ـ نبذة عن منهاج الدرس وطريقة تلقي العلم بكربلاء في العصور الوسطى الاسلامية :ـ
من المعروف ان كربلاء تختص بانها امامية أثنا عشرية ، لذا فالكتب المعتمدة لتلقين الطلبة العم كثيرة ، منها تعود للأستاذ المحاضر نفسه ، علما ان هذه الكتب لم تكن لتقتصر على تصانيف الامامية فقط بل اشتملت على كل مؤلفات المسلمين ، ونحن هنا لسنا بصدد جرد كل موارد الدرس تلك التي يمكن لنا ان نطلق عليها اصطلاحا مناهج الدرس ، وإنما اعطاء فكرة موجزة لاهم تلك الاصول ، ناهيك عن انها اكثر ما اشارت اليها المصادر التي اعتمدناها في اتمام بحثنا هذا .
لكن قبل ان نمضي قدما في عرض تلك الموارد والاصول التي تلقى عليها طلبة العلم علومهم من المرحلتين الوسطى والمتقدمين ( طلبة الاجتهاد ) ، أُبين ما كان معتمدا بصفة منهاجا تعليميا لتلامذة الكتاب ، أو قل المبتدأ كما وصفها ابن طاووس ، وعموما فان منهاج التعليم هذا في هذه المرحلة المبكرة تتشابه الى درجة كبيرة في عموم البلاد الاسلامية آنذاك ، إذ يقوم المؤدب بتلقين تلامذته القراءة والكتابة وحفظ بعض سور القران الكريم الميسرة ، وقواعد اللغة العربية المبسطة ، وربما زاد المؤدب تلامذته فلقنهم بعض الابيات الشعرية ، ناهيك عن تعليمهم الصلاة التي تعد من اهم الاركان التي سعى المؤدب الى تلقينها تلامذته ، ليغدوا التلميذ بعد ان ينهي مرحلته الدراسية هذه وهو عارفا بتفصيلات صلاته ، سيما وانه قد تجاوز في هذه الاثناء سن الثانية عشر أو حتى أكثر ، ومن ذا يظهر ان المؤدب يعتمد في تلقينه تلامذته على ما يمتلكه من خبرة علمية في تأديب هؤلاء ، فهو لا يحتاج الى كتب وشروح ليعلم تلامذته سوى بعض سور القران ، وربما قصيدة من هنا وهناك لشاعر معروف .
والطلبة في المرحلة المتوسطة ، التي بين المبتدأ والمتقدم ، وفيها يتدرج الطالب في مستواه حتى يصل الى مرحلة تأهله للانتقال الى المرحلة الدراسية اللاحقة – المتقدمة – فان منهاجها يعتمد على التعرض للأصول من كتب الفقه والفلسفة والمنطق وسواها ، للأساتذة الجهابذة من معاصريهم أو الذين لمع ذكرهم من فقهاء المسلمين ممن سبقهم ، لكن مناقشة تلك الاصول تمر بأسلوب مبسط تلائم مرحلتهم العمرية والدراسية على حدٍ سواء ، وقد جرت الدراسة على وفق حلقات الدرس للطلبة المتقدمين التي يتدرجوا في الدراسة على وفقها ليتصدوا للمؤلفات المفصلة مع شروحها وحواشيها وعرض آراء الفقهاء فيها ، وآراء فقهاء الفرق الاسلامية الاخرى ، وفي هذه الحالة يكون الطالب قد انتقل الى مرحلة الدرس المتقدم – اي طلبة الاجتهاد – وفي هذا الوقت يبدأ الطالب بالمناقشة وأبداء الراي حول ما قرأ .
ومن المهم القول هنا ان للأستاذ المحاضر حرية اختيار ما يراه مناسبا من تلك الاصول لمناقشتها مع طلبته ، فضلا عن مؤلفاته هو ، ومن تلك الكتب التي أُعتمدت في المدارس العلمية وفق ما ذكره ابن طاووس ونحن نتحدث عن كربلاء ، كتاب التوحيد للمفضل بن عمر وكذا الاهليلجة ، وهو رسالة في التوحيد كتبها الامام الصادق ردا على رسالة للمفضل بن عمر الجعفي سأله ان يكتب ردا للمنكرين الربوبية واحتجاجا عليهم ، وقد أوردها المفضل في كتاب سماه بهذا التصنيف ، أما في الفقه فكانت اشهرها المقنعة واصول الفقه والاركان في دعائم الدين وغيرها من تصانيف الشيخ المفيد ( ت413هـ) ، وكتاب النهاية وعدة الاصول للشيخ الطوسي محمد بن الحسن (ت460هـ) ، وفي التفسير له كتاب التبيان في تفسير القران ، وكذا كتاب المنجي من الظلال في الحلال والحرام في عشرين مجلدا ، وهذا في المعاملات وهو للحسن بن عقيل الحلي ( ت557هـ ) ، أما كتب الحديث فكان اشهرها كتاب الكافي للشيخ الكليني ابو جعفر محمد بن يعقوب (ت329هـ) ، وكذا كتاب الدلائل لعبد الله بن جعفر الحميري (ت350هـ) ،ومن لا يحضره الفقيه للشيخ محمد بن علي بن بابويه القمي المعروف بالصدوق (ت 381هـ) ، ودلائل الائمة لمحمد بن جرير بن رستم الطبري (ت ق5هـ ) ، ومن كتب الحديث لأهل الجماعة كان اشهرها كتاب الصحيح للبخاري (ت256هـ) والصحيح لمسلم (ت261هـ) .
وهذه الكتب كانت من أشهر الاصول التي تعرض لها الفقهاء واعتمدوها منهجا لقنوا تلاميذهم العلم عليها ، فكان الاستاذ الفقيه يقدم موضوع البحث فيعرض مادته وفق مصادره التي كانت تلك التي عرضناها توا جزءً منها ، ثم يدور النقاش حول آرائها ، ثم يبدي رأيه باستخدام دليله العلمي – سواء أكان ذلك اثباتا لتلك الآراء ام مخالفا لها – ثم يفتح بعد ذاك باب الحوار والمناقشة في مسائل تلك الاصول فيجيب عن تساؤلات تلامذته فيها ، وحتى لا يكون هذا المبحث مجرد جرد للأصول التي اعتمدها الفقهاء في منهاجهم اكتفينا بسرد بعض منها التي كانت من أكثرها شهرة .