قصر بني مقاتل (اشكالية الموقع)
ا.د حسن حمزة جواد
جامعة كربلاء-كلية التربية للعلوم الانسانية
ورد ذكر قصر مقاتل او بني مقاتل في الكثير من المصادر الأدبية، التاريخية والجغرافية منها، الا ان الباحثين لم يتفقوا على تحديد موقعه الجغرافي، فقيل في ذلك الكثير من الآراء، وطرحت فيها العديد من الأدلة.
وصف ياقوت الحموي (ت. ٦٢٦ هـ) قصر مقاتل في معجم البلدان بأنه يقع بين عين التمر والشام، وقال السكوني: هو قرب القطقطانة وسلام ثم القريات، كذلك قال ان الشخص الذي اقام القصر هو مقاتل بن حسان بن ثعلبة بن أوس بن ابراهيم بن ايوب بن مجروف بن عامر بن عصية بن امرؤ القيس بن زيد مناة بن تميم، وهو من العائلة التي ينتمي اليها الشاعر عدي بن زيد، وقال ابن الكلبي: لا أعرف في العرب الجاهلية من اسمه (إبراهيم بن أيوب) غيرهما، وإنما سميا بذلك للنصرانية، أي ان الاثنان هما من عباد الحيرة، اي من مسيحي الحيرة. واستناداً الى ما ذكره ياقوت الحموي اعلاه فان باني القصر هو مسيحي الديانة. ويكمل فيقول خربه عيسى بن علي بن عبد الله ثم جدد عمارته فهو له.
تشير اغلب النصوص التاريخية الى ان القصر انشأ في حوالي منتصف القرن السادس الميلادي (550م)، اذ جاء ذكره في عدد من الحوادث التاريخية السابقة للإسلام، أما فيما بعد ذلك فقد ورد ذكره في احداث تاريخية تعود للعصور الاسلامية، ففي سنه (١٤هـ) اتخذه النعمان بن قبيس سكناً له، كذلك مر به الامام الحسين (ع) في سنه (٦١ هـ) بعد ان انحرف عن طريق الكوفة مكة، وبعد ذلك مر به خالد بن عبدالله القسري اثناء سفره إلى هيت والرصافة نحو سوريا، واخيراً هدم القصر على يد عيسى بن علي عم الخليفة العباسي السفاح، الذي اعاد بناءه من جديد، فضلاً عن الكثير من الروايات التاريخية التي تطرقت إلى ذكره ولكن لا يسعنا المجال الى ذكرها هنا.
اختلف الباحثون في مجال التاريخ والآثار في تحديد الموقع الجغرافي للقصر، فهنالك من جعل من تلول الأخيضر الواقعة نحو (2.5 كم) من حصن الأخيضر موقعاً لقصر بني مقاتل، وهنالك من جعل من الأخيضر نفسه موقعاً للقصر، في حين ذكر اخرون ان العطشان هو قصر بني مقاتل المفقود.
تؤكد المختصة بدراسة علم الأثار الباحثة الالمانية (باربارا فنستر) ان تلول الاخيضر الأثرية هي قصر بني مقاتل، وتطرح من اجل ذلك عدد من الأدلة والنتائج العلمية، التي توصلت لها في بحثها وتنقيبها في الموقع المذكور، يرافقها عدد من علماء ومختصي علم الآثار.
تقع تلول الاخيضر الى الغرب من مدينة كربلاء، وهي عبارة عن منطقة اثرية غير واضحة، يفصل وادي بينها وبين حصن الاخيضر، كذلك غطت انقاضها مساحة من الأرض بلغت نحو (220*170 م)، لمجمع كأنه مربع الشكل ومحاط بجدار، وللموقع ابراج وسطية وابراج مستديرة في زواياه، احتوى المبنى الرئيس على قاعة استقبال مكونه من عدد من الأعمدة، تبلغ مساحتها (10*11 م) ومقسمة بواسطة اعمدتها إلى ساحة وسطية وممرين، كما عثر في الجانب الشرقي من القاعة على الواح جصية تحمل علامة الصليب، وصليب مطلي باللون الأحمر، كذلك احتوى المجمع على مسجد صغير تم اضافته فيما بعد.
كشفت اعمال التنقيب الاثارية في موقع تلول الاخيضر عن عدد من النتائج المقعنة بصحة ما ذكرته الباحثة برباره فنستر:
  1. مر الموقع بأربعة أدوار حضارية، يرجح ان الدور الأول يعود في تاريخه الى منتصف القرن السادس الميلادي (550م)، وهذا ينطبق مع الاحداث التاريخية السابقة للإسلام.
  2.  زينت البناية بالزخارف الجصية في الدور الثاني، المطابق للفترة الاموية، وتم بناء اول مسجد فيها، ذلك الذي لا يملك طبقات اثرية، ولا يتصل مع المبنى الرئيس بعلاقة زمنية، أي تم اضافته فيما بعد، اما الدور الثالث فيرجح تزامنه مع مرحلة بناء حصن الاخيضر، اذ تغيرت أحوال المبنى وتدهورت، أي ان الموقع استخدم كمسكن للعاملين في تشيد الاخيضر.
  3. دلت اللقى الاثارية المكتشفة في تلول الاخيضر على مسيحية الباني، مثل الصلبان المنقوشة على الواح الجص، وغيرها من النقوش، وهذا ينطبق مع ما ذكره ياقوت الحموي (ت 626 هـ) بان مقاتل بن حسان باني قصر بني مقاتل نصراني المعتقد، وبذلك فان قصر بني مقاتل أقرب ما يكون الى كونه تلول الاخيضر.
  4. ان تسوية تلول الاخيضر وعدم بقاء أي إثر شاخص لها ينطبق مع رواية ياقوت الحموي، الذي ذكر بان عيسى ابن علي قد خرب قصر بني مقاتل وأعاد بناءه، ولا يشترط ان يكون عيسى بن علي قد بنى في الموقع نفسه، بل يمكن ان يكون  قد اختار موقعاً جديداً وقريباً، مثل حصن الاخيضر، فهو الوحيد الشاخص والبارز للعيان من مسافات بعيدة، دون ان ينافسه اخر بذلك مثل قصر مقاتل، أي ان السبب لتهديمه هو لجعل الاخيضر الوحيد الشاخص للعيان، كذلك للاستفادة من الطابوق في بناء الأخير، وهذا هو الدور الرابع والأخير للموقع، أي التهديم النهائي.
إذاً بين أيدينا علامات تدل على ان تلول الاخيضر هي قصر بني مقاتل، اولها الأدلة الاثارية المسيحية، وثانيها عدم شخوص او بقاء أي اثار لتلول الاخيضر بحسب نص ياقوت الحموي.
للمزيد انظر:
  1. طالب علي الشرقي، عين التمر: دراسة جغرافية اجتماعية تاريخية لعين التمر وشفاثا وما يحيط بهما (النجف: مكتبة الآداب، 1969).
  2. اباذر راهي سعدون الزيدي، حصن الاخيضر دراسة في ضوء التحريات والتنقيبات والصيانة الاثرية، مجلة العميد، العدد الأول والثاني، 2012م.
  3. عبد الأمير عزيز القريشي وزهير عبد الوهاب الجواهري، قصر مقاتل: اختلاف الآراء وحقيقة الموقع في ضوء المصادر التاريخية، دراسة تحليلية (كربلاء: مركز كربلاء للدراسات والبحوث).
  4. Barbara Finster and Jürgen Schmidt, “The origin of ‘desert castles’: Qasr Bani Muqatil, near Karbala, Iraq.” Antiquity 79. No. 304 (2005).
  5. باربرا فنستر ويوروجين شميدت، أصل الحصون الصحراوية قصر بني مقاتل مثالاً، ترجمة وتعليق: حسن حمزة جواد، مجلة التاريخ والاثار، العدد 84، 2023م.
 
الاشكال:
 

شارك هذا الموضوع: