بين المتزوجين وبنسب ملحوظة وتصاعدية في فترة ما بعد عام ۲۰۰۳ م ، وقد شكل هذا تحديا خطيرا للمجتمع ونظرته الموروثة لمفهوم الطلاق ، بل وشكل منعطفا خطيرا في نظرة المجتمع إلى الطلاق واستسهال الموضوع اسريا واجتماعيا بعدما كان أمرا معيبا وغير مرغوب فيه في السابق.
اسباب الطلاق
١.الزواج المبكر: يعد واحدا من الأسباب الرئيسة لانتشار ظاهرة الطلاق ، كون أن الزواج في عمر اقل من ١٨ سنة يسبق عملية النمو الجسدي والنفسي والاجتماعي والثقافي للفتى والفتاة فكلا الطرفين غير مؤهلين نفسيا أو اجتماعيا فيتم الانتقال من مرحلة المراهقة إلى الحياة الزوجية وفي هذه الحالة غالبا ما يعيش الزوجان القاصران في كنف العائلة ويتبع النمط التقليدي والاجتماعي، فالزوج يصبح مسلوب الإرادة ولا يقدر على اتخاذ القرارات والزوجة لا تستطيع تحمل المسؤوليات والصعوبات لقلة تجربتها وانعدام خبرتها بمسالة التعايش والتكيف إلى جانب زيادة تفكيرها الخيالي وعدم نضجها فضلا عن جهلها بكيفية التعامل مع الزوج واحتياجاته الخاصة هذا ما قد يخلق نوعا من النفور حتى من أنوثتها وبالتالي قد تصاب ببعض المشاكل النفسية التي تؤثر عليها ولا تؤهلها مجددا للاستمرار داخل الحرم الزوجي، وعليه فالزواج المبكر للطرفين يؤدي في بعض الأحيان إلى الطلاق كون إن الطرفين غير مؤهلين نفسيا واجتماعيا وحتى صحيا بشكل كاف لفهم الزواج وتقدير مسؤولياته وبالتالي تحمله بجدارة .
٢.العقم مما لا شك فيه إن وجود الأطفال يعتبر عاملا هاما في المحافظة على الحياة الزوجية واستقرارها والحيلولة دون انهيارها، لأن وجودهم يزيد من الترابط بين الزوجين من ناحية ويشعرهما بمسؤوليتهما تجاه الأطفال من ناحية أخرى، كما يجعل كلا الطرفين أكثر مرونة في معالجة المشاكل الزواجية التي تعترضهما دون اللجوء إلى الطلاق، وعلى العكس من ذلك إن عدم أنجاب الأطفال يعرض حياة الأسرة إلى الانهيار، فكثيرا من الأزواج لا يستطيعون الاستغناء عن الأطفال فيكون عقم الزوجة مسوغا للزواج من زوجة ثانية وسببا لطلاق الزوجة الأولى التي لم تنجب ، فوجود الأطفال يدعو كلا الزوجين إلى الحرص على التصرف بروية وتعقل في حل المشاكل الأسرية وعدم اللجوء إلى الطلاق منهما على مستقبل أطفالهما ، ولقد ثبتت من الدراسات الاجتماعية إن هناك علاقة عكسية بين عدم وجود الأطفال وارتفاع معدلات الطلاق .
٣.الخيانة الزوجية: يحدث الطلاق بسبب الخيانة الزوجية من طرف الزوج لعدم التجاوب من قبل زوجته ولاهمالها مظهرها وعدم مشاركتها أحاسيسه ومشاعره وهذا مما يدعو إلى تعلق بامرأة أخرى يجد عندها ما نقص في زوجته ، فهذه العلاقة في كثير من الأحيان تؤدي إلى الانفصال دائم أو مؤقت أو إلى الطلاق بين الأزواج، ومن جانب آخر فان للشك والريبة والغيرة المرضية واتهام احد الزوجين الآخر دون دليل مقنع يكون سببا في فساد العلاقة الزوجية وتوترها واضطرابها، فكثير من الآراء تتفق حول استحالة استمرار العلاقة الزوجية بعد حدوث الخيانة الزوجية ولا سيما في حالة المرأة الخائنة، أما في حالة خيانة الرجل فتختلف الآراء وتكثر التبريرات التي تحاول دعم استمرار العلاقة.
٤. تدخل الأهل بعد تدخل الأهل في خصوصية الحياة الزوجية دورها السلبي المؤثر في مدى استمراريتها بل تعد واحدا من الأسباب المهمة التي تؤدي إلى الكثير من حالات الطلاق في مجتمعاتنا حيث مازال الخضوع للقيم والعادات والتقاليد التي تحدد التصرفات العائلية وتؤكد أهمية خضوع الابن أو البنت للأهل حتى بعد بلوغهم ، فتدخل الأهل في شؤونهم الخاصة منها ما يتعلق بإنجاب الأطفال وتربيتهم وهناك أمور تتصل بتدبير شؤون المنزل والتدخل في الشؤون المالية إلى جانب تنظيم العلاقات ببقية شؤون الأسرة ، ناهيك عن التوجهات الخاطئة التي تدمر الأسرة من خلال تحريض أحد الطرفين على مشاكسة الطرف الآخر خلافا لما أمرنا به ديننا من توجيه النصح وفق منهج الإسلام وشريعته ، فالتدخل في شؤون الزوج والزوجة يمكن أن يؤدي إلى خلق حالة من التوتر والاضطراب داخل البناء الأسري الذي سرعان ما يتعرض إلى الانهيار إذا استمر التدخل في شؤون كلا الزوجين ، حيث إن كل من أسرتي الزوج والزوجة طبيعة حياة أسرية خاصة بها من حيث مدى استقرارها أو صراعها الداخلي فمثل هذا التدخل لا يخدم استقرار الأسرة.
٥. الأزمات الاقتصادية: يلعب العامل الاقتصادي دورا مباشرا في استقرار الحياة الزوجية حيث إن انتظام العمل وتوفير المدخرات وسد احتياجات الأسرة يعنى الاستقرار، وعلى العكس فأن انخفاض الدخل هي الحالة التي تعني عجز الزوج عن تلبية حاجاتها بسبب ضعف حالته الاقتصادية والذي من شأنه يخلق المشاحنات والصراعات المستمرة مع زوجته بسبب عجزه عن توفير متطلباتها الأساسية أو حتى الكمالية فيما يتعلق بالملبس فتحدث بعض المشاكل بين الأزواج أو حتى مع أطفاله ، لأنه في نظرهم يعتبر مقصرا بحقهم وغير قادر على توفير مقومات العيش لعائلته أو حتى لنفسه، ولا يخفى إن مثل هذه الظروف تؤثر تأثيرا كبيرا على معنويات الزوج وحياته السيكولوجية مما يعرضه إلى الإمراض العصبية والنفسية التي غالبا ما تكدر حياته وحياة عائلته ، ففقدان القدرة على الكسب من العوامل التي تخلق التوترات والتي تؤدي في كثير من الحالات إلى زيادة مشكلات الأسرة وحدوث الشقاق الأسري الذي يصل ببعض الأسر إلى الطلاق ، لذلك نرى أن نسب الطلاق قد ترتفع عند ذوي المراكز البسيطة وأصحاب الدخول المنخفضة وذلك بسبب الصعوبات الاقتصادية التي تواجه الأسرة وعجزها عن توفير مستلزماتها الضرورية، الأمر الذي يؤدي إلى قيام المنازعات وظهور المشاكل بين الزوجين وتؤدي بالتالي إلى تفكك الأسرة وانهيار مهن . ۲۰ من ٢٠ نسبة الطلاق بالنسبة للعاملين
٦. تعدد الزوجات ويعني في الغالب مشاركة أكثر من زوجة في منزل واحد إلى يلغي إمكانية استقلالية المرأة في بيتها، ويزداد الوضع سوءا بزيادة الأولاد ومحاولة كل زوجة أن تأخذ النصيب الأوفر لها ولأبنائها ، هذا من شانه يثير المشاكل والخلافات التي تؤدي إلى التوتر الأسري نتيجة عوامل متعددة وأخطاء يرتكبها الزوج كتفضيله زوجة على أخرى أو إيثار بعض الأولاد بالعطف دون البعض الآخر، وعدم الوفاء بمطالب الأسرة وعجزه عن توفير احتياجاته اليومية، مما يؤدي إلى قيام المنازعات والمشكلات بين الزوجين لأبسط الأسباب وتنعكس هذه الأوضاع على الأسرة التي لا يمكنه الاستمرار في التماسك والمحافظة على كيانها إذا لا تلبث المنازعات أن تؤدي بها إلى الانهيار نتيجة الصراع الذي يحدث داخل البناء الأسري بين أطراف العلاقة الأمر الذي ينتهي بالطلاق إما لرغبة الزوج في التخلص من المشاكل أو بناء على طلب إحدى الزوجات لعدم تحملها الاستمرار في حياة زوجية مضطربة .
٧.عدم التوافق بين الزوجين في مجالات عديدة منها عدم التوافق الجنسي فتعد المشاكل الجنسية التي يشكو منها الأزواج سببا في عدم التوافق بين الزوجين ، حيث يلعب العامل الجنسي دورا هاما في تكييف العلاقات الزوجية ، وقد يكون عدم التوافق الجنسي تعبير عن سوء التكيف في مجالات أخرى من الحياة الزوجية، على إن الصراع الذي يدور حول الجنس ما هو إلا مظهرا للصراعات والخلافات بين الزوجين مما يؤدي إلى امتداد الخلاف في دائرة الجنس والحياة العاطفية إلى مظاهر أخرى أكثر
حلول مشكلة الطلاق
التواصل الجيّد والحفاظ على مبادئ الزواج وأساسياته يلعب التواصل الجيّد دوراً هاماً في الحفاظ على المودة والألفة والعلاقة المتوازنة المُترابطة بين الزوجين، ويُمكن الحفاظ عليه وتعزيزه باتباع النصائح الآتية
الاهتمام وتحسين أسلوب التواصل: حيث إنّ انقطاع الاهتمام، وانشغال الزوجين بمسؤوليات الحياة، وظروف العمل، والعلاقات الاجتماعيّة الأخرى قد ينتج عنه مُباعدة المسافة بينهما، وشعور كل منهما بعدم اهتمام الطرف الآخر به وإهماله، أو الشك في مشاعره والخوف من الاستمرار معه، بالتالي لا بدّ من تعزيز أساليب التواصل، والعمل على التقرّب من بعضهما، وتشارك الاهتمامات، والمشاعر الجميلة، والصعوبات، والأحلام، والأهداف بشكلٍ مُنتظم.
التسامح والمغفرة: تنهار بعض العلاقات الزوجيّة بسبب عدم قدرة الزوجين على المُسامحة وإعطاء الفرص، رغم اعتذار الشريك واعترافه بخطأه وطلبه مغفرة الطرف الآخر، إلا أنه بالمقابل يرفض المُصالحة، وهنا يجب التنويه لضرورة تقبّل الخطأ كصفة بشريّة يقع بها الجميع، وأنّ العلاقة الزوجيّة الثمينة تتطلب تقديم التنازلات وإعطاء المزيد من الفرص لدعمها والحفاظ عليها، ويُمكن عتاب الشريك، وأخذ موقف وفرصة للتفكير لتأنيب الشريك على خطأه وإشعاره بالمسؤوليّة لكن بأسلوب ودّي ومُهذّب، ثم إكمال ومتابعة الحياة الزوجيّة بانسجامٍ وحبٍّ معاً.
الاحترام المُتبادل: يجب على الزوجين احترام بعضهما البعض، وتقدير كل منهما لشريكه، حيث إن الاحترام هو أحد أساسيات الزواج الصحي الناجح، وسبب رئيسي لاستمرار العلاقات ورضا الزوجين عن بعضهما، ويُمكن التعبير عنه باستمرار عن طريق تذكير الشريك بالمشاعر العظيمة التي يُكنها الطرف الآخر له، وامتنانه لوجوده، وتقديره لمكانته ودوره كنصفٍ مُكمّل له، وعدم الاكتفاء بالوقت والعشرة لإظهار مشاعر الاحترام بل التحدث عنها باستمرار، والتصّرف بطريقة تُعبر عنها.