المصلحون والتعليم
أ.د.عدي حاتم عبد الزهرة ألمفرجي
قسم التاريخ \كلية التربية للعلوم الانسانية \ جامعة كربلاء
وجد المصلحون العراقيون على اختلاف مشاربهم في التعليم وسيلة فاعلة في نهضة الأمم وحاولوا إصلاح الكثير من المناهج التعليمية والمعرفية الى الطريق الذي يخدم المجتمع، وعلم التاريخ بالرغم من انه لفظ عربي بمعنى العهد او الحساب او التوقيت ، أي تحديد الوقت، وهو الوقوف على تطور الانسان لمعرفة ما هو الانسان وما هي القوانين التي تسيرها تطور المجتمعات وتتحكم في سيرها التاريخي من نشوء ونمو وازدهار وتدهور وانحلال .لأجل ذلك هنا نقف قبل سرد الآراء في شان التعليم بضرورة معرفة كيف نظر المثقف رجل الدين المصلح الى علم التاريخ ، وكنموذج ان المصلح الشيخ علي الشرقي وجد ان علم التاريخ ليس مجرد سرد للحوادث سردا روائيا بل هناك ميزة جديدة للحادثة التاريخية يجب اعادتها وصياغتها بثوب جديد يتلاءم مع مقتضيات وحاجة العصر ، وفلسفة هذه المزية ان الحادثة التاريخية مصائرها قررت والعظات وقعت والجزاء والحكم التاريخي قد استقر لذلك لا بد ان تخدم قضية العصر باستخلاص الصور الحية التي تنبض بالروح وتوحي بما يريد طرحه من افكار تربوية او اصلاحات اجتماعية ،وهنا مع التغيرات الاجتماعية والسياسية في بدايات القرن الماضي ، اراد المصلحون من الحوزة العلمية اصلاح التعليم وطلب العلوم فقد كان قبل اعلان الدستور العثماني 1908 كانت هناك محاولات خجوله وخائفة في تهذيب الدروس في معاهد النجف العلمية لكنها فشلت بسبب ذلك الخجل والخوف وضعف مناخ حرية الراي . وتقوى ذلك المناخ وتشجعت تلك المحاولات بعد اعلان الدستور العثماني في تجديد النظم والاساليب الدراسية وفسح المجال للحريات الدراسية العربية وترك المناهج الدراسية الاجنبية المكتوبة باللغات الاوردية الهندية او الفارسية ، والعمل على تنظيم اساليب الدراسات الدينية ، وادخال بعض العلوم الحديثة ، واستحضار المدرسين الاكفاء ، وتعميم الثقافة في شتى مناحي العلم.وكانت الدراسة الحوزوية لا تؤمن بـ[ الامتحان ] ” ، بسبب ان نمط التعليم قديم وهو ان الدرس ينبغي ان يكون للدرس فقط ، وان الدراسة الحرة الخالية من الامتحانات تدرب الطالب على التفكير المعمق والنظر فيما يلقى عليه من مادة اكثر مما يدربه على الحفظ والتلقين وبهذا الشكل تتغلغل هذه الظاهرة القديمة في حياة الطالب وتفقده الشعور بالقدرة على الاستنتاج والمعرفة.
اما في التعليم الرسمي اصبح الطلاب بعد عام 1912 يجلسون على الرحلات المدرسية في المدارس الحديثة بعد ان كانوا يجلسون على الارض . واستثمر بعض لمصلحون من رجال الحوزة العلمية المثقف ” كاظم العشار “لتدريس اللغة الفرنسية والرياضيات بالمدرسة العلوية ، واستثمار ” محمد بهادر ” بتدريس الرياضيات . واستغلال بعض الشخصيات الهندية او بعض الطلبة الهنود لتدريس اللغة الانجليزية في المدارس الحديثة لانهم جيدون باللغة الانكليزية بسبب التراكم الاستعماري . ولم يقبل البريطانيين المناهج التعليمية في العراق سواء الرسمية او غيرها بتهمة انها تمجد النظام العثماني السابق والتذرع بانها غير متطورة اذ جاء في احد التقارير البريطانية تأكيد بريطانيا ” شكها عن فائدة الانماط التعليمية المتطورة للعراقيين وعدم الحاجة في البلاد لانشاء دراسات اولية على مستوى البكالوريوس “. ورد المصلحون بالدعوة الى تأسيس مدارس حديثة ابتدائية ومتوسطة وثانوية تدرس المعارف ، والمناهج الشرعية المتطورة ، وفي الوقت نفسه تحافظ على روح الاسلام.
واهتم وزير المعارف المصلح السيد هبة الدين الشهرستاني في وزارة النقيب الثانية (20 أيلول 1921 )بالتعليم وعمل على تأليف مجلس عام للمعارف في بغداد ـ كهيئة رأي ـ ضم في عضويته ” المصلح محمد رضا الشبيبي ، وفهمي المدرس ، وجميل صدقي الزهاوي وغيرهم ” . ومهمة هذا المجلس تقديم الاستشارات الحديثة الى وزارة المعارف ، وحث الاهالي على ارسال اولادهم الى المدارس الحديثة ، ومساعدة الطلاب المحتاجين وجمع التبرعات لانشاء المدارس وتوسيعها واصلاحها.واهتم هذا المصلح بتمدين الارياف وتحديثها ، وكانت له وجهة نظر في ذلك وهو عن طريق التعليم أي بفتح المدارس والمعاهد العلمية في الارياف حتى أنه اكد من الضروري فتح مدرسة في كل قرية. وناشد المصلح الشيخ محمد رضا الشبيبي بتحديد المناهج الدراسية وتوفير عناصر تدريسية كفوءة من العرب وطالب المصلحون من الديوانية من الشباب المثقف بتوفير ناد علمي ادبي يضم الشباب المتنور في مدينة الديوانية. وانتقدوا فوضى عدم توزيع الاختصاصات العلمية حسب كفاءة المعلمين او قدرتهم ، ويبدو ان للمحسوبية واللامبالاة دوره في صنع هذه الفوضى .
وعلى الرغم من الاوضاع التعليمية السيئة دفع محرر صحيفة النجف المصلح المثقف يوسف رجيب الى استنكار ما تطلقه صحيفة ( العراق ) البغدادية التي دعت في احدى مقالاتها الى الغاء وزارة المعارف وتحويلها الى مديرية عامة تابعة الى مجلس رئاسة الوزراء ، اذ كتب رجيب : ” ان هذا المقترح تخريب يستهدف القطر … لم تخل صحيفة من صحف العالم اليوم من الحث والحض ـ البالغ اقصى الدرجات على نشر ألوية العلم والاكثار من المدارس ، ودور التدريب وغرف التهذيب والتعليم ، اذ لا سعادة للأمم الا بتعليم ابنائها وتثقيف عقول رجالها في هذا السبيل … الخ ” . وتلقي صحيفة النجف شباك التهمة لهذا المقترح الغير علمي الى المستشار البريطاني ” مستر رايلي ” في وزارة المعارف مؤكدة ان اسباب تقدم الشعوب ترتبط ارتباطا جدليا برعاية العلم والنشء ، وهذا ما لا يريده المحتل البريطاني.
ودعا المصلحون الى ضرورة تعليم البنات وخلق جيل من المتعلمات لكي يساعدن مجتمعهن على الرقي والتمدن . اذ ناشد المصلح المثقف عيسى كمال الدين ببناء مدرسة لتعليم البنات ونجح الامر وفتحت المدرسة الأولى لتعليم البنات في المدينة [ النجف ] سنة 1929 ، وكتب على بابها ” المدرسة الابتدائية لبنات الموظفين ” وسبب الكتابة بهذا العنوان لابعاد سهام النقد الرافضة لتعليم البنات .