الوعي الإسلامي السياسي في العراق
أ.د.عدي حاتم عبد الزهرة ألمفرجي
قسم التاريخ \كلية التربية للعلوم الانسانية \ جامعة كربلاء
يرجع الوعي الاسلامي في العراق الى بداية الحرب العالمية الأولى اذ اصدر المرجع الديني السيد (محمد كاظم اليزدي) فتوى الجهاد ضد الاحتلال البريطاني، فضلاً عن قيام الشيخ (محمد الحسين كاشف الغطاء) بنشر دعوة الجهاد وتهيئة العشائر والاتصال بالحكومة العثمانية لاستغلالها في تهيئة مستلزمات المجاهدين وشارك في حملة الجهاد الاخوين الشيخين ( عبد الكريم الجواد الجزائري) و(محمد جواد الجزائري) والسيدين ( هبة الدين الشهرستاني ومحمد سعيد الحبوبي) وانتشرت في الوقت نفسه منشورات فقهية تحريضية على الجهاد، وأثمرت تلك الجهود بتكوين ثلاث كتل جهادية تحركت باتجاه البصرة وهي قافلة السيد (محمد سعيد الحبوبي) والثانية قافلة الشيوخ (محمد الحسين كاشف الغطاء وعبد الكريم الجزائري ومهدي كاظم الخراساني) والثالثة بقيادة السيد (هبة الدين الشهرستاني) واستمروا في نشاطهم السياسي فأسسوا (جمعية النهضة الاسلامية 1918) وفي (ثورة العشرين) كان الوعي الاسلامي السياسي اخذ بالضعف بعد تغيير موازين الوضع في العراق بقيام رئيس الوزراء (عبد المحسن السعدون) – شكل وزارته الاولى 18 تشرين الثاني 1922 – وباستشارة البريطانيين، بنفي كل من يتدخل بالسياسيةإلى(إيران). بل فرضت الحكومة العراقية في شباط 1924 على المعارضين تقديم ضمان مكتوب بعدم التدخل بالسياسة وشؤونها لا من بعيد أو قريب وهذا الضمان (هو النكسة الذي ضرب الوعي الاسلامي السياسي على مستوى القادة الروحيين إذ أبعدهم – بعد هذا التأريخ- عن النشاط السياسي الجماعي الحوزوي بل على مستوى مرجع مثل ابو الحسن الاصفهاني فابتعدوا عن السياسة ومشاكلها، وأصبح الوعي فردي النشاط في بعض الأحداث السياسية) فالشيخ (محمد الحسين كاشف الغطاء ) اتجه بنشاطه السياسي خارج المؤسسة الدينية وممارسة دوره كنشاط فردي مثل دعم قضية فلسطين في 7 كانون الأول 1931 والى بغداد ليصبح من أعضاء الهيئة الإدارية (جمعية المؤتمر الإسلامي)في 9 أيار 1933ومساندة الاتجاهات الوطنية كدعم أقامة المناسبات الوطنية، منها مساندة احتفالية ذكرى شهداء ثورة العشرين التي تصادف 30 حزيران 1934، والعلاقة المتزايدة بين الإسلاميين السياسيين والعلمانيين والتدخل في حركات عشائر الفرات الأوسط واصدار ميثاق الشعب عام 1935 ،ومساندة (انقلاب مايس 1941) بضرورة مساندة الجيش، والحكومة، للمحافظة على كرامة البلد ،وحمايته من الأجنبي الذي ينوي احتلاله ونهب ثرواته ،بل أفتى الى جانب الشيخين الأخوين( عبد الكريم ومحمد الجواد الجزائري) بمساندة هذا الانقلاب، وكان الوعي الاسلامي السياسي في مدة ما بعد الحرب العالمية الثانية قد اخذ بالضعف والانحسار، بسبب السياسات البريطانية المقيدة لكل حراك إسلامي، فضلا عن البيئة المحافظة التي لا تشجع الإسلام السياسي،الأمر الذي جعل من الساحة السياسية العراقية مفتوحة للحركات العلمانية، التي أصبح لها قواعد شعبية قوية حتى في المدن المقدسة ، يقابله عدم وجود نخبة إسلامية مثقفة كافية قادرة على فرض تنظيم أسلامي ثقافي ، وبقى التحرك الاسلامي يبحث عن كيان سياسي، ويبدو أن البحث عن هذا الكيان يرجع الى تعاظم وجود المد العلماني الذي استثار الروح الدينية. ولكن بقي في نطاق الفردية التي اتبعها بعض الإسلاميين السياسيين ، ومنهم من اختار أن يكون نشاطه خارج العراق كالشيخ (عبد الكريم الزنجاني) اذ سعى الى تحقيق الوحدة الإسلامية التي تكللت بالتعاون مع علماء السنة في مصر بتأسيس ( دار التقريب بين المذاهب الإسلامية) عام 1947 التي أصدرت مجلة فكرية تدعى ( الرسالة والرواية) لتكون وساطة فكر وحل الإشكالات بين المسلمين ،وردم الفوارق التي تزيد الشقاق والتجزئة بين المسلمين وعد الكاتب المصري (علي الطنطاوي) هذا المشروع طريقاً بين (الشيعة والسنة) إذ كتب: ((انه طريق اقصر واسلم ان يتعاون الشيعة والسنة إلى هذه الغاية على منع كل ما يصدع الشمل ويفرق الجمع ويلغي الخلاف بين المسلمين)) ويمكن وصف العمل الثقافي الإسلامي بأنه نواة للوعي الاسلامي السياسي ، الذي كان نموه ثقافيا فكريا على حساب الصراع مع الشيوعية .ثم تحول العمل الإسلامي الثقافي الفردي إلى نقد الأوضاع الداخلية . وشهدت أعوام 1949-1951 تحرك شبابي حوزوي ضد الوعي الشيوعي بغية إثبات الذات السياسية ،فكانت مدة الإرهاص الفكري السياسي المبكر ،وبداياته في عام1952 ،عندما أرادوا- وابرزهم السيد (محمد مهدي الحكيم وعبد الصاحب دخيل) – القيام بعمل من خلاله يطرح الإسلام ودولته ،بوساطة عقد مجلس حسيني ليلي في (الصحن الحيدري الشريف) ويسبق العزاء إلقاء كلمة توجيهية وعددها ثلاثون بعدد أيام شهر رمضان، ويلقيها السيد (محمد مهدي الحكيم ) وظهرت ثمرات العمل الإسلامي الثقافي في تشكيل تنظيم للوعي الاسلامي السياسي في عام 1952 واسمه (( الحزب الجعفري)) من (عبد الصاحب دخيل وحسن شبر وصادق القاموسي) وانضم بعض النخب الدينية والمثقفة ذوي الميول السياسية الشيخ( عبد العزيز البدري وصالح شربة ومحمد الكواز والاخوين هادي ومحمد مهدي الحكيم ومحمد هادي السبيتي) إلى تنظيم إسلامي وافد في بغداد هو ( حزب التحرير الإسلامي) وأسس الشيخ(عز الدين الجزائري) تنظيم إسلامي عرف ( حركة الشباب المسلم) عام 1953 ،واستمر في التطور إذ انضم اليه ثلة من النخب الدينية ومنهم (طالب الرفاعي ومهدي السماوي ومحمد صالح الاديب) وامتد نشاطه الى مدن النجف وكربلاء المقدستين، واتباع نظام التعبئة الجماهيرية على غرار ما تفعله الحركات العلمانية في العراق،وشعاره :((مجتمع مسلم ودولة أسلامية وسعادة الدنيا ونعيم الآخرة)) وكان لانتماء بعض النخب المثقفة الى (الأخوان المسلمين) في بغداد ،قد انعكس بما اكتسبته تلك النخب من خبرات تنظيمية،وثقافة سياسية، لها الفضل على (حزب الدعوة 1958) في انبثاقه وتنظيمه وهناك تنظيم سياسي ظهر له الفضل ايضا على هذا الانبثاق وهو (شباب العقيدة والأيمان ) في أوائل خمسينات القرن الماضي ،وهو من التنظيمات الإسلامية السياسية، أسسها السيد (محمد علي المرعبي) الذي شجع بهذا التنظيم على بث روح الثقافة العامة بين النخب، واتخذ من مساجد ( الهندي والترك) (والصحن الحيدري الشريف ) مركزا” لنشاطه وفي عام 1954 تأسس تنظيم سياسي هو ( منظمة المسلمين العقائديين) وهو تعاون وجهود( حركة الشباب المسلم) وكان نشاطه ثقافيا، فاخذ يعمل في وسط المجتمع وهنا كان السعى الى تعزيز الثقافة والتثقف دور اساسي في الوعي السياسي .
اهم المصادر
– محمد حسين حرز الدين، تاريخ النجف الأشرف (قم: مط نكارش، 1997
– محمد باقر البهادلي، الحياة الفكرية في النجف الأشرف (قم: مط ستاره، 2004)
– محمد علي كمال الدين ، مذكرات محمد علي كمال الدين من رجال الثورة العراقية 1920 ، تقديم وتعليق كامل سلمان الجبوري ، ( بغداد : مطبعة العاني ، 1986 )
– ناجي وداعة الشريس، لمحات من تاريخ النجف الأشرف (النجف الأشرف: مط القضاء، 1973)، ج1.